خاص: كانت البداية رغبة إماراتية في التجسس على المعارضين والرموز السياسية الغربية للتعرف على اتجاهاتهم ناحية حكام الإمارات، وانتقلت العدوى من “ابن زايد” إلى ولي العهد السعودي “ابن سلمان”، واللذان كانا لا يفترقان لا في السياسة ولا الاقتصاد حتى وقت قريب، عندما خرجت صراعتهما للعلن، وتجسس كلاً منهما على الآخر بنفس البرنامج الصهيوني “بيغاسوس”.

 

– ما هو “بيغاسوس”؟!

“بيغاسوس”؛ هو برنامج تجسسي يُمكِن تثبيته على أجهزة تشغيل بعض إصدارات نظام آي أو إس (أبل) أو أي نظام آخر، من أجل التجسس على الشخص المستهدف ومعرفة ما يقوم به على هاتفه المحمول والاطلاع على ملفاته وكل الصور أو الوسائط التي يحتفظ بها في الجوال.

اكتُشفت هذه البرمجية في أغسطس/ آب 2016، وذلكَ بعد فشل تثبيتها على آي فون أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان الإماراتي، أحمد منصور، ما مكَّن شركة أبل من الانتباه لها والانتباه لاستغلالها الثغرات الأمنية بهدف الاختراق والتجسّس.

بشكلٍ عام، فإن برمجيّة “بيغاسوس” قادرة على قراءة الرسائل النصية، تتبع المكالمات، جمع كلمات السر، تتبع موقع أو مكان الهاتف، وكذا جمع كلّ المعلومات التي تُخزنها التطبيقات. وحينَ اكتشف البرمجيّة؛ أصدرت شركة أبل نسخة 9.3.5 وذلكَ بهدفِ إصلاح نقاط الضعف التي احتوت عليها النسخة السابقة.

وحظيت هذه البرمجيّة بشهرة كبيرة وبتغطيّة إعلاميّة خاصة بعدما انتشرت أخبار تُفيد باستعمالها في التجسس على شخصيات مهمة في مُختلف المجالات. أَطلقت عليها بعضُ وسائل الإعلام لقبَ «البرمجيّة الأكثر تطورًا» وذلك بعدَ نجاحها فِي التجسس على هواتف آي فون المعروفة بقوّة حمايتها لبيانات المستخدم مقارنة بأنظمة تشغيل أخرى. من ناحية أخرى؛ ذكرت الشركة المصنعة للبرمجيّة وهي شركة إن إس أو أنّ لها إذنًا من بعض الحكومات للاستمرار في صناعة البرنامج وذلك للمساعدة على مكافحة الإرهاب والجريمة على حد زعمها.

 

– سلاح “ابن سلمان”:

بداية، كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها، عن اجتماعات سرية حضرها مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الصهاينة، مع مسؤولين سعوديين في فيينا وقبرص والرياض في صيف 2017، وكان من ضمنهم رجال الأعمال في مجموعة NSO، كانت مهمتهم هي بيع نظام التجسس بيغاسوس الذي يصنف على أنه سلاح من إنتاج تلك الشركة.

وذكرت الصحيفة أنه وفقًا لشخص حضر الاجتماع في يونيو/ حزيران 2017 في قبرص، فإن مسؤولاً رفيع المستوى في المخابرات السعودية كان “مندهشًا” مما رآه، بعد مناقشة مطولة وتقنية، عُرض على المسؤول السعودي، الذي أحضر جهاز iPhone جديد، كيف يمكن لـ”بيغاسوس” أن يخترق الهاتف ثم يُستخدم لتشغيل الكاميرا عن بُعد.

وشددت الصحيفة على أن مجموعة NSO  حصلت على إذن صريح من الحكومة الصهيونية لمحاولة بيع أدوات القرصنة المحلية للسعوديين. لقد كان ترتيبًا سريًا وأسفر عن إبرام البيع لاحقًا في الرياض بصفقة تبلغ قيمتها 55 مليون دولار على الأقل.

ولكن السؤال الأهم؛ هل كان الغرض من تلك الصفقة تجاريًا بحتًا؟! أي أموال مقابل سلعة، أم أن هناك ثمن أخر دفعه “ابن سلمان” للصهاينة من أجل الحصول على ترخيص باستخدام “بيغاسوس” واستمرار تلك الرخصة حتى الآن؟!

ففي يناير 2022، كشف تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية النقاب عن الثمن الذي دفعه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للكيان الصهيوني مقابل تجديد عقد برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس”.

وفي تقرير لها، قالت الصحيفة إنه على الرغم من الموافقة على بيع البرنامج في عام 2017، إلا أن “لجنة الأخلاقيات” دعت، بعد عام، إلى إنهاء وصول السعودية إليه بعد ورود تقارير عن استخدامه لتعقب وقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وقالت الصحيفة إنه في عام 2019، عاد بيغاسوس للعمل مرة أخرى، في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يتفاوض لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين.

وذكرت أنه “عندما انتهت صلاحية الترخيص السعودي، تدخل نتنياهو شخصيًا، بعد تلقيه مكالمة من ولي العهد محمد بن سلمان”.

ووافق “ابن سلمان” على السماح للطائرات والرحلات الصهيونية المتجهة إلى الكيان باستخدام المجال الجوي السعودي، مما يعزز اتفاقيات التطبيع الموقعة مع الخليجيين.

وأضافت الصحيفة أنه بعد مكالمة بين بن سلمان ونتنياهو، اتصلت وزارة الجيش في الكيان بالشركة الأم لبيغاسوس- مجموعة NSO- وأمرت بإعادة تشغيل النظام في السعودية.

أي أن الكيان الصهيوني رمى الطعم لـ”ابن سلمان”، وهو ابتلعه بكامل إرادته، أي أن “بيغاسوس” كان حصان طروادة، الذي اقتحم به الصهاينة حصون المملكة بيد ولي عهدها “ابن سلمان”!

 

– استنفار عالمي وعرض شراء سعودي – إماراتي:

عقب الكشف عن الأفعال المشينة التي ارتكبت بسبب استخدام “بيغاسوس”، انتبه العالم إلى مدى خطورة هذا البرنامج التجسسي، وخطورته الأكبر في وجود في أيد مثل يد “ابن سلمان” الصبيانية.

وكان أهم تلك الخطوات هو ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” (Jerusalem Post) العبرية عن تقارير قولها إن آشر ليفي، رئيس مجلس إدارة شركة “إن إس أو” (NSO) قد استقال من منصبه، وذلك بعد أيام من تفجر فضيحة جديدة للشركة بتورط الشرطة الصهيونية في استخدام برامجها التجسسية ضد مواطنين صهاينة!

كذلك طالبت مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي وزارتي الخزانة والخارجية بمعاقبة شركة برمجيات التجسس الصهيونية “إن إس أو” (NSO Group) و3 شركات أجنبية أخرى يقولون إنها أعانت أنظمة “استبدادية” على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

ودعا المشرعون إلى فرض عقوبات على كبار المديرين في “إن إس أو” الصهيونية، و”دارك ماتر” (DarkMatter) الإماراتية للأمن الإلكتروني، وشركتي “نيكسا تكنولوجيس” (Nexa Technologies) و”تروفيكور” (Trovicor) الأوروبيتين لتقنيات المراقبة.

وتشير تقارير إلى أن الشركة الصهيونية سهلت تتبّع أكثر من 1000 شخص في أكثر من 50 دولة، منهم العديد من رؤساء الدول وكبار المسؤولين الحكوميين ومديرو شركات كبرى، إضافة إلى 85 ناشطا في مجال حقوق الإنسان و189 صحفيا.

وطلبت المجموعة التي تضم أعضاء مؤثرين بالكونغرس، مثل رئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ السيناتور رون وايدن، ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب النائب آدم شيف، من إدارة الرئيس جو بايدن فرض عقوبات مالية على شركة التجسس الإسرائيلية وعدد من شركات المراقبة الأخرى، مشيرين إلى تقارير تفيد بأنهم ساعدوا الأنظمة الاستبدادية على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

كذلك كشف صحيفة “نيويورك تايمز” عن رفع شركة “آبل” للتقنية العالمية دعوى ضد شركة NSO الصهيونية لتقنيات التجسس؛ عقب اختراق هاتف ناشط سعودي.

وأوضحت الصحيفة أن “آبل” رفعت دعوى، نوفمبر 2021، بأحد المحاكم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ضد الشركة الصهيونية عقب وجود دلائل ملموسة على حادثة اختراق هاتف ناشط سعودي بمارس الماضي.

وقدمت الشكوى، معلومات جديدة حول كيفية استخدام المجموعة برنامجها الشهير بيغاسوس للتجسس على أجهزة المستخدمين، حيث تسعى أبل إلى استصدار أمر قضائي يحظر المجموعة الصهيونية من استخدام أي برامج أو أجهزة تابعة لشركة أبل.

وبحسب شركة أبل؛ تقوم NSO بإنشاء تقنية مراقبة متطورة برعاية الدولة تسمح لبرامج التجسس عالية الاستهداف بمراقبة ضحاياها، وهذه الهجمات تؤثر على المستخدمين بما في ذلك iOS و Android، حيث وثق الباحثون، “إساءة استخدام برامج التجسس لاستهداف صحفيين ونشطاء معارضين وأكاديميين ومسؤولين حكوميين”.

وقالت أبل، إن هناك ملايين الدولارات تنفق على تقنيات التجسس والمراقبة المتطورة دون مساءلة فعالة.

وقدمت شكوى أبل معلومات جديدة حول استغلال ثغرة أمنية مصححة كانت تستخدم سابقا لاختراق أجهزة أبل، وتثبيت إصدار من برنامج التجسس الخاص بـNSO.

وتسعى الدعوى القضائية التي رفعتها شركة أبل إلى منع NSO من إلحاق المزيد من الأذى بالأفراد الذين يستخدمون منتجات وخدمات أبل، وتسعى إلى تعويض الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها مجموعة NSO للقانون الفيدرالي وقانون الولاية الأمريكي، والناجمة عن جهودها لاستهداف أبل ومستخدميها ومهاجمتهم.

وكان أخر تلك التحركات القانونية ضد الشركة المذكورة، ما أورده موقع “ميدل إيست أي” البريطاني عن قيام محامي ثلاثة من نشطاء المجتمع المدني في بريطانيا بمقاضاة الشركة الصهيونية “إن أس أو” ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية أمام المحكمة العليا، بعد اختراق هواتف موكليهم عبر برنامج “بيغاسوس”.

وذكر الموقع أن الدعوة سيتم تقديمها باسم كل من يحيى عسيري، المدافع السعودي عن حقوق الإنسان، وأنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة، ومحمد كوزبر، رئيس مسجد فينسبيري بارك.

ونقل الموقع عن محامي النشطاء الثلاثة، إن هواتفهم المحمولة تعرضت للاختراق باستخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” بين عامي 2018 و2020 أثناء وجودهم في المملكة المتحدة.

واعتبر المحامون في شركة Bindmans القانونية، ومقرها لندن، أن القرصنة كانت انتهاكا لحقوق الخصوصية الخاصة بهم ويسعى النشطاء إلى رفع دعاوى انتهاك الخصوصية ضد الشركة الإسرائيلية والسعودية والإمارات.

وقال المحامون في بيان إنه تم إبلاغ المتهمين الثلاثة المحتملين بذلك في رسائل أرسلت في أواخر شباط/ فبراير الماضي، لكن مجموعة “إن أس أو” هي الوحيدة التي ردت رسميا.

ودفعت تلك المواجهة العالمية الشرسة القائمون على شركة NSO مطورة البرنامج، بعرضها للبيع بسبب ما مُنيت به من خسائر ضخمة، وكان أهم العروض المقدمة لهم عرض سعودي وإماراتي للشراء!