تقرير خاص 

كانت دومًا اليمن مستنقعًا لكل غريب يحاول عبثًا الدخول إليه بغير إذن أهله، فالكل يذكر هزيمة 67 في مصر، والتي كان من أهم أسبابها إرهاق الجيش المصري في حرب اليمن، ليجيء جيش الاحتلال لينهي أسطورة الجيش المصري – كان أقوى جيش عربي آنذاك – في ستة أيام فقط.

وهكذا الحال الآن أيضًا؛ فالسعودية تدخلت في اليمن بعد سيطرة ميليشيات الحوثيين على صنعاء العاصمة والمدن الكبرى، فتوهمت السعودية بقيادة الغر “ابن سلمان” أنها ستكون نزهة يُضرب فيها صاروخان، وبعض الطلعات الجوية لينهي أسطورة الحوثيين، ويعود منتصرًا فاتحًا!

ولكن الواقع أثبت أن اليمن كانت ولا زالت حقل ألغام لكل من يحاول الاقتراب منه، فعلى كل الأصعدة خسرت السعودية معركتها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ولا تزال تعافر في محاولة منها للخروج بدون إراقة ماء الوجه باتفاق ضمني يمكن الحوثيين من مزيد من السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية.

خسائر سياسية:

أهم ما يمكن رصده في خسائر السعودية السياسية في اليمن؛ هو عدم وجود حليف استراتيجي لها من اليمنيين أنفسهم، فقد كان الوضع قبل ذلك هو دعم للفصائل السنية باختلاف مشاربها ضد الوجود الحوثي الذي ينتمي للطائفة الشيعية اليزيدية.

كانت المملكة تغدق الأموال على كل ما هو سني؛ حتى حزب الإصلاح – التابع لجماعة الإخوان المسلمين – وصله من الدعم ما وصله وإن كان بشكل غير مباشر، سواء عن طريق وسطاء أو من خلال تبرعات السعوديين.

ولكن الوضع الآن تبدل؛ فعلى الأرض اعتمدت السعودية على الجيش النظامي اليمني الذي لم يستطع التصدى للحوثيين منذ البداية، ورفضت التعامل مع الفصائل والأحزاب الموجودة على الأرض أو تسليحها رغم أنها الأجدر لوقف الزحف الحوثي، وذلك بحجة أنها تخدم تيار الإسلام السياسي الذي وقفت السعودية أمامه منذ تدخلها في مصر وإسقاط أول رئيس منتخب منتمي لجماعة الإخوان “محمد مرسي” في 2013، وأكد ذلك “ابن سلمان” حين تسلم مقاليد ولاية العهد.

فخسرت المملكة بذلك وجود ظهير شعبي لها يحميها من التغول الحوثي، ويجمع السنة باليمن خلف راية واحدة، وبدلاً من ذلك راحت هي والإمارات في دعم ميليشيات فئوية مصت أموال المملكة، ثم انقلبت عليها واستولت على عدن!

وقد ظهر ذلك جليًا في اتفاق الرياض الذي أبرم برعاية السعودية، وهو الآن على وشك الأنهيار بسبب تعنت ميليشيات الجنوب الموالية للإمارات، وسط ضعف من حكومة “هادي”.

ومن الخسائر الأخرى السياسية التي مُنيت بها المملكة، صورة المملكة التي اهتزت دوليًا بسبب الفظائع التي ارتكبت في اليمن عسكريًا، ضد المدنيين، ما سبب أكبر أزمة إنسانية في تاريخ البشرية بحسب إحصائيات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة.

فكم من فعالية تم إلغاؤها للسعودية في الولايات المتحدة وأوربا، وزيارة لمسئولين كذلك بسبب حرب اليمن وأثرها على الصورة الذهنية للمملكة عالميًا.

خسائر اقتصادية:

الحرب -أي حرب- لها أثر كارثي على أي اقتصاد مهما كانت قوته، وعن الوضع الاقتصادي في المملكة فحدث ولا حرج، فقد أثرت سياسية السعودية المتخبطة في اليمن بقيادة “ابن سلمان” على الوضع الاقتصادي، فقد أدى تورط السعودية في اليمن، لقصف متواصل على منشأتها الاقتصادية الهامة من قبل الحوثيين، ما جعل الكثير من المستثمرين يحجمون على الاستثمار في المملكة رغن التسهيلات الكثيرة الممنوحة لهم.

كذلك كان لاستهداف الحوثيين لمنطقة الحدود مع المملكة أثر كبير، حيث توقف عمل معظم الشركات الصناعية والتجارية في المنطقة الجنوبية. كما دفعت المواجهات إلى إخلاء نحو 10 قرى ونقل أكثر من 7000 شخص من مناطق حدودية وإغلاق أكثر من 500 مدرسة، بما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة.

ناهيك عن فاتورة الحرب التي لابد من دفعها كل يوم صباحًا، حتى تظل دائرة الحرب تلف، فمثلاً لو عرفنا أنه لإسقاط صاروخ واحد باليستي حوثي تحتاج السعودية إلى 3 صواريخ باتريوت أمريكية، تكلفة الواحد منهم 3 مليون دولار، أي لإسقاط صاروخ واحد حوثي، تحتاج المملكة إلى 9 مليون دولار؛ أي ما يعادل 34 مليون ريال سعودي تقريبًا!

كما تضطر السعودية لتجديد ترسانتها من الصواريخ الاعتراضية أو تغييرها بمبالغ طائلة، وقد اتفقت مؤخرا على شراء صواريخ “أس 400” من روسيا ومنظومة “ثاد” من الولايات المتحدة. كما أن صواريخ الباتريوت المنشورة على نطاق واسع بمواقع عديدة من المملكة تكلف عمليات صيانتها مئات الملايين من الدولارات.

أما عن طلعات الطيران؛ فتكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريًا، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة أي أكثر من ثمانية مليارات دولار في ثلاث سنوات.

وفي مارس الماضي، أعلنت قوات التحالف بقيادة السعودية أن عدد الطلعات الجوية التي نفذها طيرانه في اليمن بلغت أكثر من 90 ألفا، وبالتالي تكون  تكاليف الضربات الجوية قد بلغت خلال عامين ما بين سبعة مليارات وتسعة مليارات، إذ تترواح تكلفة الطلعة بين 84 ألفا و104 آلاف، وهي تكلفة الطلعة بمقاييس القوات الجوية الأميركية.

كما أشارت مجلة “فورين بوليسي” إلى أن نفقات قمرين اصطناعيين للأغراض العسكرية بلغت 1.8 مليار دولار دولار في الأشهر الستة الأولى للحرب، بينما تبلغ تكلفة طائرة الإنذار المبكر (أواكس) 250 ألف دولار في الساعة، أي 1.08 مليار دولار سنويًا.

خسائر على الصعيد العسكري:

تتكتم الأجهزة الرسمية السعودية على الخسائر العسكرية، وعدد الضحايا الذي نلقوا مصرعهم في عمليات حربية، ولكن رغم ذلك تم الكشف عن الكثير من الخسائر العسكرية سواء من جابت الحوثيين، أو بالتتبع الدقيق لوسائل الإعلام الرسمية السعودية.

وبالاستناد إلى ما أوردته المصادر اليمنية عن فترة دخول العمليات في مرحلة الرّد على التدخل السعودي من خلال استهداف المواقع العسكرية في العمق السعودي أي مرحلة “الخيارات الاستراتيجية”، وتحديدًا في جبهات نجران وجيزان وعسير، جاءت الإحصائيات غير النهائية لتكشف أن الحوثيون دمّروا نحو 173 آلية ومدرعة ودبابة، موزعة على المحاور التالية:

– منطقة جيزان: تدمير قرابة 119 آلية، منها 19 دبابة و24 مدرعة، و76 آلية مختلفة.

– منطقة نجران: تم تدمير 31 آلية، منها 11 دبابة، 20 آلية عسكرية متنوعة.

– منطقة عسير: دمر الحوثيون 23 آلية على الأقل، منها 6 مدرعات نوع بي إم بي ودبابتين، إضافة الى تدمير 15 آلية متنوعة.

أما في الجو، حيث أعلنت المملكة ومنذ اطلاق عملية «عاصفة الحزم» سيطرتها على كامل الأجواء اليمنية، ورغم ذلك تم إسقاط طائرتي إف ستة عشر اعترفت السعودية بواحدة، والأخرى ذكرت بأنها سقطت بخلل فني في البحر.

كذلك تم إسقاط 3 مروحيات حربية من نوع أباتشي، أسقطت جميعها في المناطق الحدودية، إضافة الى إسقاط 3 طائرات استطلاع.

الناشط السعودي الشهير على “تويتر” (مجتهد)، كشف عن المزيد من خسائر القوات المسلحة السعودية في حرب اليمن، حيث بلغت 3500 قتيل، 6500 جريح، و430 مفقودًا. وكشف عن تدمير أو تعطيل 450 دبابة ومدرعة و4 طائرات أباتشي وطائرة ف-15 وتدمير 3 زوارق واصابة 2.

ورغم كل تلك الخسائر لا يزال “ابن سلمان” يكابر ويتمطى في غروره المستمر بأن الحرب في اليمن تسير بشكل جيد ومطمئن لصالح قواته، وهو ما ينفيه الواقع على الأرض، ما دفعه لمحاولة الخروج بدون إراقة ماء الوجه من خلال مفاوضات سرية تتم الآن مع الحوثيون للتوصل إلى اتفاق سلام قد يفضي  إلى مزيد من السيطرة الحوثية على مقاليد الحكم في صنعاء.