خاص: أثار تخفيف الأحكام القضائية ضد بعض معتقلي الرأي تبعًا للضغط الدولي على النظام السعودي، حالة من الجدل بشأن مدى استقلالية القضاء في السعودية، وأعاد الكلام حول الفصل بين السلطات في المملكة التي تقول إنها تأخذ بالشريعة الإسلامية أساسًا للقضاء فيها.

إجراءات للسيطرة على القضاء بالمملكة:

تباينت ردود فعل ملوك السعودية منذ تأسيسها نحو القضاء السعودي، بدءًا من الملك المؤسس “عبد العزيز آل سعود” وحتى ولي العهد الحالي “محمد بن سلمان”، والذي توغل في السيطرة على القضاء بشكل كامل.

سعى الملك “عبد العزيز” منذ تأسيس المملكة إلى إيجاد قضاء موالٍ له، فهو الذي يعين ويعزل القضاة ورئيسهم، وبدأ الأمر بأن أصدر مرسوما ملكيا بإنشاء رئاسة قضاة واحدة في المنطقة الغربية بمكة المكرمة في عام 1926م، وهو الذي يعين رئيسها.

وفي عام 1971، تم إنشاء وزارة العدل السعودية، وكان أول وزير تولاها معالي الشيخ محمد بن علي الحركان، في عهد الملك “فيصل”، والذي كان بالطبع يعين هو الآخر وزير العدل.

واستمر الأمر كذلك حتى جاء الملك “عبد الله”، وأصدر في 2007، مرسوما ملكيا رقم (م/ 78)، والذي يقتضي الموافقة على نظام قضائي جديد، ونظام جديد لديوان المظالم وعلى آلية عمل هذه الأنظمة، وهي الأنظمة المطبقة إلى اليوم.

ورغم الطفرة التي شهدها مجال القضاء في عهد الملك “عبد الله” إلا أنه في عام 2013، أصدر مرسوما ملكيا اعتبره البعض حدًا فاصلاً للتأكيد على تبعية السلطة القضائية السعودية للسلطة السياسية العليا وعدم استقلالها عنها، حيث نص على إقالة جميع قضاة المحكمة العليا وتعيين قضاة جدد، فضلاً عن حل المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تأسيسه.

وأسس ذلك المرسوم نهجا تبعيا للقضاء السعودي، وقضى على أي استقلالية -حتى وإن كانت على الورق وقتها- له أمام توغل السلطة التنفيذية، كما أنه اعتبر مخالفة صريحة لأولى المبادئ الأساسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية.

والتي تضمنت أن “تضمن الدولة استقلال السلطة القضائية وتكرِّس ذلك في دستور البلد أو في قانونه. ومن واجب جميع الحكومات والمؤسسات الأخرى احترام استقلال السلطة القضائية والتقيد بذلك في ممارستها لمهامها وأعمالها”، بحسب ما أوردته منظمة “أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان” في تقرير لها حول القضاء السعودي.

ليأتي عام 2014، ويكون الطامة الكبرى على القضاء السعودي، ويصدر قانون الإرهاب الذي اشتمل على بنود مخالفة لأساسيات حقوق الإنسان الدولية، وبنود غامضة أتاحت قمع حرية التعبير والتجمع السلمي بالمملكة، وسمح بموجبه بإلقاء القبض التعسفي، واعتقال دون تهمة محددة للعديد من النشطاء والمطالبين بالإصلاح ومحاكمتهم في محاكم جزائية متخصصة تخضع مباشرة لسلطة وزير الداخلية وبشكل سري، وبتهم فضفاضة وتحكم بالسجن لفترات طويلة وبعقوبات قاسية وتعسفية وبذلك تحرمهم من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.

المحكمة الجزائية المتخصصة:

أكد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية “آمنستي” لحقوق الإنسان، على أن النظام السعودي يستخدم المحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة الإرهاب) أبشع استخدام لإسكات أصوات المعارضة.

وأوضح التقرير أن النظام السعودي استغل المحكمة منذ 2011، في محاكمة صحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ونشطاء سياسيون، وكتاب، ورجال دين، ونشطاء حقوق المرأة، ووقع عليهم عقوبات كبيرة بناء على تهم واهية وغامضة وغير محددة.

وتعتمد المحكمة على نظام جرائم الإرهاب، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية؛ اللذين يتسمان بقسوة بالغة تفضي إلى محاكمات بالغة الجور، وأصدرت أحكاماً بالسجن تصل مدتها إلى 30 عاماً، والعديد من أحكام الإعدام ضد المتهمين الذين يمثلون أمام قضاتها.

وأشارت المنظمة إلى أن المحكمة التي أنشئت عام 2008، بغرض محاكمة المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، تغير عملها بشكل حاسم بعد إحالة 16 إصلاحيا في جدة، وقدمت عضوا في جمعية حقوقية للمحاكمة، ومنذ ذلك الحين يواجه العديد محاكمات “بالغة الجور بسبب الممارسات السلمية”.

ولفتت إلى أن تقاضي الأفراد أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، يتم بناء على تهم فضفاضة أو عمومية جداً وغير محددة بوضوح في القانون، تساوي في بعض الحالات بين الأنشطة السياسية السلمية، والجرائم المتعلقة بالإرهاب. وفي قائمة التهم المستخدمة في الإجراءات المتخذة أمام المحكمة المذكورة التي حصلت عليها منظمة العفو الدولية، فإن أكثرها شيوعا هي: “الخروج على ولي الأمر في المملكة العربية السعودية. والقدح علنا في ذمة المسؤولين ونزاهتهم، وزعزعة أمن المجتمع والتحريض على مخالفة النظام من خلال الدعوة إلى التظاهر، والاتصال بجهات خارجية وتزويدها بمعلومات ووقائع غير صحيحة، وتأسيس أو الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة”.

أما عن قضاتها، فننقل شهادة أحد القضاة حول كيف يتم اختيار قضاة الجزائية، حيث قال:” تعيين قضاة فيها ممن عليهم قضايا تأديبية ثابتة في ملفاتهم بمجلس القضاء وسيرتهم مهزوزة ليسهل ابتزازهم وهذا شيء غريب ومشهور يحدثك به أي قاض هناك”، مضيفًا:” أحكامها هي الأحكام الأسوأ والأكثر جرأة على الأحكام المخيفة حتى مع عدم ثبوت التهم بمجرد دخولها تحت وصف فضفاض للإرهاب ولذلك تجد أن تسبيب أحكامها ضعيف كما يلاحظ العديد من الزملاء”.

“ابن سلمان” والسيطرة الكاملة على القضاء:

كشف قاض سعودي، في شهادة له رواها خلال حوار مع موقع منظمة “الديمقراطية الآن DAWN”، ما يقوم به ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من تجاوزات في حق منظومة القضاء بالمملكة، وسعيه لتدميرها لضمان ولائها له.

وأكد القاضي، الذي تم إخفاء هويته ، أنه لا توجد ثقة بين النظام ومنظومة القضاء في المملكة، فحتى الآن لم تقبل السياسة السعودية تطبيق دخول لجان قضائية تحاكم البنوك أو الإعلامين وغيرهم تحت القضاء، ولا يزالوا يشككون في تقاطع مصالح القضاء مع مصالحهم الذاتية، ولا يريدون له أن يتجاوز مكانه.

وحول استقلال القضاء، قال القاضي: “سأقولها لك بوضوح وكلّي حرقة: استقلال القاضي السعودي كذب”، متابعًا: “لا يرقّى أي قاض في أي مرتبة إلا بعد عرض ملفه على رئاسة أمن الدولة والتحقق من سيرته”.

وتابع بقوله: “قبل سنوات حدث إعفاء بالكامل لأعضاء المحكمة العليا جميعا، بما فيهم الرئيس، وتعيين قضاة جدد، وهذا تصرف سيئ جدا طال أعلى محكمة في البلد، وشوه سمعة سيرة استقلال القضاء، وزادها سمعة سيئة في الحقيقة”.

واستطرد القاضي قائلاً: “أيضا في أكبر اعتداء على استقلال القضاء جرى سجن مجموعة قضاة عددهم يقارب العشرة عدة شهور بتوجيه من الديوان الملكي من دون توفير أي حصانة لهم، و أهينوا بالسجن والتوقيف، منهم معالي وكيل وزارة العدل ومستشار الوزير وقضاة استئناف. وقد أفرج عنهم وعادوا كلهم للعمل بعدما تبين خطأ القرار بسجنهم، لكنها كانت رسالة واضحة لعموم القضاة بأنهم تحت الطلب في أي لحظة ولا كرامة لهم ولا حصانة وهي أكبر فاجعة مرت على استقلال القضاء في نظري منذ تأسيس الدولة السعودية”.

كذلك أشار القاضي في حديثه إلى صدور عدة أوامر ملكية للتأكيد على منع القضاة من أي حضور إعلامي أو حتى في السوشيال ميديا واعتبار ذلك جريمة وفيه إهانة ظاهرة لهم ولحريتهم في التعبير، وخوفا من تكرار ظاهرة خطاب القضاة المائتين قبل عدة سنوات الذين وجهوا خطابا للملك وقتها بضرورة إصلاح القضاء. القضاة الذين كانوا آنذاك مائتين هم الآن ربما بالآلاف.

وحول علاقة السلطة التنفيذية بالقضاء وتوغلها عليه، لفت القاضي إلى أن وزير العدل، العضو في مجلس الوزراء يرأس مجلس القضاء، وهذا عيب جوهري لم تستطع الحكومة السعودية أن تصلحه من عدة أعوام ويهدم استقلال القضاء من رأسه.

كما أنه لا يوجد قانون مدني صريح وواضح في تسبيب الأحكام وهذا يؤثر سلبا على استقلال القضاء وحمايته من هوى القاضي المنحرف أو الموجّه.

فهل يتمتع القضاء والقضاة في المملكة العربية السعودية بالاستقلالية اللازمة التي تسمح لهم بإصدار أحكام محايدة وعادلة دون مواجهة ضغوط من السلطة الحاكمة وعلى رأسها ولي العهد “محمد بن سلمان”، الذي تغولت سلطاته حتى وصلت إلى حد إصدار الأوامر المباشرة للقضاة بإصدار أحكام معينة على سجناء بعينهم؟!