خاص: دأب ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” منذ اعتلائه عرش ولاية العهد في 2017، على فصل الدولة السعودية عن جذورها التي اعتمدت عليها طوال عدة عقود قاربت من القرن منذ نشأتها؛ وذلك في محاولة لتقديم نفسه للغرب على أنه الأمير المصلح الذي جاء ليدعم مدنية الدولة السعودية ويلغي أي ارتباط ديني لها، ويفتح الباب أم تغريب المجتمع بحجة التطوير.

وأتقن “ابن سلمان” وضع الخطة، وتنفيذها كذلك، فاعتمد في خطته على عدة خطوات نسفت القواعد المجتمعية التي يقوم عليها المجتمع السعودي المحافظ، والتي بدأت بنزع هيبة علماء الدين من نفوس السعوديين من خلال اعتقالهم وترهيب كل من يخرج على رأيه منهم.

أيضًا اعتمد ولي العهد السعودي على تهميش القبائل ودورها في المجتمع السعودي، وقمع عوائلها وشيوخها واعتقالهم – إذا لزم الأمر -، ثم يأتي الدور على المرأة السعودية والسماح لها بكل ما كان ممنوع عليهن بحجة تمكين المرأة، ومن ثم تأتي الخطوة الأهم وهي تسهيل الترفيه الخبيث والاختلاط، وحظر المظاهر التدينية بالمجتمع السعودي، وتنتهي الخطة بتزوير التاريخ ونزع دور الإمام محمد بن عبد الوهاب في تأسيس الدولة السعودية، وذلك لبدء مرحلة جديدة في الدولة السعودية لا شأن للدين والتدين بها.

 

– نزع هيبة الدين وعلماؤه:

استفتح “ابن سلمان” ولاية عهده بحملة قمعية اعتقل من خلالها رموز العمل الدعوي والشرعي في المملكة أو ما يعرف بـ”رموز الصحوة”، في محاولة لتقليص دور الدين في حياة السعوديين، ولضمان عدم وجود أي أراء معارضة مؤثرة شعبيًا لتنفيذ خطته.

وبالطبع تمت تلك الاعتقالات، دون أي أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، كما منع جل المعتقلين من التواصل مع ذويهم لفترات طويلة عقب اعتقالهم أو توكيل محام لمتابعة قضاياهم، كما تم تعذيب العديد منهم لنزع اعترافات وهمية منهم. وتلا تلك الحملة حملات كثيرة، لوأد أي صوت قد يكون فيه نبرة معارضة لسياسات “ابن سلمان” الفاشلة.

وادعى ولي العهد السعودي آنذاك، أن تلك الحملة العنيفة جاءت ضد رجال الدين المتطرفين، متعهدًا بإعادة المملكة إلى “الإسلام المعتدل” الذي قال إن المتشددين سرقوه في سنة 1979. وفي هذا الصدد، أشار بن سلمان في منتدى في وقت لاحق من العام 2017، قائلاً: “لن نُضيّع 30 سنة أخرى من حياتنا في التعامل مع الأفكار المتطرفة، سنُدمّرهم اليوم”.

كذلك عمد “ابن سلمان” إلى تقليص دور ومساحة هيئة كبار العلماء – هيئة دينية رسمية تقدم النصح للملك وولي عهده -، كما قام بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

– نزع هيبة القبائل وشيوخها:

شن ولي العهد، محمد بن سلمان، حربًا على القبائل في السعودية التي تمثل العمود الفقري لدول الخليج العربي؛ ومنها المملكة، حيث تشكل هذه القبائل صمام الأمان في جزيرة العرب عبر قرون، إذ كانت أحد أوجه الحفاظ على الأخلاق الإسلامية والقيم العربية، كما شكّلت القوة الأولى التي تمدّ حكام المنطقة بالرجال والأموال التي تحميها وتدافع عنها.

ورغم تعاقب من حكم جزيرة العرب عبر قرون، لم يجرؤ أحد منهم على إضعاف القبائل أو تفكيكها وإفراغها من قيمها الإسلامية والعربية التي توارثتها، بل سعى معظمهم لتقويتها وكسب ولاءات شيوخها وزعمائها لضمان استقرار حكمه.

ولكن مع مجيء “ابن سلمان”، ومحاولته تغيير هوية المجتمع وتغريبه بأساليب شتى، ورغم أن سفير المملكة في لندن، خالد بن بندر، أعلن بوضوح أن السعودية لم تقم على الدين أصلًا وإنما كانت مجرد قبيلة انتصرت على غيرها في الحرب، إلا أن القبائل نالها أيضًا نصيب من ظلم “ابن سلمان” وحملته التغريبة الشرسة.

وقد أعلن “ابن سلمان” (حربًا غير معلنة) على العديد من قبائل المملكة اتخذت عدة أساليب أبرزها؛ تفكيك القبائل الكبيرة وإضعافها وتشويه سمعتها وقيمها واعتقال شيوخها ورموزها، زرع الفتنة بين القبائل، مع إبراز النماذج السيئة من القبائل واحتضانها، وتهجير القبائل بالقوة من أراضيها وقراها

فقما “ابن سلمان” بإنهاء خدمات خالد بن قرار الحربي، مدير الأمن العام، وإحاله للتحقيق في حربه مع قبيلة “حرب”، كذلك اعتقال رئيس جامعة الملك عبد العزيز، د. عبد الرحمن اليوبي وسجنه بدعوى فساد، وكان يمكن لاعتقال “اليوبي” أن يكون عاديًا كغيره من الاعتقالات، لكن حملات التشويه الكبيرة التي قادها الإعلام والذباب أكّدت الأصابع الخفية التي يحرّكها الديوان. كما تم نشر قوائم موظفين من قبيلة حرب في جامعة رابغ وجدة والتشهير بهم وذلك بهدف تشويه سمعة القبيلة.

يضاف إلى ذلك تشويه قيم القبائل وأخلاقها: مثّلت القبائل العمق الأخلاقي لشعب الجزيرة العربية بما حملته من أخلاق وقيم أصيلة توارثتها عبر الأجيال.

كذلك وظف “ابن سلمان” الدراما لحادثة جهيمان العتيبي لتشويه القبيلة بأكملها، تم إنتاج مسلسل (الرشاش) الذي أبرز أحد رجال عتيبة كزعيم عصابات خطيرة هدّد أمن الدولة لسنوات.

كما استدعى “ابن سلمان”، في منتصف يونيو 2017، بعد حصار قطر، عددًا من شيوخ قبيلة “آل مرة” المنتشرة في دول الخليج ليدلوا ببيان يهاجموا فيه قطر ويحرّضوا عليها في محاول لزرع الفتنة بين شيوخها وتوظيفهم سياسيًا، ولكن القبيلة لم تنجر لفتنته ورفضت تفكيك صفوف القبائل.

وعمد “ابن سلمان” لإبراز النماذج السيئة من القبائل واحتضانها: وأبرز مثال على ذلك ما فعله مع عائلة “آل الشيخ” التي عُرفت عبر القرون بمكانتها الدينية ورموزها الكثُر في المجتمع، فبدأ بإفراغها من رمزيتها الدينية المقرونة بالعلم والفقه أو تعيين الموالين له الذين يسيئون لسمعة الدين والعائلة، وما بقي من “آل الشيخ” هو اللقب فقط، أما المحتوى فتم إفراغه! ولتشويه سمعة “آل الشيخ” أكثر، تم اختيار أحد أفرادها ليكون عرّاب الفساد والمجون في بلاد الحرمين، فقام تركي آل الشيخ باستقدام كبار الساقطين والساقطات من شتى الأصقاع بحجة الترفيه.

 

– مزاعم تمكين المرأة

عاشت المرأة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها حالة من التناقض في التعامل فتارة بالإهمال والتجاهل وأخرى بجعلها مجرد آلة للمساعدة في أعمال الرجال الشاقة كالبناء والحرث والرعي والزراعة وثالثة بمصادرة حريتها وبخس أبسط حقوقها كاختيار الزوج والعمل.

ودخلت العادات المجتمعية المتوارثة من جهة مع الدين المتشدد الذي ظهر متوازيا مع تكوين الدولة السعودية من جهة أخرى، والذي أصبح كل منهم يخدم الآخر. فالسلطة الدينية تمرر أفكارها المتشددة من خلال الحكومة. والحكومة تقيد الحريات وتكبتها وتصادر حقوق النساء بعصا الفتوى.

في عام ٢٠١٥، وعندما بدأت بعض الصلاحيات تؤول لمحمد بن سلمان بتفويض مطلق من والده. بدأ يلعب على هذا الملف وأطلق الوعود المعسولة وفرش الأرض وردًا لكل المطالبين والمطالبات بحقوق المرأة.

وفي عام ٢٠١٧، عندما تمكن من الأمور تمامًا بدأ بتنفيذ شيء مما وعد به وهو حق المرأة في قيادة السيارة حتى كاد الناس أن يصدقوا أنه قد جاء الوقت الحقيقي لتمكين المرأة السعودية واعطاءها كامل حقوقها. لكن هذا الحلم لم يدم طويلا حتى صفعهم الأمير الطائش بحملة مسعورة لكل النساء المطالبات بالحقوق وجميع الناشطات والحقوقيات، وزجهن في السجون ورماهن بتهم لا أساس له من الصحة وإنما لإسكات أصواتهن الحرة. بل إن المضحك المبكي أن المطالبات على مر السنين بحق المرأة في قيادة السيارة اعتقلن لأجل أنهم طالبن في يوم من الأيام بهذا الحق.

وأكد ذلك العديد من التقارير والمنظمات الحقوقية في أن عهد محمد بن سلمان هو أسوأ عهد فيما يتعلق بحقوق المرأة وحريتها في السعودية؛ ففي عهده تعرضن للاختطاف من منازلهن والاخفاء القسري واعتقلن بدون أمر قضائي وداخل السجون تعرضن لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي.

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن تمكين المرأة في السعودية لم يكن إلا شعارا زائفا يرفعه الأمير المراهق في وجه المنظمات الحقوقية والدول الغربية ليخفي وراءه وحشية منقطعة النظير تجاه أي صوت حقوقي وأي مطالب بالحرية.

 

– تسهيل الترفيه:

مهرجانات للرقص والغناء وأخرى لاكتشاف الواهب، وثالثة لعرض المسرح ومهرجانات السينما، كذلك ذلك بات منتشرًا في السعودية، ولكنها في الحقيقة ليست سوى مستحضرات لتجميل صورة النظام السعودي طالما لا توجد مساءلة حقيقية للحكومة، وقمع لحرية التعبير عن الرأي، وعدم احترام للمواطن.

وهو ما دفع العديد من الناشطين لتدشين حملة الكترونية ضد سلخ المجتمع من هويته باسم الترفيه تحت عنوان #ماذا_قدمت_الترفيه_للمواطن ؟.

وأبرز النشطاء أن حملتهم توعوية يؤكدون فيها “لسنا ضد الترفيه.. بل معه ولكننا ضد سلخ المجتمع من هويته باسم الترفيه، وشدد هؤلاء على أن ما يجرى في المملكة يمثل سلخا للمجتمع من هويته وانقلابا فاضحا على قيم ومبادئ بلاد الحرمين باعتبارها تسفيه وتغريب لا ترفيه.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أبرزت أن انقلاب الترفيه ونشر الإفساد والانحلال في السعودية يثير تساؤلات مواطني المملكة حول الهوية وضياع قيم المجتمع.

وسلطت الصحيفة الضوء على التحول الثقافي السريع بالسعودية والذي يثير جدلا واسعا بين السعوديين أنفسهم في بلد يعرف بأنه قبلة المسلمين.

قبل حوالي أربعة عقود أبرم النظام الملكي السعودي صفقة منحت السلطات الدينية شديدة المحافظة سيطرة واسعة على الثقافة في مقابل ولاء رجال الدين للتاج، بحسب الصحيفة الأميركية.

وساعدت الصفقة على وقف موجة التطرف السياسي في السعودية والتي كانت تجتاح الشرق الأوسط، ولكنها أدت إلى أن تصبح المملكة واحدة من أكثر الأماكن المغلقة في العالم.

ومنذ وصوله لولاية العهد عام 2017، عمل محمد بن سلمان على تهميش السلطات الدينية في محاولة للانفتاح ونشر الإفساد والانحلال.

وساهمت تحولات وريث العرش البالغ من العمر 37 عاما في المملكة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور الملاعب الرياضية وإلغاء قوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (شرطة الأخلاق) وفتح البلاد للترفيه من حفلات البوب إلى الأفلام والأحداث الرياضية التي تم حظرها في السابق باسم الالتزام الديني الصارم.

في ديسمبر الماضي، استقطب مهرجان موسيقي ضخم في حي البلد بجدة حوالي 25 ألف شابا يحتفل وسط هذه المدينة الساحلية السعودية القديمة على البحر الأحمر.

وعلى الرغم من قلة الانتقادات العلنية للمهرجان الذي حول شوارع البلد إلى حفل موسيقي في الهواء الطلق، إلا أن سعوديون يجادلون بشأن ما إذا كانت بلادهم تتغير بسرعة كبيرة بعد أن كانت لعقود مغلقة.

بالنسبة للبعض، فإن تجاور التقليدية يرمز إلى السعودية الجديدة. وقالت لولا محمد، محاسبة تبلغ من العمر 23 عامًا، “علينا أن نكون منفتحون على الأشياء الجديدة”. وأضافت أن المهرجان كان حدثا “يقدر موروثي ويحتضن المستقبل أيضا”

وجد آخرون أن إقامة مهرجان للموسيقى الصاخبة ذات الطابع الغربي في الغالب بحي مصنف على مواقع التراث العالمي لليونسكو أمر مثير للقلق.

 

– يوم التأسيس:

وكنتيجة لكل ما سبق، عمد “ابن سلمان” لتزوير التاريخ بشكل فج، من خلال جعل يوم 22 فبراير/ شباط، يومًا لتأسيس المملكة، وهو في الحقيقة كان إعلانًا لدولة “ابن سلمان”، وتأسيسًا لحقبة جديدة للمملكة على يد “ابن سلمان”، فهو محاولة لتغيير الهوية السعودية، وتخلص ولي عهدها من الدين كإطار جامع للمملكة، في محاولة لسلخ السعودية عن هويتها الإسلامية.

فلم يكتف “ابن سلمان” بتزوير التاريخ، ولي عنق النص التاريخي من أجل إبعاد أي صلة بين الدولة السعودية والإمام “محمد بن عبد الوهاب”، حيث يرتبط يوم التأسيس بتأسيس “الدرعية” على يدي الأمير مانع بن ربيعة المريدي، عام 850هـ / 1446م، والذي اخترعه القرار الجديد كاسم جديد لم يكن يعرفه المؤرخون، والذي قيل إنه جد العائلة الحاكمة؛ لأجل الزعم بأن تأسيس الدولة السعودية سابق لـ”ابن عبد الوهاب”.

حتى أن الأمر دعا بعض المؤرخين للتصدي له، حيث أكد الباحث السياسيّ والتأريخيّ، د. عبد الله الزوبعي الشمري الحنبلي، أن “مانع المريدي”؛ شخص مجهول في التاريخ الإسلامي، ولم يُذكر عند مؤرّخ من مؤرخي العرب في عصره بالقرن التاسع الهجري، مضيفًا أنه على الرغم من أنه كان معاصرًا للمؤرّخ السخاوي الذي ذكر جانبًا من أخبار نجد إلا أنه لم يذكره قط، ولو بحثنا عن أول ذكرٍ له لوجدناه في كتابات آل سعود المتأخرة عن زمنه بقرون.

وتابع: “على المزاعم السعودية يكون “الأمير” مانع معاصرًا لأجود بن زامل الجبري، ونجد أن المؤرخين يذكرون أجود واتساع ملكه، ولم يذكروا مانعًا هذا”.

واستطرد “الزوبعي”: “فخذ مثلًا السمهودي وصف الجبري برئيس أهل نجد ورأسها، ولم يذكر هذا المريدي، ومن الوصف نعرف أن إمرة نجد واحدة، وتتبع الجبري”.