رصدت وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية الهجمات التي يشنها ما يعرف بـ”الذباب الإلكتروني” السعودي ضد خصوم السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن عملية الرصد أظهرت استهداف ليس الخصوم فحسب بل الدول المصنفة في دائرة الأصدقاء مثل السودان والمغرب والكويت وشخصيات معروفة مثل الكاتب الكويتي المقرب من السلطات السعودية أحمد الجار الله.
وقال إنه خلف ستار الأزمة الخليجية في صيف 2017، نظمت لأول مرة بوضوح هجمات من حسابات إلكترونية سعودية متزامنة على أشد وجه، ضد من تعتبرهم خصوما للمملكة، قبل أن يتسع الأمر ويتحول تدريجيا إلى مساس بالحلفاء، وتدمير ممنهج للعلاقات متى دعت الحاجة.
وظهر بشكل لافت مسؤولان سعوديان أحدهما سابق والآخر حالي، في صدارة مشهد الهجوم الإلكتروني في أحيان غير قليلة، أولهم سعود القحطاني المتهم في مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، والذي أقيل من منصبه في الديوان الملكي مؤخرا، والثاني تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية.
وفيما يلي أبرز الهجمات الإلكترونية التي طالت الحلفاء من جانب “الذباب الإلكتروني” السعودي على النحو التالي:
– المغرب
في مارس/ آذار 2018، وبأسلوب حاد، هاجم رئيس هيئة الرياضة السعودية، تركي آل الشيخ، المغرب، الحليف التقليدي للرياض، الدولة العربية الوحيدة المتقدمة لاستضافة نهائيات مونديال 2026 لكرة القدم، قائلا عبر حسابه “تويتر”: “إذا طلب من السعودية دعم ملف مونديال 2026، ستبحث الرياض عن مصلحتها أولا، اللون الرمادي لم يعد مقبولا”، في إشارة لدعم الرياض للملف الأمريكي الذي فاز بالفعل بالتنظيم.
الانتقاد، الذي جاء على خلفية حصول المغرب على دعم قطر لملف الترشح للمونديال وما سبقها من وقوف المغرب على الحياد في الأزمة الخليجية، تلاه، بشكل بدا أنه موجه، هجوم ضخم متزامن من حسابات إلكترونية على المغرب، منها مثلا ما قاله حساب باسم “أيمن”، ويظهر دعمه لولي العهد قائلا: “هذي نهاية دعم السعودية للمغرب لسنين طويلة، السعودية يدها بيضاء مع كل الدول العربية، ولكن للأسف يد الخيانة، هي اليد التي تمتد لنا، كفاية هدر لأموال البلد على دول ناكرة للجميل”.
وهذه التعابير المتفاعلة مع التغريدات الرسمية، لا شك أنها تركت أثرا كبيرا على علاقة البلدين، وشرخا ليس بالسهل تجاوزه، لتساهم في تراجع العلاقات وحشرها في زاوية يصعب تجاوزها للآن. بل إنها امتدت في مناسبات أخرى حيث رُصدت تعليقات سلبية تؤيد عدم قيام ولي العهد السعودي بتضمين المغرب في جولته العربية الأخيرة التي شملت في المقابل عدة دول مغاربية (تونس والجزائر وموريتانيا).
– الكويت
الكويت أيضا، الشقيق الخليجي للرياض، لم تسلم من أذى الذباب الإلكتروني، حين هاجم آل الشيخ، وزير الشباب الكويتي، خالد الروضان في تغريدة بحسابه “تويتر”، بعد لقاء وفد ترأسه المسؤول الكويتي بأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد في 21 يناير/ كانون ثاني، الماضي.
وغرد آل الشيخ قائلا: “الروضان؛ باختصار؛ هو: الارتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة”، لتنطلق حسابات إلكترونية سعودية، فورا بعدها تنتقد الكويت، وتدشن هاشتاغات (وسوم) مسيئة، منها ما قاله حساب مقبل السعيري معلقا، “الروضان يلعب بسمعة الكويت”.
– مصر
ما أن اعتذر آل الشيخ عن رئاسته الشرفية للنادي الأهلي المصري، في مايو/ آيار 2018، ووجه انتقادات حادة عبر حسابه بـ”توتير”، لرئيسه اللاعب المصري الشهير محمود الخطيب، إلا وتوالت الحملات الإلكترونية المسيئة لمصر ولأكبر الأندية المصرية والقارة السمراء.
ومع تواصل ما اعتبرته وسائل إعلام بمصر “استفزازات” من تغريدات آل الشيخ ضد شخصيات بمصر، تم سب الأخير من مشجعين حضروا مباراة للأهلي، قبل أن تتطور الأمور سريعا إلى إعلان المسؤول السعودي، في سبتمبر/ أيلول 2018 سحب استثماراته الرياضية من مصر، ما ولد حالة من الاحتقان الشعبي بين البلدين “الحليفين”، فقد تلا أزمة السباب والانسحاب حملات منظمة إلكترونية سعودية تسيء لمصر والنادي الأهلي.
– السودان
مع صدور تصريحات رسمية سودانية، في مايو/ آيار الماضي، تلمح لإمكانية سحب السودان لقواته المتواجدة في اليمن ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، انطلق الذباب الالكتروني مهاجما السودان بضراوة وبشكل غير لائق، ومقللا من قيمة هذا البلد وأهله.
ولم تكن الحملة الأولى، ضد السودان، إذ سبقها في أواخر 2017 وأوائل 2018، حملة إلكترونية مماثلة، ورفضت الخرطوم آنذاك ما أسمته “تطاولا عليها”، جاء عقب توقيع اتفاقية مع تركيا لإعادة تأهيل جزيرة سواكن.
ووصل الأمر إلى أن قناة “العربية” السعودية طرحت استفتاء لها عبر صفحتها الرسمية بتويتر، في يوليو/ تموز الماضي تساءلت فيه عن سبب انضمام شباب وبنات السودان لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وأثار هذا الاستفتاء رفضا سودانيا، واعتبره مدونون سودانيون بمثابة حرب تشويه على الخرطوم.
على مستوى الأفراد..
لا يتردد أيضا الذباب الإلكتروني السعودي في مهاجمة شخصيات رغم تاييدها للنظام السعودي، ومن هذه الشخصيات:
– الكاتب الكويتي أحمد الجار الله
معروف بتأييده القوى لابن سلمان، وكل ما فعله أنه غرد ناصحا إياه بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، فقال: “أمير محمد بن سلمان هذا ما نريده منك، نريدك بين الناس، سواء ناس شعبك أو ناس من تزور خارج وطنك، أمير محمد هنا تكون أمام طبيعة الأشياء”، مادحا زيارات بن سلمان الميدانية.
لكن الجار لله سرعان ما تعرض لهجوم كبير من الذباب منها ما كتبه حساب بعنوان “عبد العزيز الرشيد” واضعا صورتي العاهل السعودي وولي العهد على التغريدة: “من صيغ الاحترام (الألقاب) فهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وليس أمير” فقط، كما كتب الجار الله.
ووصل الأمر لحد التجريح، حيث علق حساب سطام آل سلطان: “يا أخي هل تتوقع أن رئيس تحرير صحيفة، وعميد الصحافة الكويتية حسب قوله، يكتب بهذا الأسلوب الركيك، وهذه الأخطاء الاملائية الفادحة؟”، متهما إياه بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي، بلا سند.
– الإماراتي عبد الخالق عبد الله:
في سبتمبر/ أيلول الماضي، كتب الأكاديمي الإماراتي المناصر دوما للسعودية، عبد الخالق عبد الله عبر حسابه بـ”تويتر”: “صديقة عزيزة وزميلة أكاديمية جادة أتمنى أن أراها قريبا” خارج السجن، مع صورة للأكاديمية السعودية والناشطة في مجال حقوق المرأة، هتون الفاسي، الموقوفة في المملكة منذ يونيو/ حزيران الماضي، وتتعرض لمعاملة قاسية في محبسها بحسب منظمات حقوقية.
إلا أن عبد الله الذي شغل سابقاً منصب مستشار ولي عهد أبو ظبي، لم يسلم من هجوم “ذبابي” سعودي لاذع، منه ما جاء على حساب “رامي بدر”: “عبد الخالق اشتاق لهتون الفاسي، زميلة النضال، احتفظ بأشواقك في قلبك، واحذر من الاقتراب من السيادة السعودية والتدخل في شؤوننا”.
– السعودي زياد الدريس
هذا الكاتب السعودي معروف عنه تأييده المطلق لابن سلمان، إلا أنه هو الآخر لم يسلم من هجوم الذباب حين انتقدهم.
في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، كتب الدريس في صحيفة “الحياة” السعودية، “ابتليت بلادي الحبيبة، السعودية، بأن بعض الذين يدافعون عنها (خصوصا ممن يسمى الذباب الإلكتروني في موقع تويتر)، هم على مستوى من البذاءة والسوقية”.
وجاء الرد سريعا من خلال إطلاق هاشتاغ بعنوان “#الدريس_يسيء_لمغردي_الوطن”.. نال فيه الكثير من التجريح والإساءات.. وكان ضمن قائمة أكثر الهاشتاغات انتشارا في المملكة، حاصدا أكثر من 30 ألف تغريدة.
“فخ” “انتقاد” محمد بن سلمان
لم تتوقف الحملات الإلكترونية السعودية الموجهة، على التعرض للحلفاء مثل الخصوم، فقط لكن المفارقة أنها طالت ولي العهد ذاته!.
ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية، صورة لولي العهد السعودي في صدر غلافها، وبداخلها مقال ينتقد بقوة سياساته داخل المملكة وخارجها.
وجذبت الصورة عددا من مؤيدي بن سلمان، وأعاد العشرات نشر المقال على السوشيال ميديا، ترويجا له، دون أن يدركوا مضمونه المنتقد لبن سلمان، ما وضعهم في حرج لاحقا.
وكتب الأمير منصور بن سعد آل سعود، الأمين المساعد لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، في حسابه على “تويتر”: “إعادة العرب إلى مكانتهم العظيمة، عنوان المجلة الذي يحمل صورة سموّ سيدي ولي العهد”، قبل أن يحذف التغريدة، عقب انتقادات لمشاركته مقال يدين ولي العهد ظنا منه بالخطأ أنه يكرمه، الأمر الذي كررته حسابات أخرى.
ممثل غير رسمي
وعن ممارسات الذباب الإلكتروني السعودي، قال مؤسس منصة جمهرة الرقمية أحمد حذيفة: “الذباب الإلكتروني مكون من 3 فاعلين أو فئات، أولا: من يظهرون بأسمائهم وصفاتهم الحقيقية، كصحافيين ومسؤولين مثل سعود القحطاني”، المقال، عقب أزمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأضاف: “الفاعل الثاني هم موظفو السلطة، وهم أشخاص حقيقيون لكن يكتبون دون أسمائهم الحقيقية، ويدورون في فلك ما يؤمرون به، أما الجهة الثالثة، فهي حسابات وهمية وخوارزميات تنشأ عبر البرامج ومهمتها إعادة التغريدات، لتُنشئ حالة من التفاعل الوهمي على السوشيال ميديا”.
ولفت إلى أن “السلطة لا تلتزم بهم وتعلن رأيا مخالفا لهم، من باب التمويه، ولكن في النهاية، معروف من يؤسس ويروج لها، ومن هنا يمكن أن يزداد الشرخ بين الدول والشعوب حتى الحليفة منها”.
وشدد حذيفة إلى أنه “يمكن للذباب الإلكتروني خلق عداء مع دول أخرى حليفة، رغم أن الدولة الموجهة للذباب الإلكتروني لا تعلن هذا العداء، ولا تعترف به، ولكن بالنهاية معروف ان هذا الذباب يمثل هوى الدولة وميولها الداخلية”.
كما أكد أن “الذباب الإلكتروني، ونظرا لوظيفته السلبية، يتجاوز الحدود المرسومة له، للتسلط على دول تعتبر صديقة للمملكة، مثل الكويت والسودان، بالإساءة لها وإهانتها، ما يؤدي لشرخ كبير يصعب تجاوزه”.
أما بسام شحادات، خبير التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية، فقال إن “الذباب الإلكتروني نوع من الدعاية السوداء للسيطرة على الرأي العام، والقيام بحملة من التنمر، لرصد أي تعليقات، وقمع أي اعتراضات، وهو أمر سلبي جدا”.
وأوضح أنه “يتم توظيف استخدام الذباب الإلكتروني للتعبير عن مواقف من الدول، خصوصا في حال الخلافات، إلا أن النموذج السعودي يزرع الشحناء والبغضاء والكراهية بين الشعوب”.
وشدد على أن “الإضرار بالحلفاء هو دور سلبي، ولا بد أن يكون هناك دور لمواقع التواصل الالكتروني كتويتر، لمنع الحسابات الوهمية، والتحكم بالترند، لأن مثل هذا الذباب يؤدي لخلافات ويثير النعرات بين الدول، ما قد يؤدي لعواقب لا تحمد عقباها بين شعوب المنطقة”.