خاص: وصف البعض المبادرة التي أعلنها وزير الخارجية السعودي، الأمير “فيصل بن فرحان”، في 22 مارس/آذار الأخير بأنها إعلان هزيمة ومبادرة استسلام وإذعان سعودية للحوثيين، واعتراف كامل للمملكة والتحالف الذي تتزعمه بالحوثيين كطرف أساس في المعادلة السياسية اليمنية.

وتضمنت المبادرة عرضا جديدا لوقف إطلاق النار في اليمن، وعرض وقف للقتال على مستوى البلاد، ودورًا إشرافيًا للأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، واستئناف المفاوضات السياسية بين المتمردين الحوثيين وحكومة الرئيس “عبدربه منصور هادي” المعترف بها دوليًا.

وكانت السعودية أعلنت في أبريل/نيسان 2020، وقف إطلاق النار على مستوى البلاد لتخفيف الظروف خلال جائحة “كورونا/ كوفيد-19″، لكن الحوثيين لم يوافقوا على الهدنة واستمرت السعودية في ضرباتها الجوية.

وتوسطت كل من عُمان والكويت في المحادثات الجارية بين الحوثيين والسعوديين لإنهاء الحرب، لكن بالرغم من المحاولات المتكررة لبناء الثقة بين الجانبين، فإن وقف إطلاق النار كان محدودًا محليًا.

ورغم كل ذلك أبدى الحوثيون رفضهم للمبادرة من جانبهم، فجاء على لسان الناطق الرسمي باسم الجماعة، محمد عبد السلام، والذي قال عبر “تويتر” إن “أي مواقف أو مبادرات لا تلحظ أن اليمن يتعرض لعدوان وحصار منذ ست سنوات وتفصل الجانب الإنساني عن أي مقايضة عسكرية أو سياسية وترفع الحصار، فهي غير جادة ولا جديد فيها”.

وأضاف “عبد السلام” أن “السعودية جزء من الحرب ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فورا”، متابعًا إن “جماعته ستواصل الحديث مع السعودية وعمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام”.

كما قال وكيل وزارة الإعلام اليمنية التابعة للحوثيين، صالح الحميدي، في تصريحات لقناة “الجزيرة”، إن المبادرة السعودية “لا تحمل شيئًا جديدًا”.

هروب من معضلة:

المراقبون يرون أن المبادرة السعودية ما هي إلا محاولة يائسة للخروج من المستنقع الذي تورطت فيه قبل الغرق، فالمملكة أنفقت عشرات المليارات من الدولارات على الحرب دون طائل حتى الآن، كما تحملت موجات من الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، ألحقت الضرر بسمعتها لدى شركائها في الغرب.

كما أن الحرب جعلت من الاقتصاد اليمني أطلالا وخرابا، حيث أصبح 80% من السكان يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، والتي تتحمل الكثير منها بالطبع السعودية، ما أرهق ميزانية المملكة المستنفذة من الأساس بسبب سياسيات ولي العهد غير المستقرة، والأوضاع العالمية التي رافقت جائحة “كورونا”، وانخفاض الطلب العالمي على النفط.

لذا يحاول السعوديون الخروج من المستنقع اليمني بأقل الخسائر وبشكل مشرف لحفظ ماء الوجه، من خلال التوصل لحل سياسي يمنح السعودية تصريح خروج ولو مؤقت من اليمن، لالتقاط الأنفاس، والإعداد لما هو قادم.

التفاف على الإدارة الأمريكية!

بينما يرى بعض المراقبين، أن المبادرة حيلة سياسية والتفاف على الضغوط الأمريكية على السعودية منذ قدوم إدارة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن”.

ففي فبراير/شباط 2021، قالت الإدارة الأمريكية الجديدة إنها قررت مراجعة مبيعات الأسلحة للسعودية وإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للعمليات الهجومية السعودية في اليمن.

كما أن إدارة “بايدن” تضغط على الرياض للبحث عن حل دبلوماسي للحرب، لكن الحوثيين لن ينخرطوا في العملية الدبلوماسية إلا عندما يكونون قادرين على انتزاع التنازلات والتخطيط لمناورات عسكرية مستقبلية تهدف إلى تعزيز سيطرتهم على شمال اليمن.

أضف لذلك عجز السعودية عن دعم القوات اليمنية الموالية لها في مأرب، وسط استنفار عسكري حوثي للسيطرة على المحافظة الأهم التي تسيطر عليها حكومة الشرعية اليمنية، مما سيجعل الوضع التفاوضي للمملكة في المستقبل في خطر، وسيجعل الحوثيين في موضع أقوى.

لذا أعلنت السعودية عن مبادرتها، والتي تعلم مسبقًا أن الحوثيين سيرفضونها بطبيعة الحال، فالحوثيون ليسوا في حالة مزاجية مناسبة لتقديم ما يرون أنها تنازلات. فبعد 6 سنوات من الحرب ضد عدو أقوى وأكثر ثراءً، لا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء والأراضي التي تضم معظم السكان، كما يسعون للاستيلاء على مأرب، وسط دعم إيراني لا محدود، وضغط أمريكي على السعودية يحد من قدراتها العسكرية بسبب التراجع عن صفقات السلاح المبرمة أيام “ترامب”.

والسعودية كانت تعلم أن رفض الحوثيين لعرضها بوقف إطلاق النار سيؤدي إلى الضغط على الولايات المتحدة لتخفيف انتقاداتها لحملتها في اليمن، من أجل تجنب المزيد من تقدم الحوثيين الذي من شأنه أن يفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.

بل إنه يمكن لواشنطن أن تدعم عملاً عسكريًا سعوديًا أكثر عدوانية، بما في ذلك استخدام الضربات الجوية، لتخفيف هجمات الحوثيين وتقويض مكاسبهم الإقليمية.

وتتمتع القوات الجوية السعودية بأسلحة أمريكية متطورة، لكن الضحايا المدنيين من الضربات الجوية أثارت الغضب في الولايات المتحدة. ومن المفترض أن يكون استخدام السعودية للقوة الجوية في اليمن جزءا من مراجعة إدارة “بايدن” للعلاقات مع السعودية والتي تستمر لمدة 6 أشهر.

وتبقى الأيام القادمة هي أكبر دليل على هدف السعودية من مبادرتها تلك، هل هي التفاف سياسي جاء في وقته لضبط البوصلة السعودية باليمن؟ أم مجرد خطوة غبية أخرى من خطوات “ابن سلمان”؟!