خاص: تحتل المراسلات للسلطات السعودية نصيبًا كبيرًا من مراسلات الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع لمجلس حقوق الإنسان الأممي، وذلك دلالة واضحة على أن الإخفاء القسري في المملكة ليس مجرد فقط انتهاكات فردية من قبل بعض المسؤولين، ولكنه أصبح ظاهرة ممنهجة يعتمدها النظام السعودي مع كل من يخالفه الرأي.

 

– الاختفاء القسري:

وفقًا لتعريف الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإن الاختفاء القسري هو “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.

ودخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010. وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب، وفقًا لتقرير نشرته منظمة “العفو”.

والاتفاقية هي واحدة من أقوى معاهدات حقوق الإنسان التي اعتمدتها الأمم المتحدة. وعلى خلاف الجرائم الأخرى بموجب القانون الدولي، مثل التعذيب؛ فإن الاختفاء القسري لم يكن يحظره صك عالمي ملزم قانوناً قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2010.

وتقدم الاتفاقية تعريفاً لجريمة الاختفاء القسري، وتوجز الإجراءات الضرورية التي يجب أن تتخذها الدولة للحيلولة دون وقوع الجريمة، والسماح بالتحقيق ومقاضاة من يرتكبونها.

يتم رصد تنفيذ الاتفاقية من قبل اللجنة المعنية بالاختفاء القسري. وفي وقت التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها، أو حتى بعد ذلك، قد تعلن الدولة أنها تعترف بالولاية القضائية للجنة المعنية بالاختفاء القسري في تلقي والنظر في الرسائل من أو نيابة عن الضحايا أو الدول الأطراف الأخرى. كما تقدم اللجنة تفسيرات رسمية للاتفاقية.

 

– الحقوق التي تنتهكها حالات الاختفاء:

بحسب منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، فإن كل حالة اختفاء تنتهك مجموعة من حقوق الإنسان من بينها: الحق في أمن الشخص وكرامته، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في توفير ظروف إنسانية في الحجز.

كما ينتهك الاختفاء القسري كذلك الحق في أن يكون للمختفي شخصية قانونية، وحقه في الحصول على محاكمة عادلة، والحق في تكوين حياة أسرية، والحق في الحياة (في حال مقتل ضحية الاختفاء القسري).

 

– أشهر قضايا الاختفاء القسري في السعودية:

أرسل  الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع لمجلس حقوق الإنسان للسعودية منذ 2011 حتى اليوم 7 قضايا يسائل فيها السعودية عن مصير أفراد تعرضوا للإخفاء القسري، إلى جانب مسائلات حول استخدام قانون مكافحة الإرهاب لتبرير عمليات الإخفاء القسري.

من بين الشكاوى التي أرسلت إلى السعودية، قضايا 17 مواطنا يواجهون عقوبة الإعدام على الرغم من عدة إنتهاكات تعرضوا لها، منها ما يتعلق بتعرضهم للإخفاء القسري. إضافة إلى ذلك أشارت إحدى الرسائل إلى قضية مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان تعرضوا للإعتقال والإخفاء القسري وهم إيمان النفجان ولجين الهذلول ومحمد البجادي، كما أرسلت إلى الحكومة السعودية شكوى حول المدافع عن حقوق الإنسان خالد العمير.

إضافة إلى ذلك شارك الفريق العامل في شكاوى أرسلت إلى السعودية حول كل من الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وشكوى أخرى حول 5 معتقلين في قضية قتله، إلى جانب شكوى حول الإخفاء القسري للصحفي اليمني مروان علي ناجي المريسي. إضافة إلى ذلك ظهرت ممارسة السعودية في تقارير الفريق العامل الدورية، كما تبين تجاهل الحكومة للرد على هذه الشكاوى والأسئلة.

من بين القضايا التي تعامل معها الفريق العامل قضية الداعية سليمان الدويش، الذي لا زال مصيره مجهولا على الرغم من مرور 3 سنوات على إختفائه. في يوليو 2017 راسل الفريق العامل الحكومة السعودية حول حالة الدويش، غير أن السعودية لاتزال تتجاهل بشكل مثير للريبة، في ظل معلومات تم تداولها في الشبكات الإجتماعية قالت أنه قتل تحت التعذيب، دون ورود نفي أو تأكيد رسمي. إضافة إلى ذلك، راسل الفريق العامل ضمن إجراءاته العاجلة، الحكومة السعودية حول قضية المسنة عايدة الغامدي وإبنها الذين تعرضوا للإخفاء القسري في مارس 2018.

أيضًا بين هؤلاء، المواطن الأردني حسين أبو الخير الذي لا زال يواجه عقوبة الإعدام بتهم تتعلق بالمخدرات، الذي تعرض للإخفاء القسري 12 يوما، حيث اعتقلته قوات سلاح الحدود السعودي عند دخوله السعودية من دون أن تبلغ عائلته أو محام.

أما القضية الأبرز التي وضعت السعودية بشكل علني عالميًا على لائحة الدول التي تمارس الاخفاء القسري، كانت عملية اخفاء الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، حيث بقي مصيره مجهولا لمدة 17 يوما، حتى اعترفت الحكومة السعودية بمقتله على يد موظفين حكوميين داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. الإخفاء الذي تعرض له خاشقجي امتد إلى الإخفاء القسري لجثته، حيث لاتزال السعودية تمتنع عن الإفصاح عن مصيرها حتى اليوم.

إضافة إلى ذلك، في سبتمبر 2017، إختفى المواطن السوري الجنسية خالد محمد عبد العزيز خلال تأديته شعائر الحج، وبقي غير معروف المكان حتى فبراير 2019 حيث عرفت العائلة أنه معتقل في السجون السعودية. لم تتمكن العائلة من التواصل معه، حتى أبريل 2019 حيث سمح لأخيه بزيارته مرة واحدة، حتى تم ترحيله في أغسطس 2019.

في أبريل 2019 شنت الحكومة السعودية حملة اعتقالات واسعة طالت 15 مواطنا على الأقل بينهم كتاب ونشطاء ومدونيين. المعلومات أكدت تعرض عدد منهم إلى الإخفاء القسري حيث لم تعلم عائلاتهم بمكان وجودهم إلا بعد مرور أيام، وهذا ما يثير الشكوك حول تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

وبالمثل، اعتقلت مجموعة من الأشخاص -بملابس مدنية- اعتقلوا عبدالرحمن السدحان في مارس 2018 من مقر عمله بالهلال الأحمر السعودي بالرياض .وبعد 23 شهرًا من الإخفاء القسري وعدم إفصاح السلطات عن مصيره، سمح له يوم 12 فبراير 2020م بإجراء مكالمة هاتفية وحيدة مع أهله، ذكر فيها السدحان أنه محتجز في سجن الحائر، وهي معلومة لم تؤكدها السلطات حتى الآن، وقد عاد انقطاع السدحان مجددًا.

وكذلك تركي بن عبد العزيز الجاسر، وهو صحفي سعودي وسجين سابق، تمت مداهمة منزله في 15 مارس 2017 واعتقل الجاسر وصودرت أجهزته من منزله ليختفي الجاسر بعدها بشكل كامل، ولم تسمح السلطات بزيارة الجاسر أو التواصل به أو حتى الإفصاح عن مكان احتجازه، إلا في نهاية فبراير 2020 حيث ردت السلطات السعودية على المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة وأفادت بأنه موجود في سجن الحائر في الرياض، وفي ذات الوقت، اتصل بأسرته للمرة الأولى دون أن يخبرهم بسبب اختفائه وما تعرض له، واكتفى بأخبارهم أنه في سجن الحائر فقط، ليعود الانقطاع مجددًا بعد ذلك.