تقرير خاص:

يعد المنع من السفر انتهاكا من ضمن انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، التي تمارس بكثرة في مجتمعاتنا العربية السلطوية، وتستخدمها تلك الأنظمة ضد معارضيها أو حتى من يوالونها ولكن خرجوا عن الخط المرسوم لهم، وتستخدم بشكل تعسفي، وفي معظم الأحوال بدون أوامر كتابية يمكن الطعن عليها أمام المؤسسات القضائية.

وحرية الحركة أو حرية التنقل أو حرية السفر؛ هي أحد حقوق الإنسان التي يحترمها الدستور في الكثير من الدول، والتي تنص على أن مواطني الدولة لهم حرية السفر، والإقامة، والعمل في أي مكان يرغب من تلك الدولة، دون التعدي على حريات وحقوق الآخرين، وأن يغادر تلك الدولة وأن يعود لها في أي وقت.

– حرية التنقل في القانون الدولي والسعودي:

كما نصت القوانين والأعراف الدولية على ذلك الحق، ففي المادة 12 من العهد  الدولي للحقوق المدنية والسياسية “لكل فرد حرية التنقل واختيار مكان سكناه في أي مكان في نطاق الدولة التي يتواجد فيها بشكل شرعي”، كما “يحق لأي فرد أن يغادر أية دولة بحرية بما في ذلك دولته هو”.

والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نصت على أنه “لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، كما و”يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها”.

ورغم نص النظام الأساسي في المملكة العربية السعودية على ذلك الحق، في المادة  (36) منه، والتي نصت على: “توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام”.

كما أكدت الفقرة (2) من المادة (6) من نظام وثائق السفر الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/24 وتاريخ 5/28/1421​هـ الموافق 29/8/2000م، على عدم جواز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن ولمدة معلومة، وفي كلتا الحالتين لا بد أن يتم إبلاغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر.

إلا أن الواقع يقول بأن العدد الإجمالي للسعوديين الذين يخضعون للمنع من السفر قد يصل إلى الآلاف، وفقًا للمحللين السعوديين والأمريكيين، بجسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

وذكر التقرير أنه عادة لا يعرف المحظورون أنهم على قوائم المنع حتى يذهبوا إلى المطار أو يحاولوا عبور نقطة حدودية، حيث يتم إيقافهم وإخبارهم أن الخروج ممنوع بأمر من جهاز أمن الدولة، الذي يعمل من خلال أوامر ملكية محكمة.

– سلاح “ابن سلمان” السري:

استخدم ولي العهد السعودي “ابن سلمان” المنع من السفر كسلاح ضد أعدائه، وهو سلاح سري فعادة لا يوجد تفسير رسمي مكتوب للمنع من السفر، فالعديد من أفراد العائلات المحظورة قالوا إنهم يعتقدون أن حظر السفر كان محاولة للضغط أو إجبار الأفراد الذين يرى “ابن سلمان” أنهم ينتقدونه أو يشكلون تهديدات بالنسبة له، وكان آخرهم أبناء “سعد الجابري” الذين تم منعهم عقب تولي “ابن سلمان” ولاية العهد بأسابيع قليلة، وأخيرًا تم اعتقالهم.

وحينها لا يمكن للممنوع من السفر اللجوء لأي جهة قضائية لإنصافه ورفع الظلم عنه، فلا يوجد قرار رسمي بمنعه من السفر، ولكن الواقع يقول أنه لا يمكن له الخروج من المملكة دون موافقة الجهات الأمنية، التي بالطبع تأتمر بأوامر سادتها في الديوان الملكي، وغيرها من المؤسسات السيادية في المملكة.

– قائمة طويلة:

نقل تقرير “واشنطن بوست” سالف الذكر عن رجل أعمال غربي مطلع على مقربة من أسرة الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، أنه تم منع 27 ابنًا وبنتًا للملك الراحل من السفر إلى الخارج منذ عام 2017. بالإضافة إلى ذلك، تم حظر ما بين 52 و57 من أحفاده، و8 من أبناء الأحفاد، من السفر.

كما سبق اعتقال 4 من أبناء الملك الراحل البارزين، وهم “متعب”، الرئيس السابق للحرس الوطني، و”مشعل”، حاكم مكة السابق، و”فيصل”، الرئيس السابق لجمعية الهلال الأحمر السعودي، و”تركي”، أمير الرياض السابق، وتم احتجازهم في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في حملة قمع تحت ستار مكافحة الفساد قادها “ابن سلمان”.

وأضاف التقرير أن حظر السفر ينطبق أيضًا على زوجة وبنات “محمد بن نايف”، ولي العهد السابق الذي عزله “ابن سلمان” في يونيو/حزيران 2017.

وتم السماح لزوجة “محمد بن نايف”، “ريما بنت سلطان”، ابنة ولي العهد السابق “سلطان”، بالسفر للخارج أخيرًا لفترة وجيزة بحسب مصدر سعودي ومصدر غربي، بغرض تلقي العلاج الطبي، لكن طفلتاها، “سارة” و”لولوا”، ممنوعتان من السفر. وقالت المصادر إن بعض أفراد عائلة “ابن سلمان” نفسه لا يمكنهم السفر إلى الخارج.

ويشكل ما يقرب من 300 سعودي كانوا محتجزين في فندق “ريتز كارلتون” نسبة كبيرة من مجتمع “المحظورين”.

أما عن رجال الأعمال بالمملكة، فيأتي على رأس القائمة  الأمير “الوليد بن طلال”، الذي استثمر في البنوك والفنادق حول العالم. وتم الإفراج عن “الوليد”، ورجال أعمال آخرين استهدفوا في حملة “الريتز كارلتون”، بعد أن تم إجبارهم على دفع نسبة من أصولهم المالية، التي زعم “ابن سلمان” أنهم حصلوا عليها بشكل غير مشروع.

ولكن حتى هؤلاء الـ200 أو أكثر الذين خرجوا واستقرت حياتهم نظريًا لا يزالون ممنوعين من السفر بحرية مع عائلاتهم، بحسب مصادر مختلفة.

وقدّر مصدر من عائلة تعاني المنع من السفر أن عدد المعتقلين في “ريتز كارلتون” وأفراد الأسر الذين تم تقييد سفرهم ما بين 2000 و2500، ولكن لا يمكن تأكيد هذا الرقم.

وبالإضافة إلى قضايا “ريتز كارلتون” حول الفساد المزعوم، احتجز “ابن سلمان” 131 شخصية سياسية ودينية بارزة منذ سبتمبر/أيلول 2017، بحسب قائمة جمعتها “هيومن رايتس ووتش” في نوفمبر/تشرين الثاني. وكذلك تعرضت عائلاتهم للمنع من السفر، على رأسهم عائلة الداعية البارز “سلمان العودة”، حيث تم منع 17 فردًا من عائلة “العودة” من السفر، وبعضهم دون سن العاشرة، بحسب “عبدالله” نجل “العودة”، الذي يعمل أستاذًا مساعدًا في جامعة جورج واشنطن. وكان “عبدالله” خارج البلاد عندما تم سجن والده، ورفض طلبات سعودية عديدة بالعودة إلى الوطن.

– رهائن أم ضمانات؟!

قد تسمح السلطات السعودية في بعض الأحيان، لأحد أفراد عائلة بارزة بمغادرة المملكة، ولكن فقط إذا بقي آخر خلفه “كضمان”، بحسب ما أوضح أحد السعوديين من عائلة ممنوعة من السفر.

ومثال على ذلك عائلة تجارية تملك المليارات مكونة من 3 إخوة، توسعوا من محلين للملابس الرجالية إلى شبكة من 19 مركزًا للتسوق. وأوضح سعودي مطلع أنه إذا غادر أحد الإخوة الـ 3، يبقى الآخران قسرًا.

وتنطبق قيود مماثلة على عائلة “ابن لادن” التي تدير أعمال بناء ضخمة. وتم إيقاف شابين من عشيرة “ابن لادن” عام 2017، أحدهما في مطار جدة، والآخر كان يحاول عبور الجسر الواصل إلى البحرين.

لذا فمن الواضح بعد استعراض كل تلك المعلومات، أن “ابن سلمان” يستخدم الممنوعين من السفر كرهائن لديه لتصفية حسابات مالية، أو لخصومات سياسية، وهو ما أدى لضياع دولة القانون في المملكة، وتفشي الفساد الذي يدعي “ابن سلمان” أنه يحاربه، كل ذلك يتم دون أي رد فعل دولي على منع الآلاف من السفر، في مخالفة لكافة المواثيق والقوانين الدولية.