تقرير خاص

جاءت وفاة الصحفي السعودي، صالح الشيحي، بعد أسابيع من إطلاق السلطات السعودية سراحه بعد اعتقال دام ما يقارب العامين، كصخرة ألقيت في المياة الراكدة لتزيد مشاكل النظام السعودي مشكلة جديدة جدية، وتفضح ما يعانيه معتقلو الرأي في المملكة من انتهاكات تودي بحياة الكثير منهم، حتى بعد خروجهم من محبسهم!

فقد استخدم النظام السعودي مع “الشيحي”، وغيره من المعتقلين سلاحا جديدا لتعذيبهم وإنهاكهم حتى الموت، وهو الإهمال الصحي، وسوء المعيشة التي يعيشها كافة معتقلي الرأي في المملكة، في إهدار واضح لكل القيم الإنسانية، وحقوق الإنسان في السعودية.

– من هو صالح الشيحي؟

ولد “الشيحي” عام 1976 في رفحاء بالسعودية، ودرس إلى أن حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، وقادته ميوله الأدبية وحبه للكتابة إلى الحصول على عضوية مجلس إدارة نادي الحدود الشمالية الأدبي.

بدأ العمل في الصحافة بشكل مبكر من حياته، حيث عمل مع صحيفتي ”عكاظ“ و“المدينة“ المحليتين محررًا متعاونًا وهو لا يزال في المرحلة الثانوية، قبل أن ينتقل في العام 1999 للعمل في صحيفة ”الوطن“ المحلية كصحفي متفرغ لمدة عام.

كما عمل “الشيحي” مديرًا للتحرير في المجلة الثقافية الصادرة عن الملحقية الثقافية السعودية في بريطانيا، كما تنقل في عدد من الوظائف التعليمية داخل وخارج المملكة وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات.

استقر به الحال من الناحية المهنية في السنوات القليلة الماضية، كاتبًا متخصصًا في القضايا المحلية في صحيفة ”الوطن“، وظل فيها لحين توقيفه وصدور حكم بسجنه لمدة خمس سنوات.

– منع واعتقال بعد انتقاد:

بدأ الصدام بين “الشيحي” والنظام السعودي منذ زمن كبير، فقد أُوقف عن الكتابة مرتين في كلاً منهما لمدة شهر؛ بسبب انتقاده لوزراء سعوديون.

كان الإيقاف الأول بسبب انتقادات وجهها لوزير البترول السعودي انذاك “علي النعيمي”، كما تم إيقافه عن الكتابة مرة أخرى عندما كتب مقالة ينتقد فيها وزير النقل السعودي السابق “جبارة بن عيد الصريصري”.

وفي ديسمبر 2017، قامت السلطات السعودية باعتقال “الشيحي”، وفي فبراير من العام 2018، قضت المحكمة الجزائية في حكم ابتدائي بسجنه 5 سنوات، ومنعه من السفر مدة مماثلة بتهمة ”القدح والإساءة إلى الديوان الملكي والعاملين فيه“.

وكان “الشيحي” قد ظهر ببرنامج “يا هلا”، عبر “روتانا خليجية”، متحدثًا عن الفساد داخل الديوان الملكي، متهمًا الديوان الملكي علانية بالفساد، وبتوزيع أراض على أشخاص دون حق، إلا أن قناة “روتانا” حذفت هذا الجزء من الحلقة المنشورة على موقع “يوتيوب” على الإنترنت.

وقال “الشيحي” في الحلقة: “إذا كنت تعرف أحدا في الديوان الملكي أو كنت تعرف ثغرة في الديوان الملكي أو تعرف رئيس الديوان الملكي في السعودية أو تعرف نائب رئيس الديوان الملكي أو سكرتير رئيس الديوان الملكي في السعودية، يستطيع أن يعطيك منحة أرض في موقع استراتيجي ومهم”.

وبحسب ما قاله “الشيحي” في الحلقة، فإن الدول التي تعج بالفساد يبقى الفساد فيها بعيدًا عن البحر، باستثناء السعودية، في إشارة منه إلى “أن أمراء يقومون بالاعتداء على البحر من خلال جزر صناعية يبنونها لصالحهم أو أراض شاطئية يستولون عليها”.

– وفاة غامضة!

ألقت الظروف التي اكتنفت إطلاق السلطات السعوديى لسراح “الشيحي” الكثير من علامات الاستفهام حول سبب الخروج المفاجئ له، والسر في اختيار توقيت خروجه، والذي سبق إصابته بفيروس “كورونا”، وإعلان وفاته بأيام قليلة!

فقد أفرجت السلطات عن “الشيحي” في مايو/ أيار الماضي، دون أن يتضح إن كان خروجه نهائيًا وفق عفوٍ خاص، أم أنه سيعود ليقضي باقي محكوميته!

ثم في 19 يوليو 2020، تم إعلان وفاته جراء إصابته بمرض فيروس “كورونا” المستجد، وكان قد أكمل الأسبوع الثالث على جهاز التنفس الاصطناعي لدعم أجهزته الحيوية، ونقل من عرعر إلى الرياض بواسطة الإخلاء الطبي الجوي السعودي.

وعقب إعلان وفاته، طالب حساب “معتقلي الرأي” عبر “تويتر”، الهيئات الحقوقية الدولية بالسعي نحو فتح تحقيق دولي في حادثة وفاة “الشيحي”.

وقال الحساب في تغريدة له رصدها الموقع، إنه “في ظل تكرار حوادث وفاة معتقلي الرأي سواء بالإهمال الصحي أو نتيجة التعذيب، فإننا نطالب الهيئات الحقوقية الدولية بالعمل على تحريك ملف وفاة صالح الشيحي بُعيد خروجه من السجن”.

وأكد الحساب في ذات التغريدة أن التحقيق الدولي في الأمر سيفتح الباب لمحاسبة جميع المتورطين في الأمر.

كما عبّرت منظمة العفو الدولية، عن حزنها الشديد لوفاة الشيحي، ودعت السلطات السعودية للإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وقال حساب المنظمة في الخليج عبر “تويتر”، اليوم الثلاثاء “نحن حزينون لسماع ذلك”، وأشار إلى أن الشيحي “أمضى سنواته الأخيرة في السجن (منذ يناير/كانون الثاني 2018)، بعيدا عن أحبائه، إثر تعبيره عن آرائه بشكل سلمي”.

وحتى هذه اللحظة لا توجد معلومات متوافرة عما كانت عليه حالة “الشيحي” الصحية بعد الإفراج المفاجئ عنه، ولكن وفق مقطع مصور له من داخل محبسه، أثناء زيارة إعلامية للسجن الذي كان مودع فيه، فقد ظهر على “الشيحي” آثار الضعف والإرهاق، ما يشير إلى احتمالية تعمد النظام السعودي تصفيته بشكل بطئ من خلال الإهمال الصحي، وسوء أحوال المعيشة داخل المعتقل.