خاص: جاء إعلان عائلة الناشطة السعودية المعتقلة، لجين الهذلول، عن إصدار السلطات القضائية قرارًا بمنعها من السفر لمدة 5 سنوات عقب انتهاء عقوبتها، ليثير تلك المشكلة، وهي استخدام النظام السعودي المنع من السفر كأداة لقمع معارضيه.

فحتى وإن كانت حالة البعض يوجد لها مبرر قانوني، وإن كان اعتمد على تهم زائفة وباطلة، إلا أن النظام السعودي يستخدم المنع من السفر بدون مبررات قانونية، أو حتى قرار رسمي كيلا يمكن الطعن عليه، ضد معارضيه.

وبتلك الممارسات المستمرة يحرم النظام السعودي مواطنيه من حق إنساني أصيل، وهو الحق في حرية الحركة أو حرية التنقل أو حرية السفر؛ وهي أحد حقوق الإنسان التي يحترمها الدستور في الكثير من الدول، والتي تنص على أن مواطني الدولة لهم حرية السفر، والإقامة، والعمل في أي مكان يرغب من تلك الدولة، دون التعدي على حريات وحقوق الآخرين، وأن يغادر تلك الدولة وأن يعود لها في أي وقت.

قانونية المنع من السفر وشروطه:

رغم نص النظام الأساسي في المملكة العربية السعودية على الحق في التنقل بحرية، حيث نصت المادة (36) منه على: “توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام”.

بل وحدد نظام وثائق السفر الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/24 وتاريخ 5/28/1421​هـ الموافق 29/8/2000م، الحالات التي يتم فيها المنع من السفر، بحسب الفقرة (2) من المادة (6) من النظام المنصوص فيها على عدم جواز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن ولمدة معلومة، وفي كلتا الحالتين لا بد أن يتم إبلاغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر.

إلا أن الواقع يقول بأن العدد الإجمالي للسعوديين الذين يخضعون للمنع من السفر قد يصل إلى الآلاف، وفقًا للمحللين السعوديين والأمريكيين، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

وذكر التقرير أنه عادة لا يعرف المحظورون أنهم على قوائم المنع حتى يذهبوا إلى المطار أو يحاولوا عبور نقطة حدودية، حيث يتم إيقافهم وإخبارهم أن الخروج ممنوع بأمر من جهاز أمن الدولة، الذي يعمل من خلال أوامر ملكية محكمة.

ورأى المعلق في الصحيفة ذاتها، ديفيد إغناطيوس، أن الأمير محمد بن سلمان، يستخدم قيود المنع من السفر لتوطيد دعائم حكمه، قائلاً إن “منع السفر” يقوم على استفزاز آلاف السعوديين من خلال تقييد حركتهم، فقط لأن ولي العهد يتعامل معهم كتهديد سياسي.

لماذا المنع من السفر؟!

1- وسيلة للسيطرة:

توسع النظام السعودي في حالات المنع من السفر بالتزامن مع حملات الاعتقال القمعية التي رافقت تولي ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان، للحكم في مطلع 2017.

حيث لجأ النظام السعودي للمنع من السفر كوسيلة لعدم إيصال أصوات المعارضة السعودية للخارج، والعمل على ضمان بقاء المعارضين تحت سيطرة النظام وتحت عينه في معظم الأوقات.

فحتى الناشطات اللاتي تم الإفراج عنهن، لم يتم فقط منعهن من السفر حتى لا يفضحن تجاوزات وانتهاكات النظام ضدهم داخل السجون، بل قام بوضع أساور إلكترونية في أرجلهن لكي يعد عليهن خطواتهن، ويمنعهن من أي تواصل مجتمعي أو اجتماعات عامة غير مرغوب فيها.

2- وسيلة للتأديب:

والمنع من السفر لم يعد وسيلة لتأديب المعارضين فقط، بل حتى للمؤيدين ورجال الأعمال والأمراء المقربين في بعض الأحيان.

نقل تقرير “واشنطن بوست” سالف الذكر عن رجل أعمال غربي مطلع على مقربة من أسرة الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبدالعزيز، أنه تم منع 27 ابنًا وبنتًا للملك الراحل من السفر إلى الخارج منذ عام 2017. بالإضافة إلى ذلك، تم حظر ما بين 52 و57 من أحفاده، و8 من أبناء الأحفاد، من السفر.

كما سبق اعتقال 4 من أبناء الملك الراحل البارزين، وهم “متعب”، الرئيس السابق للحرس الوطني، و”مشعل”، حاكم مكة السابق، و”فيصل”، الرئيس السابق لجمعية الهلال الأحمر السعودي، و”تركي”، أمير الرياض السابق، وتم احتجازهم في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في حملة قمع تحت ستار مكافحة الفساد قادها “ابن سلمان”.

وأضاف التقرير أن حظر السفر ينطبق أيضًا على زوجة وبنات “محمد بن نايف”، ولي العهد السابق الذي عزله “ابن سلمان” في يونيو/حزيران 2017.

وتم السماح لزوجة “محمد بن نايف”، “ريما بنت سلطان”، ابنة ولي العهد السابق “سلطان”، بالسفر للخارج أخيرًا لفترة وجيزة بحسب مصدر سعودي ومصدر غربي، بغرض تلقي العلاج الطبي، لكن طفلتيها، “سارة” و”لولوا”، ممنوعتان من السفر. وقالت المصادر إن بعض أفراد عائلة “ابن سلمان” نفسه لا يمكنهم السفر إلى الخارج.

ويشكل ما يقرب من 300 سعودي كانوا محتجزين في فندق “ريتز كارلتون” نسبة كبيرة من مجتمع “المحظورين”.

أما عن رجال الأعمال بالمملكة، فيأتي على رأس القائمة الأمير “الوليد بن طلال”، الذي استثمر في البنوك والفنادق حول العالم. وتم الإفراج عن “الوليد”، ورجال أعمال آخرين استهدفوا في حملة “الريتز كارلتون”، بعد أن تم إجبارهم على دفع نسبة من أصولهم المالية، التي زعم “ابن سلمان” أنهم حصلوا عليها بشكل غير مشروع.

3- وسيلة للضغط:

تسمح السلطات السعودية في بعض الأحيان، لأحد أفراد عائلة بارزة بمغادرة المملكة، ولكن فقط إذا بقي آخر خلفه “كضمان”، بحسب ما أوضح أحد السعوديين من عائلة ممنوعة من السفر.

ومثال على ذلك عائلة تجارية تملك المليارات مكونة من 3 إخوة، توسعوا من محلين للملابس الرجالية إلى شبكة من 19 مركزًا للتسوق. وأوضح سعودي مطلع أنه إذا غادر أحد الإخوة الـ 3، يبقى الآخران قسرًا.

وتنطبق قيود مماثلة على عائلة “ابن لادن” التي تدير أعمال بناء ضخمة. وتم إيقاف شابين من عشيرة “ابن لادن” عام 2017، أحدهما في مطار جدة، والآخر كان يحاول عبور الجسر الواصل إلى البحرين.

ويظل المنع من السفر ممارسة قمعية، وانتهاكًا لحق أساسي من حقوق الإنسان، ويعاقب عليها القانون الدولي في حالة ثبوت ضلوع نظام ما بهذا الانتهاك، ويضمن القانون الدولي تعويض ضحايا المنع، نظرا لما له من ضرر بالغ على الحريات العامة في البلاد، ولضرره الخاص على الأشخاص الممنوعين، وتوسع النظام السعودي فيه يجعله واقعًا تحت طائلة القانون الدولي، ويسمح برفع قضايا دولية عليه لفك الحصار المفروض على الآلاف من المواطنين دون سبب قانوني واضح.