خاص: العزل الانفرادي هو وسيلة يحاول من خلالها السجان كسر سجينه وإذلاله وتحطيم معنوياته ونفسيته، حيث يعيش معزولاً عن العالم الخارجي ولا يستطيع الاتصال مع أي إنسانٍ كان سوى السجان، والذي بالطبع سيعامله أسوأ معاملة لمزيد من الإذلال.

وتنتشر تلك الممارسة، أو فلنقل هي الطابع العام، داخل السجون في المملكة العربية السعودية؛ خصوصًا مع معتقلي الرأي، الذين يعانون أشد معاناة في تلك الزنازين الانفرادية، فبجانب الإهمال الصحي المتعمد تعمل إدارات السجون بالمملكة على عدم توفير أي ظروف معيشية مناسبة للحياة داخل زنازين العزل الانفرادي من أجل الإنهاء على حياتهم بشكل غير مباشر.

 

– العزل الانفرادي والقانون الدولي والإنساني:

وفقًا لبيان إسطنبول الذي اعتمد في 9 كانون الأول/ديسمبر 2007، في الندوة الدولية المعنية للصدمات النفسية، فتعريف العزل الانفرادي هو العزل البدني للأفراد بحبسهم في زنزاناتهم لمدة تتراوح بين 22 ساعة و24 ساعة في اليوم. وفي كثير من الولايات القضائية، يُسمح للسجناء بالخروج من زنزاناتهم لمدة ساعة من أجل التمارين الرياضية بشكل انفرادي. أما الاتصال بأشخاص آخرين بشكل مجدٍ، فيخفض عادة إلى الحد الأدنى. والانخفاض في الحوافز هو ليس من الناحية الكمية فحسب، بل أيضا من الناحية النوعية. فنادرا ما يتم اختيار الحوافز المتوفرة والاحتكاك الاجتماعي العرضي بحرية، وتكون هذه بوجه عام على وتيرة واحدة، ولا تنطوي غالبا على أي تعاطف.

ويُطبق الحبس الانفرادي في أربعة ظروف عامة في مختلف نظم العدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم: إما كعقوبة تأديبية للسجناء المحكوم عليهم؛ وإما لعزل الأفراد أثناء التحقيق الجنائي الجاري؛ وإما، وباطراد، كوسيلة إدارية للسيطرة على جماعات محددة من السجناء؛ وإما كحكم قضائي.

وأشار البيان السابق إلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نصت على أن استخدام الحبس الانفرادي الطويل الأمد قد يعتبر انتهاكًا للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما ينص المبدأ 7 من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية لمعاملة السجناء على أنه ”ينبغي بذل الجهود لمعالجة موضوع إلغاء الحبس الانفرادي كعقوبة، أو لتقييد استخدامه، والتشجيع على ذلك“. وسبق للجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن اعتبرت أن وجود نظام محدد للعزل يعتبر انتهاكا لكل من المادتين 7 و10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كذلك أوضحت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان سابقا، وكذلك اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب (CPT) أن استخدام الحبس الانفرادي قد يصل إلى حد انتهاك المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (أي أنه يشكل تعذيبا، أو معاملة لاإنسانية أو مهينة).

 

– الآثار السلوكية والنفسية السيئة للحبس الانفرادي:

قال تقرير أممي صادر عن المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إنه “من الموثق بشكل مُقنع في مناسبات عدة أن الحبس الانفرادي قد يتسبب في آثار نفسية وأحيانا سلوكية مرضية خطيرة. إذ تشير الأبحاث إلى أن ما بين الثلث وحتى 90 في المائة من السجناء يعانون من أعراض سيئة في الحبس الانفرادي. كما تم توثيق قائمة طويلة من الأعراض تتراوح بين الأرق والتشوش وبين الهلوسة والاضطراب العقلي المعروف بالذهان. ويمكن أن تحدث آثار صحية سلبية بعد أيام قليلة فقط من الحبس الانفرادي، كما أن المخاطر الصحية تزداد مع كل يوم إضافي يُقضى في هذه الظروف”.

وأضاف التقرير الأممي أنه “قد يختلف رد فعل الأفراد بالنسبة للحبس الانفرادي. ومع ذلك، فإن عددًا كبيرًا من الأفراد يعانون من مشاكل صحية خطيرة بغض النظر عن الأحوال المحددة، وبغض النظر عن الزمان والمكان، وبغض النظر عن العوامل الشخصية الموجودة سابقا. فالسمة الضارة الرئيسية في الحبس الانفرادي هو أنه يخفض الاحتكاك الاجتماعي المجدي إلى مستوى من التنبيه الاجتماعي والنفسي غير كاف بالنسبة لكثيرين للمحافظة على صحتهم وحُسْن حالهم.”

ولفت التقرير إلى أن استخدام الحبس الانفرادي في سجون الحبس الاحتياطي يتضمن بعدًا مؤذيًا آخر بالنظر إلى أن الآثار الضارة ستخلق غالبًا وضعًا واقعيًا فيه ضغط نفسي يمكن أن يؤثر في المعتقلين رهن التحقيق ويدفعهم إلى الاعتراف بالذنب. وعندما يُستخدم عنصر الضغط النفسي عمدًا كجزء من أنظمة العزل، فإن هذه الممارسات تصبح قسرية ويمكن أن تصل إلى حد التعذيب.

كما أن الحبس الانفرادي يضع الأفراد بعيدًا عن أنظار العدالة، وهذا يمكن أن يتسبب في مشاكل حتى في المجتمعات القائمة تقليديًا على سيادة القانون. وتاريخ الحبس الانفرادي حافل بالأمثلة على الممارسات العدوانية التي تتطور في مثل هذه الأحوال. ولذلك، يصبح الحفاظ على حقوق السجناء تحديًا خاصًا وهامًا للغاية حيثما وجدت أنظمة الحبس الانفرادي.

 

– أنظمة العزل الانفرادي في السجون السعودية:

في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أفادت منظمة العفو الدولية بأن الناشطين السياسيين في السعودية قد تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي عبر عدة أساليب يعد العزل الانفرادي أبرزها.

كما عرض حساب “معتقلي الرأي”، الذي يهتم بمعتقلي الرأي في السعودية، مواصفات زنزانة العزل الانفرادي داخل سجون المملكة، نقلاً عن معتقل رأي سابق قضى فيها أكثر من نصف سنة.

وجاء في تغريدة للحساب: “لمن لا يعلم، هذه مواصفات زنزانة العزل الانفرادي (نقلاً عن معتقل رأي سابق قضى فيها أكثر من نصف سنة): طولها مترين ونصف وعرضها كذلك، بما فيها دورة المياه ومكان الأكل ومكان النوم، فيها قطعة ممزقة من الإسفنج للنوم، وليس فيها نافذة للتهوية”.

كما أكد الحساب إن العزل الانفرادي يعد من كبرى الجرائم الحقوقية التي تمارس ضد المعتقلين في المملكة.

ويوجد في سجون نظام آل سعود المئات من معتقلي الرأي من دعاة وناشطين وصحفيين، لم يحاكموا بشكل كامل حتى الآن، وتعرضوا للتعذيب الممنهج والحرمان من حقوق السجناء، بينما طالبت منظمات حقوقية بضرورة الإفراج عنهم فورا.

 

– ممارسات مرتبطة بالعزل الانفرادي بالسعودية:

نقلاً عن توثيقات حقوقية مستمدو من شهادات العديد من معتقلي الرأي المفرج عنهم بالمملكة، نشر موقع “سعودي ليكس” قائمة ببعض الممارسات المرتبطة بالعزل الانفرادي داخل السجون السعودية؛ والتي كان منها:

الضرب والجلد: يتعرض المعتقل للصفع والضرب بشتى أنواع الوسائل المتاحة من سياط وعصي حديدية وخشبية عليها مسامير، وذلك على مختلف أنحاء الجسم بدءا من الرأس إلى الظهر إلى الذراعين والساقين، ولا تستثنى المناطق الحساسة في الجسم.

الصعق بالكهرباء: يتم ربط جسم المعتقل بأسلاك كهربائية إلى مصدر للكهرباء القوية، ثم يتم تشغيل أقصى طاقة للكهرباء لتمر عبر جسم المعتقل مسببة له آلاما وحروقا، وتتكرر هذه العملية مرات عديدة حتى يفقد المعتقل وعيه، تتم إعادة العملية عدة مرات، وأحيانا يتم رشه بالماء ليصبح جسمه ناقلا ومستقبلا للكهرباء فتتضاعف الآلام والحروق.

التعليق: يتم تقييد يدي المعتقل وقدميه، ثم تعليقه إما من اليدين أو مقلوب الرأس (أي تعليقه من القدمين) لساعات طويلة من دون توقف، وفي الأغلب يصار إلى تعليق المعتقل بعد نزع ثيابه إمعانا في الإذلال، كما يتم رشه بماء مثلج أو إلقاء أوساخ عليه وتركها تسيل على أنحاء جسمه.

خلع الثياب: يجبر المعتقلون على خلع ثيابهم تحت التهديد والصراخ والشتائم، وفي الأغلب يتم إجبار مجموعة من المعتقلين على خلع الثياب أمام بعضهم البعض بشكل حاط للكرامة وما يعنيه ذلك من إذلال وإهانة.

المنع من النوم: يوضع المعتقلون في زنازين قريبة من غرف التعذيب ليسمعوا صراخ من يتعذبون بجوارهم بشكل مستمر، ما يمنعهم من النوم، كما يوضع المعتقل في غرفة فيها إضاءة متحركة أو مصدر صوت متكرر برتابة تكسر الصمت وتنبه اليقظ وتمنع النوم، مثل قطرات ماء تنزل بشكل متواتر كل بضع ثوان بما ينبه الجهاز العصبي ويمنع النوم لأيام متتالية.

الإيهام بالغرق: يتم غمر رأس المعتقل في الماء حتى يقارب على الاختناق ثم يتم إخراجه بعنف، فلا يكاد يستنشق الهواء حتى يتم غمر رأسه مجددا في الماء وهكذا حتى يفقد المعتقل وعيه، وفي الأغلب يستخدم ماء مثلج ومتسخ في الوقت ذاته من أجل زيادة الألم.

إطفاء السجائر في الجسم: يقوم السجان أو المحقق بإحراق أجزاء من جسم المعتقل -بما فيها المناطق الحساسة- من خلال إطفاء سيجارة مشتعلة فيه، وهذه الطريقة بالطبع تترك آثارا دائمة على الجسم، لدفع المعتقل إلى الاعتراف بتهم لا علاقة بها.

قلع الأظافر: أشار بعض المعتقلين المفرج عنهم إلى أن السجانين يعمدون إلى استعمال الكماشات لقلع أظافر السجناء كشكل من أشكال التعذيب، كما يستهدفون الأظافر خلال ضرب السجين لإحداث أكبر ألم ممكن.

العناق والتقبيل القسريان: نقلت منظمة العفو الدولية عن مصادرها أن بعض السجينات تعرضن لتحرش جنسي والعناق والتقبيل القسريين من قبل سجانين ملثمين، لكنها لم تكشف عن هويات النساء خوفا من تعرض مصادرها للانتقام.