خاص: جاء إعلان مجموعة من المشرعين الأمريكيين داخل الكونجرس، عن تقديمهم مشروع قانون يسعى إلى وقف إمكانية حصول السعودية على سلاح نووي، ليعيد الوهم الذي يسعى نحوه ولي العهد “محمد بن سلمان” إلى صدارة الأحداث بين السعودية والولايات المتحدة.

فالمشرعون الأمريكيون قالوا إن مشروع قانونهم يأتي بعد تقارير ظهرت العام الماضي تفيد بأن الصين ساعدت الرياض سرا في توسيع برنامجها النووي، وكذلك لمخاوف برلمانية أمريكية من امتلاك السعودية للسلاح النووي في ظل عدم الثقة في النظام السياسي الذي يحكم المملكة الآن، بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.

ويهدف مشروع القانون، الذي يحمل عنوان “قانون أسلحة الدمار الشامل السعودي”، إلى “اتخاذ خطوات لإعاقة الوصول إلى التقنيات الحساسة التي يمكن أن تمهد الطريق أمام السعودية لامتلاك سلاح نووي”، حسب بيان صحفي أعلن عن التشريع، الخميس الماضي.

محاولات سعودية لامتلاك النووي:

اكتشفت الولايات المتحدة بالصدفة في عام 1988 أن السعودية حصلت سراً من الصين على أسطول من الصواريخ البالستية متوسطة المدى ذات القدرة النووية.

وبعد صدمة من ازدواجية السعودية الواضحة، أجبرت إدارة “ريجان” المملكة على عمل صفقة، حيث يمكن للمملكة بمقتضاها الاحتفاظ بالصواريخ التي لا تحتوي على رؤوس حربية، دون مزيد من الضغط من واشنطن شريطة أن توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتلتزم بها، بعد أن كانت السعودية قد رفضت في السابق القيام بذلك على أساس أن (إسرائيل) لم توقع عليها.

ومنذ عام 2012، تسعى المملكة فعليًا نحو امتلاك سلاح نووي، وذلك من خلال توقيع اتفاقات مع بكين للتعاون في عدد من مشاريع الطاقة النووية.

وتوج هذا التعاون في عام 2017، مع الإعلان عن العمل الجاري على إنشاء أول مفاعلين نوويين تجاريين يبلغ مجموع الطاقة المولدة منها 2.8 جيجاوات بالمملكة، من خلال تكنولوجيا صينية، وهو ما استفز الجانب الأمريكي ودفعه لمنع امتلاك السعودية للأسلحة النووية.

فقد قدمت وكالات الاستخبارات الأمريكية عدة تقارير تقييمية في أغسطس الماضي، أفادت بأن الصين تساعد السعودية سرًا في توسيع برنامجها النووي، محللة التعاون المشتبه به بين البلدين في موقع غير معلن في المملكة، بالقرب من منطقة لإنتاج الألواح الشمسية.

وأكد تلك الشكوك الأمريكية، ما قاله في عام 2018، “بن سلمان”، إن البلاد ليس لديها خطط لامتلاك قنبلة نووية، لكن إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسنتبعها “في أقرب وقت ممكن”.

مخاوف صهيونية:

في أغسطس الماضي، أبلغت الحكومة الصهيونية، إدارة “ترامب”، قلقها من المنشأة النووية السعودية التي رصدت الاستخبارات الأمريكية نشاطا إشعاعيا فيها، والتي تردد أنها ستقام في الصحراء بمساعدة صينية.

ودفعت تلك المخاوف الصهيونية، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مايك بومبيو، للتأكيد لصحيفة “نيويورك بوست” أن “سعي السعودية لامتلاك برنامج نووي يمثل خطرًا حقيقيًا”.

وأضاف: “نحاول القضاء على خطر الانتشار النووي سواء في إيران أو السعودية أو كوريا الشمالية”.

جاء ذلك، بالتزامن مع إرسال أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بمجلس الشيوخ الأمريكي، رسالة تحذير إلى الرئيس “دونالد ترامب”، قالوا فيها إن “برامج السعودية النووية والصاروخية السرية تمثل تهديدا لجهود الحد من انتشار تلك الأسلحة في المنطقة”.

وأشارت الرسالة إلى تقارير، تفيد بأن الرياض قطعت أشواطا كبيرة بمساعدة صينية لتطوير البنية التحتية لإنتاج صواريخ باليستية متقدمة.

كما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، في 6 أغسطس/آب الجاري، أن وكالات المخابرات الأمريكية تحقق في الجهود التي تبذلها السعودية لتعزيز قدرتها على إنتاج الوقود النووي الذي يضع المملكة على أول طريق تطوير الأسلحة النووية.

وقالت إن هناك “مخاوف من جانب الإدارة الأمريكية بشأن حقيقة البرنامج النووي السعودي، والحجم الفعلي للأنشطة الرامية إلى تطوير أسلحة نووية”، محذرة أيضا من وجود تعاون بين الرياض وبكين في هذا الشأن.

عواقب أكبر من المكاسب:

بصفتها طرفًا في معاهدة حظر الانتشار النووي، ستواجه السعودية عقوبات اقتصادية قوية من الأمم المتحدة والعديد من الدول إذا انتهكت التزاماتها بموجب تلك المعاهدة، وسعت لامتلاك سلاح نووي.

وقد ظهر ذلك من خلال توجيه ألمانيا تحذيرًا شديد اللهجة للمملكة، حيث قالت وزارة الخارجية في بيان أصدرته أغسطس الماضي، ردًا على أنباء التعاون مع الصين: “من الأهمية بمكان أن تمتثل السعودية بالكامل لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي وأن يخضع برنامجها النووي لمعايير التحقق الدولية للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومن المؤكد أن الدول الصناعية الأخرى ستتخذ مواقف مماثلة.

كما أن السعودية تتفاوض مع الولايات المتحدة منذ سنوات حول اتفاقية تعاون نووي، تُعرف باسم “اتفاقية 123″، والتي من شأنها أن تسمح بدخول مثل هذا الترتيب حيز التنفيذ.

عند التوقيع على “اتفاقية 123″، ستقوم الولايات المتحدة، كما وعدت في مذكرة التفاهم لعام 2009، ببيع اليورانيوم المخصب وتكنولوجيا المفاعلات مع إمدادات وخدمات أخرى لأجل برنامج نووي مدني.

أما إذا أصر السعوديون على التخصيب، فمن المحتمل أن يحرموا من إمكانية إبرام “اتفاقية 123” مع الولايات المتحدة، مما سيتطلب منهم الحصول على جميع معداتهم وتقنياتهم من مكان آخر، مثل فرنسا أو روسيا التي بنت أول مصنع لإيران، أو الصين.

كذلك إذا تجاوزت المملكة ذلك وظهر دليل واضح على أن المملكة لا تسعى فقط للحصول على القدرة على التخصيب وإنما الأسلحة، فإن رد فعل الكونجرس سيكون سلبيًا للغاية، وربما يصل لدرجة منع السعودية من شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي إشارة إلى أن السعودية تسعى لامتلاك أسلحة نووية ستضع المملكة على قائمة أهداف الكيان الصهيوني، وسيتحقق ما حذرت منه الولايات المتحدة عندما اكتشفت الصواريخ الصينية، حيث قال مساعد وزير الدفاع آنذاك “ريتشارد أرميتاج” للسفير السعودي في ذلك الوقت: “أريد أن أهنئكم. هذا هو قانون العواقب غير المقصودة. لقد وضعتم السعودية بشكل مباشر في حزمة أهداف الإسرائيليين، إذا حدث أي شيء خطر في أي مكان في الشرق الأوسط، فستضربون أولاً”.

وقال المعهد الصهيوني لدراسات الأمن القومي في تحليل لتقارير “تايمز” و”وول ستريت جورنال”: “لا يمكن لإسرائيل أن تظل غير مبالية بشأن التطورات النووية المتسارعة في السعودية”.

وبحسب مراقبين، فقد ابتعدت السعودية والكيان الصهيوني عن المواجهة منذ عدة سنوات، واقتربتا من التعاون أو على الأقل التسامح، ولن يربح السعوديون شيئًا من تقويض هذه العملية. كما أنه في ظل انشغال السعودية الشديد بالتعامل مع اليمن وإيران، لا تستطيع تحمل خوض معركة مع الكيان الصهيوني ستخسرها بالتأكيد.

كذلك والأخطر في الموضوع، هو عدم قدرة النظام السعودي الآن بتركيبه وترتيبه الحالي في التعامل مع أي أزمة بيئية قد تنتج عن امتلاك التكنولوجيا النووية، كحوادث التسرب الإشعاعي أو انفجار المفاعلات، كذلك عدم وجود كوادر بشرية سعودية وطنية لديها الكفاءة لإدارة تلك المفاعلات بشكل كامل والاعتماد على الخبراء الأجانب قد يزيد من تعقد الأمور، وتحكم أطراف أجنبية في القدرات النووية السعودية.

لذا فسعي “ابن سلمان” نحو امتلاك التكنولوجيا النووية، في خضم الأزمات تلك التي أدمن افتعالها، تعني الإمساك بقنبلة في يدك ونزع فتيل اشتعالها، مما قد يعرض المملكة لمخاطر بيئية وسياسية واقتصادية لا حصر لها.