خاص: طالعتنا وسائل الإعلام الرسمية السعودية بتقارير مصورة من داخل سجن الحائر بالرياض، او ما يعرف بـ”جوانتاناموا السعودية”، والذي شهد فظائع لا تحصى ولا تعد ضد العديد من معتقلي الرأي في المملكة، دون رقيب أو حسيب حتى هذه اللحظة.

وأظهرت تلك التقارير المعدة والمرتبة مسبقًا من قبل السلطات السعودية سجن الحائر ويكأنه “الفردوس المفقود”، وأن كل المحتجزين فيه ينعمون بحقوقهم، بل وأكثر من حقوقهم، في جو يعمه السلام والهدوء والأمان، وهو بالتأكيد عكس الواقع المعاش.

يتواجد بالسجن ما يقارب الـ1200 ما بين سجين شديد الخطورة ومعتقل سياسي، ولا يوجد مستشفى بداخل السجن مجهزة لاستقبال السجناء المرضى، بل يوجد مستوصف عادي يداوم فيه 4 أطباء و6 ممرضات.

 

– نظرة تاريخية لجوانتاناموا السعودية:

سجن الحائر، ويطلق عليه بالعادة «الحاير»، وهو سجن أمني، تشرف عليه المباحث العامة السعودية، جزء من السجن جنائي، والجزء الآخر خاص بالأمن السياسي، ويقع على بعد 29 كيلومتر إلى الجنوب من وسط العاصمة الرياض، ويعتبر أكبر سجن متعلق بالأمن السياسي في السعودية، افتتح في عام 1983، وهو مختص بقضايا الإرهاب وأمن الدولة.

ويحتوي السجن على مكاتب للإدارات الحكومية ومنها: وزارة العدل، والأحوال المدنية، ووزارة الخارجية، ووزارة التعليم، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ومكتب لجمعيات حقوق الإنسان الأهلية والرسمية، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الداخلية السعودية.

ويُعد سجن الحائر من أكبر سجون السعودية وأكثرها تحصيناً، حيث يخضع لرقابة أمنية مشددة، كما صُنف بحسب تقارير عالمية على أنه من أخطر السجون في الشرق الأوسط، ومن بين أخطر 10 سجون في العالم.

 

– محطات في تاريخ سجن “الحائر”:

في 15 سبتمبر 2003، اشتعل حريق في العنبر 19 من سجن الحائر المخصص للأحداث الموقوفين بقضايا جنائية، مثل؛ السرقة والمخدرات، والذي كان يبلغ عدد نزلائه 170 سجينا.

أدى الحريق لوفاة 69 سجين، وأصيب 21 آخرون. وشُكّلت لجنة فورية للتحقيق في الحادث، وفي أبريل 2004، صدرت نتائجها باتهام أحد النزلاء بالتسبب في إشعال الحريق، وتقرر إحالته للادعاء العام وصرف تعويض فوري لأسرة كل ضحية بمقدار 100 ألف ريال، ولم يتطرق التحقيق لعدم توافر أنظمة مكافحة الحريق داخل سجن لا يمكن الهروب منه، ما جعل السجناء فريسة سهلة للنيران، حتى أن بعض المصادر أكدت أن الحريق مدبر من قبل أحد مسؤولي السجن للتغطية على فساد داخل السجن.

وفي 18 أبريل 2007، نُشرت على الإنترنت مقاطع فيديو مصورة بالهاتف النقال تظهر حارسًا في السجن وهو يضرب سجناء بعصى بلاستيكية.

وقامت قناة الجزيرة الفضائية بنشر هذا المقطع المصور، لتدعي إدارة السجن أنها قامت بفتح تحقيق بعد مع الحارسين اللذان ظهرا في المقطع، ومع الذي صوّر الحادثة!

وأعلنت السلطات لاحقا أنها قررت عقاب الحارسين الذين ظهرا في المقطع، بوقف الحارس الذي ضرب السجناء عن العمل شهرًا فقط، ووقف الآخر الذي لم يتدخل لوقف الضرب عشرين يومًا!

في نفس الشهر نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، شهادات قالت أنها لمعتقلين التقت بهم في سجن الحائر شهدوا على موت سجناء بسبب سوء الرعاية الطبية والتعذيب.

وفي العام 2010، كشف موقع ويكيليكس عن أساليب “وحشية” تنتهجها السلطات السعودية لتعذيب السجناء داخل سجن الحائر.

وفي ديسمبر 2011، نشرت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية تقريرًا قالت فيه أن قوات مكافحة الشغب ضربت أفراد أسرة أحد المعتقلين وكسرت يد والدته بعد أن أصروا على البقاء في غرفة الزيارة إلى أن يسمح لهم بمقابلة مسؤولي السجن لطلب نقله.

في يوليو 2012، حصلت اضطراب وأحداث شغب من قبل المعتقلين الجهاديين، وتدخلت هيئة التحقيق والادعاء العام (النيابة العامة حاليًا) لمراقبة إجراءات التعامل مع المتسببين والتحقيق معهم وحصر التلفيات، دون تحديد الأسباب التي دعت هؤلاء المحتجزين للجوء لأعمال الشغب، وهل له علاقة بمنعهم من حقوقهم الأساسية؟!

 

– مقر احتجاز للأمراء:

في 21 نوفمبر 2017، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» – نقلاً عن مصدر سعودي – أن الأمراء والمسؤولين المعتقلين في السعودية قد يُنقلون إلى سجن الحائر، وقد يواجهون المحاكمة إذا لم يتنازلوا عن أصول مالية.

وكان النائب العام في السعودية قال، السبت: إن السلطات اعتقلت 11 أميرا سعوديا يوم الخميس بعد أن تجمهروا في قصر الحكم في الرياض في احتجاج نادر على إجراءات تقشف شملت إيقاف سداد فواتير الكهرباء والماء عن الأمراء.

وتجمع الأمراء في قصر الحكم مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء ومطالبين بالتعويض «المادي المجزي» عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم وهو الأمير تركي بن سعود الكبير.

وقال بيان النائب العام: «بعد إبلاغهم بخطأ تصرفهم هذا، رفضوا مغادرة قصر الحكم فصدر أمر (كريم) بالقبض عليهم عقب رفضهم مغادرة القصر وتم إيداعهم سجن الحائر تمهيدا لمحاكمتهم». ولم يحدد البيان هوية الأمراء.

ويشكك ناشطون سعوديون في الأسباب التي ساقتها السلطات السبت لاعتقال 11 أميرا وإحالتهم للسجن تمهيدا لمحاكمتهم بعد تجمهرهم أمام القصر الملكي في العاصمة الرياض.

 

– انتهاكات وتعذيب وقتل بالبطيء:

في يونيو 2021، أعلن حساب “معتقلي الرأي” الشهير عبر “تويتر”، عن وفاة المعتقل بسجن الحائر، زهير علي شريدة، نتيجة الاهمال الطبي بعد تفاقم إصابته بفيروس كورونا بداخل السجن دون تدخل من إدارة السجن لعلاجه أو عزله.

كما اتهمت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان بالخليج السلطات السعودية بنقل الضحية الى عنبر السجناء المصابين بكورونا ما أدى الى إصابته وآخرين من معتقلي الرأي بينهم الناشط “محمد القحطاني”.

كذلك نقلت السلطات السعودية الداعية المعتقل، الدكتور إبراهيم هائل اليماني، إلى إحدى الزنازين المودع بها بعض المتطرفين وتهديدهم له بالقتل، ما دفع منظمات وجهات حقوقية سعودية لتحميل السلطات مسؤولية الحفاظ على حياته؛ وأطلقوا منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، حملة إلكترونية تهدف إلى إنقاذه، تفاعل معها آلاف المغردين مطالبين بالكشف عن مصيره.

كذلك محمد القحطاني، وهو أكاديمي وناشط سعودي، وأحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم، وأحد المدافعين عن حقوق الإنسان منذ عقود، وكان مقرباً من الأكاديمي السعودي الراحل عبد الله الحامد، ومعتقل أيضا في سجن الحائر بعد الحكم عليه بالسجن 10 سنوات عام 2013، على خلفية نشاطه الحقوقي والإصلاحي.

خاض معركة الأمعاء الخاوية عدة مرات، ودخل في إضراب عن الطعام احتجاجا على ظروف احتجازه المتردية والتضييق عليه فيما يتعلق بالتواصل مع عائلته، أبرزها في ديسمبر/كانون الأول 2020، وكرره في أغسطس/آب 2021، احتجاجا على سوء معاملته، واحتجازه في عنبر خاص بسجناء الأمراض النفسية، المحتاجين للمستشفيات وليس للسجون.

وكانت زوجته مها القحطاني، قد كشفت أن أحد المرضى النفسيين تسبب يوم 13 أغسطس/آب 2021، بإشعال حريق في الجناح الذي يتم احتجاز زوجها فيه، موضحة أنه “لولا لطف الله ثم قدرة السجناء على إطفاء الحريق لحلت كارثة كبيرة”.

الناشط خالد العمير، معتقل منذ يونيو/حزيران 2018 بعد تقديمه شكوى للديوان الملكي ضد مسؤولين عن تعذيبه أثناء قضائه حكمًا سابقًا بالسجن ثماني سنوات، على خلفية مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين، ومحتجز بسجن الحائر، ومحكوم بالسجن تسع سنوات، يتلوها منع من السفر مدة مماثلة.

وفي 18 أغسطس/آب 2021، كشفت “القسط” النقاب عن محاولة قتل تعرض لها العمير، من سجين آخر رغم عدم احتكاكه أو معرفته بهذا السجين من قبل، وذلك في 30 يوليو/تموز 2021، ليختفي ذاك السجين عن الأنظار ولم يرهُ مجددًا، داعية للتحقيق في الحادثة، خاصة وأن السجن مراقب بالكاميرات، وتستطيع الجهات المسؤولة اكتشاف ملابسات الاعتداء.