تسببت تغريدة نشرها الحساب الرسمي لابن الصحفي السعودي المغدور، جمال خاشقجي، “صلاح”، والتي أعلن فيها عفو عائلته عن قتلة أبيه، في موجة غضب في أوساط الإعلاميين والنشطاء عربيًا ودوليًا.

ففي تغريدة له، قال نجل “خاشقجي”: “نعلن -نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي- أنا عفونا عمن قتل والدنا -رحمه الله- لوجه الله تعالى”.

وعلى الفور، شن ناشطون هجومًا على النظام السعودي، مؤكدين أنه تم الضغط على أبناء “خاشقجي” للتنازل عن حق القصاص من قتلة أبيهم، مع إعطائهم بعض الامتيازات المادية التي كشف عنه حساب “العهد الجديد” على “تويتر”، والمعروف بمصداقية تسريباته، حيث أكد “العهد الجديد” على أن دية جمال خاشقجي التي دفعت لابنه “صلاح”، كانت عبارة عن فيلا على كورنيش جدة، بالإضافة إلى مبلغ مالي يقارب الـ100 مليون ريال!

قتل غيلة لا قتل قصاص:

وأشار الناشطون إلى أنه ليس من حق عائلة “خاشقجي” أو أبنائه التنازل عن حق القصاص من قتلة أبيهم، فجريمة القتل هنا وفقًا للقانون السعودي المعمول به الآن؛ والمستمد من الشريعة الإسلامية، هي جريمة قتل “غيلة”، لا يجوز فيها القصاص، ويقتل القاتل فيها حدًا لا قصاصًا.

وذكر الناشطون بقرار المحكمة العليا السعودية رقم 9/م بتاريخ 25 / 3 / 1435 هـ، الذي ينص على ماهية قتل الغيلة وعقوبته، وأن صاحبه يقتل بحد الحرابة، ولا يجوز فيه العفو، والحق العام فيه مغلب على الحق الخاص.

كما أشاروا إلى قرارات سابقة صادرة عن وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، بأن “القاتل غيلة يقتل حدًا لا قصاصًا، ولا يقبل فيه العفو وهو مقدم على الحق الخاص”.

ونشر الناشطون أيضًا تعميمًا قضائيًا سابقًا على المحاكم كافة، بشأن آلية الحكم في قتل الغيلة، جاء فيه إنه “بناء على قرار المحكمة العليا المتضمن أن الهيئة العامة للمحكمة درست موضوع القتل الغيلة، وما حصل حوله من إشكال وهل هو من أنواع الحرابة، فإن القتل غيلة هو ما كان عمدًا عدوانًا على وجه الحيلة والخداع بما يأمن معه المقتول من غائلة القاتل، سواء أكان على مال أو لانتهاك عرض أو خوف فضيحة وإفشاء سرها أو نحو ذلك، وهو نوعٌ من أنواع الحرابة”.

وتعريفات المقصود بقتل “الغيلة”، وهو أن يكون القاتل خدع المقتول وغرر به واستدرجه بطريقة لأمن، وأن يكون المقتول واثقًا تمام الثقة في القاتل، وذلك كما يحصل مثلاً بين الزوج وزوجها أو كما تقتل المرأة زوجها وهو نائم على فراش الزوجية، أو يقتل الرجل زوجته وهي نائمة.

وشدد الناشطون على أن تكييف النيابة السعودية للقضية من بدايتها في إطار القصاص كان يوحي بالاتجاه إلى مسار العفو من قبل العائلة، منبهين على أن الجريمة هي “قتل غيلة” لا يُقبل فيه العفو من أولياء الدم.

صدى العفو دوليًا:

فور تلقيها خبر العفو رفضت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، ما فعله أبناء خطيبها، وأكدت أنه “ليس لأحد حق العفو، لن نعفو لا عن القتلة ولا من أمر بقتله”.

وقالت “جنكيز” على حسابها بـ”تويتر”، إن “جريمة قتله المشينة لن تسقط بالتقادم، وليس لأحد الحق في العفو عن قتلته. وسأستمر أنا وكل من يطالب بالعدالة من أجل جمال، حتى نحقق مرادنا”.

وأضافت أن “القتلة قدموا من السعودية بترتيب مسبق والقتل غيلة وليس لأحد حق العفو. لن نعفو لا عن القتلة ولا عمّن أمر بقتله”.

كما  أكد المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، كينيث روث” في تصريح له، أنه “يمكن للمرء أن يتخيل حجم العرض المادي، وحجم التهديد الذي تعرض له نجل جمال خاشقجي، ليضطر أن يُعلن عن عفوه عن قتلة والده المتوحشين”.

من جانبها، دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بعمليات القتل خارج نطاق القضاء، آغنس كالامار، مجموعة العشرين لإعادة النظر في عقد اجتماعاتها في الرياض، في ضوء ما سمتها كالامار “مهزلة العدالة” التي انتهى فصلها الحالي بـ العفو من نجل خاشقجي عن قاتل والده.

وقالت “كالامار”في تقرير لها العام الماضي، إن القتل كان على الأرجح إما خطة مدبرة أو مؤامرة لاختطاف خاشقجي مع خيار قتله، إن قاتليه سيكونون أحرارًا.

وغردت على تويتر قائلةً: “هذه هي القطعة الأخيرة في لغز الإفلات من العقاب في السعودية، وهو العمل الأخير للمحاكاة الساخرة للعدالة التي لعبت أمام جمهور عالمي”.

غضب ورفض داخلي:

الناشط الحقوقي السعودي ومدير منظمة “القسط” الحقوقية، يحي عسيري، أكد في تغريدة له أن “قبول العفو في جريمة جمال خاشقجي أشبه بخداع للناس، فمثلاً لو شخص ليس لديه عائلة لتعفو عن القاتل، هل من المقبول أن تقتله السلطات وتقطع جثته وترميه في الشارع وتنتهي القضية؟!”، وتابع “العسيري” بقوله: “للمجتمع حق مثل الأسرة، وقضية خاشقجي ليست قضية شخصية بل جريمة دولة”.

كما أشارت الناشطة النسوية السعودية بالخارج، أميمة النجار، عبر “تويتر” إلى الضغط الممارس على عائلة “خاشجي” وأبنائه لإصدار هذا العفو، حيث قالت: “صلاح اكتب تغريدة تعفو عن الحكومة اللي قتلوا أبوك، لجين سجلي فيديو تقولي أن أنتِ ما تعرضتي للتعذيب، لأجل ما تنفضحك الحكومة، سمر سجلي فيديو اعتذري لمعنفك، ونخلي قضيتك السياسية في محاربة قانون الولاية، قضية أسرية، ويأتي أبوكِ يستلمك، واضح راعي الأفكار شخص واحد”.

من جانبه، كان الأكاديمي السعودي ونجل الداعية المعتقل “سلمان العودة”، عبد الله، قد أكد منذ حوالي شهر عبر بث بودكاست له، أن هناك اتجاها للعفو عن قتلة “خاشقجي”، حين أجاب عن سؤال حول إمكانية العفو، بقوله: “واحد من العائلة لو قرر أن يتنازل عن القصاص انتهت فكرة القصاص تمامًا، هذا هو مفهوم القصاص، وأعتقد أنهم أختاروا القصاص لهذا السبب”.

بينما غرد عقب إعلان العفو قائلاً: “تكييف العقوبة وفقًا للنيابة العامة (قصاص) منذ البدء يوضّح النيّة المبيّتة لتبرئة قتلة خاشقجي، أو الذهاب لمسار (العفو) من قِبل العائلة. وللآسف هذا الذي حصل كما هو متوقّع، جريمة قتل الشهيد خاشقجي هي قتل غيلة لن تسقط بالتقادم، وعملية اغتيال واستغلال السلطة، إضافة لجرائم أخرى”.

وتابع نجل “العودة” بقوله: “نفس الطغمة الفاسدة التي أمرت بقتل خاشقجي ودبّرته، وتقتل أطفال اليمن، وتعدم العشرات، وتطالب بإعدام العلماء، وتتحرش بالناشطات في المعتقلات وتصعقهن كهربائيًا، وتؤذي كل خلق الله وشعوب الأرض بالشتائم والعنصرية، اليوم تقدّم المواعظ عن فضل العفو عن قتلة الشهيد خاشقجي رحمه الله!”.

بينما غرد الصحفي السعودي بالخارج “تركي الشلهوب”، قائلاً: “لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟! #جمال_خاشقجي”.

بينما قال الباحث “محمد مختار الشنقيطي” عبر حسابه بـ”تويتر”: “حكم القتل غيلةً قبل مقتل #خاشقجي هو القصاص حداًّ، ولا عفو فيه، وبعد مقتل خاشقجي باب العفو مفتوح لتبرئة #مبس ورهطه المفسدين في الأرض!! لا تستغربْ! هذه #شريعة_آل_سعود لا شريعة الله”.

وأثار اغتيال خاشقجي غضبا عالميا، وقالت تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وحكومات غربية إنها تعتقد أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.

يذكر أن القضاء السعودي قد أصدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أحكامًا ابتدائية في القضية، برأ بموجبها ثلاثة مسؤولين بارزين من الجريمة، وهم: سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد السعودي، والقنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، واللواء أحمد عسيري النائب السابق لمدير الاستخبارات.

وصدرت في الوقت نفسه أحكام بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين 24 عاما. ولم تكشف النيابة عن أسماء المحكوم عليهم.

ولقيت هذه الأحكام انتقادات من جهات دولية رأت أن المملكة تحاول تجنب محاسبة الفاعلين الحقيقيين في جريمة اغتيال خاشقجي، فهل ينغلق هذا الملف بكلمات العفو التي نطق بها أبناء خاشقجي، قسرًا أو رضاءًا؟! وهل سيسكت ضمير العالم عن المطالبة بحق دم خاشقجي من قتلته المعروفون للجميع؟!