تقرير خاص

تكفل المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق، حرية التنقل لكل فرد، ونصت المادة على أنه: “لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه”، كما تؤكد الاتفاقيات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أنه يحظر على الدول تقييد حق الأشخاص بمغادرة بلادهم إلا عندما يتم فرض هذه القيود بموجب القانون “وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم”.

كما ينص الجزء ١ من المادة ٢٧ من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي وقعت وصادقت عليه جميع الدول أعضاء الجامعة العربية بما فيها المملكة العربية السعودية، على أنه” لا يجوز بشكل تعسفي أو غير قانوني منع أي شخص من مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده أو فرض حظر على إقامته في أية جهة أو إلزامه بالإقامة في هذا البلد.”

ولكن الوضع في المملكة العربية السعودية بعهد “ابن سلمان” اختل بسبب الممارسات القمعية للنظام هناك ضد معارضيه  باختلاف مشاربهم وانتمائتهم، والمشكلة في “المنع من السفر” تعسفيًا هو أنه لا يمكن بشكل رسمي حصر الحالات التي تمنع من السفر تعسفيًا، وذلك لأن وزارة الداخلية السعودية تصدر هذه العقوبات بشكل سري وتعسفي ومن دون أي إجراءات أو ضمانات جزائية، فعادة لا يتم إعلام الممنوعين من السفر بالمنع مسبقاً ولايعرفون عنه إلا عند محاولتهم مغادرة البلاد.

المنع من السفر في القانون السعودي:

المحاكم السعودية ووزارة الداخلية السعودية؛ هما الجهتان المنوط بهما إصدار قرارات المنع من السفر، حيث ينص الجزء الثاني من المادة السادسة من قانون نظام وثائق السفر (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / ٢٤ وتاريخ ٢٨/٥/١٤٢١ هـ) على أنه: “لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن و لمدة معلومة، و في كلتا الحالتين يبلغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر”.

والهدف من منع السفر الصادر من المحاكم هو عمليه إجرائية  لضمان عدم فرار المتهم من البلاد خلال المحاكمة إذا قضت المحكمة أن فراره وارد وضمان حضوره المحاكمة ووجوده لإستيفاء الحكم الصادر بحقه.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أربع حالات ضمن قوانين مقننة تحدد منع من السفر باعتباره شكلاً من أشكال العقاب: تهريب المخدرات (المادة ٥٦) والغش التجاري (المادة ٢٣) وغسيل الأموال (المادة ٥) ونزاعات الديون (المادة ٥٨٦). أما فيما يتعلق بوزارة الداخلية، فيتوجب عليها تبرير المنع من السفر بأسباب محددة تتعلق بالأمن.

وبسبب ذلك البند الأخير، تتوسع وزارة الداخلية في استخدام الحق الذي منحها لها القانون، فالصياغة هنا مطاطية والأسباب التي تقدمها الوزارة لمنع مواطنيها من السفر هي الآخرى مطاطية، كخطره على الأمن، أو الاشتباه في علاقة بتنظيمات إرهابية دون تقديم أي توضيحات!

ويحق للممنوع من السفر وفقًا للقانون السعودي تقديم طعن على قرار منعه من السفر أمام القضاء السعودي، ولكن بالطبع معروف أن القضاء السعودي مسيس ويخضع للنظام الاستبدادي القائم في المملكة، مما يعني أن الطعن مصيره إلى الرفض، طالما أن الجهات الأمنية غير موافقة على سفر الشخص.

حملة ضد المنع من السفر:

في الأيام القليلة الماضية؛ دشن ناشطون معارضون سعوديون حملة تحت وسم #إنقاذ_رهائن_منع_السفر، لدعم أهالي المعتقلين وذويهم الممنوعون من السفر، دون أي مسببات أو مسوغات قانونية.

وأوضح ناشطون أن عائلات المعتقلين، مثل سلمان العودة، ولجين الهذلول، وأيضا بعض من أفرج عنهم مثل الطبيب وليد فتيحي، والأكاديمي المقيم في الخارج أحمد بن راشد بن سعيد، والمعارض سعيد بن ناصر الغامدي، وغيرهم، لا يمكنهم السفر على الإطلاق.

فعائلة مثل عائلة “العودة” 17 شخصًا منها ممنوعون من السفر، ومن هو خارج المملكة موضوع على قوائم ترقب الوصول للقبض عليه، مثل ابنه “عبدالله” الباحث الأكاديمي بجامعة “جورجتاون” الأمريكية.

كذلك عائلة الدكتور الذي أفرج عنه مؤخرًا “وليد فتيحي”، فهو نفسه ممنوع من السفر وكل أفراد عائلته، وعائلة الناشطة “لجين الهذلول”، أكدت شقيقتها أن أباها وأمها موضوعان على قوائم الممنوعين من السفر، وأنه قد تكون هي وأخواتها على قوائم الترقب.

ويقول ناشطون إن السلطات تخشى من أن يزداد عدد المطالبين بالإفراج عن المعتقلين في حال سمحت للأهالي بالسفر.

ودائما ما يغرد بعض أهالي المعتقلين ممن يقيمون خارج المملكة مطالبين بالإفراج عن أقاربهم، على غرار نجل سلمان العودة، وأشقاء لجين الهذلول.

الرفض الدولي لاستخدام السعودية لعقوبة المنع من السفر:

أصدر مجلس جنيف للحقوق والعدالة، ديسمبر الماضي، بيان ندد فيه بتصعيد السلطات السعودية إجراءاتها التعسفية عبر المنع من السفر لناشطي حقوق إنسان وعائلاتهم ومن دون أي سند قانوني.

وقال المجلس في بيانه إن “فرض المنع من السفر بحق الناشطين وعائلاتهم بما في ذلك معتقلي الرأي في المملكة يمثل جريمة حقوقية كبرى وانتهاك فاضح لأبسط حقوق الإنسان”.

وأوضح المجلس أن المئات من أفراد عائلات معتقلي رأي ونشطاء حقوق الإنسان عمدوا إلى مغادرة المملكة وتقديم اللجوء السياسي في بلدان أوروبية هربًا من بطش السلطات السعودية بحقهم، فيما لم يتمكن الغالبية من ذلك بسبب منع السفر الصادر بحق الكثير من عائلات المعتقلين.

وأعرب المجلس الحقوقي الدولي عن قلقه العميق بأن عمليات الاعتقال الواسعة الجارية في السعودية والتي غالبا ما تلحقها أحكام قاسية تصل حد الإعدام تعزيزا، لمجرد ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع أمست من الممارسات الشائعة في المملكة.

وحث المجلس فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي والمنظمات الدولية المختصة على التدخل الفوري للضغط على السلطات السعودية لوقف انتهاكات المنع من السفر والتراجع عن الإجراءات الصادرة بحق عائلات معتقلين ونشطاء حقوق إنسان لما يمثله ذلك من انتهاك  للحقوق والحريات.

كما نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من جانبها؛ باستخدام السلطات السعودية لعقوبة المنع من السفر ضد معارضيها وعائلاتهم، في عدة بيانات دعت فيه السلطات السعودية للإفصاح عن الأسباب التي دعتها لمنع سفر العديد من مواطنيها.