خاص: لا شك أن نقاط التماس بين السياسة والاقتصاد كثيرة ومتعددة، فما لا تقدر عليه في السياسة يمكن أن تضغط به من ناحية الاقتصاد، والعكس صحيح. وهذا ما فعله ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع حليفه الإمارات.

فبعد الافتراق السياسي بين الحليفين والذي ظهر واضح وجليًا في حرب اليمن التي ورطت فيها الإمارات السعودية، والمصالحة الخليجية التي مضت نحوها السعودية دون رغبة إماراتية، أتت حرب من نوع جديد شنها “ابن سلمان” على الإمارات، ليعطي كلمة البداية في فضل جديد من الصراع بين الطرفين.

حرب الشركات:

جاء إعلان السعودية الاثنين الماضي، اعتزامها إيقاف تعاقد الحكومة، اعتبارًا من مطلع 2024، مع الشركات والمؤسسات التجارية الأجنبية التي لها مقار إقليمية بالمنطقة خارج المملكة، في خطوة أثارت انتقادات من قبل شخصيات إماراتية اعتبرتها تهدف إلى محاولة سحب البساط من دبي.

كما كشف وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن أهم أسباب قرار إيقاف التعاقد مع الشركات والمؤسسات التجارية التي لن يكون مقرها الإقليمي بالمملكة، هو أن نصيب بلاده من المقار الإقليمية ضئيل، أقل من 5% حاليًا، رغم أن السعودية لديها أكبر اقتصاد في المنطقة.

وتستخدم الشركات الأجنبية منذ سنوات دولة الإمارات العربية المتحدة كنقطة انطلاق لعملياتها الإقليمية بما في ذلك السعودية.

لكن “الجدعان”، قال إن بيئة العمل الحالية في السعودية بها متسع للتحسين، وإن الحكومة ستكمل الإصلاحات القضائية والتنظيمية، وتحسن نوعية الحياة حتى تشعر الشركات والأفراد بالراحة في الانتقال إلى الرياض.

وردًا على ذلك القرار قال قائد شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، على حسابه بـ”تويتر”: إن “قرار إلزام الشركات العالمية فتح مكاتب لها في المملكة أو مقاطعتها قد يضر بدول خليجية أخرى أضعف اقتصاديًا بكثير من الإمارات.. دبي بالنسبة لها الأسواق الخليجية أسواق صغيرة”.

وأضاف: “لم تعد دبي موقعًا إقليميًا على خارطة التجارة ولكنها موقعًا دوليًا، 75% من واردات دبي يعاد تصديرها إلى دول العالم (..) دبي تعد موقعًا استراتيجيًا لمنتجات أكثر من مليارين ونصف مواطن في الهند والصين وما جاورهما”.

من ناحيته، علق المدير العام الأسبق للدائرة المالية بإمارة دبي، ناصر الشيخ، على الإعلان السعودي قائلاً: إن “تحرك الرياض يتناقض مع مبادئ السوق الخليجية الموحدة”.

وتابع خلال تغريدة على “تويتر” بعد الإعلان السعودي إن “التجارب العالمية والتاريخ أثبتا أن الجذب القسري غير مستدام”.

تهديد للتحالف السعودي – الإماراتي:

الصحفي بوكالة “بلومبيرج” الأمريكية، بوبي غوش، المختص بالشؤون الخارجية لا سيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، أكد أن التنافس الاقتصادي بين الرياض وأبو ظبي من شأنه تهديد التحالف بينهما، والذي اعتبره بأنه “أهم تحالف في الشرق الأوسط”.

وشدد “غوش” في مقاله على أن “سعي البلدين لتحقيق هدف مشترك وهو تقليل اعتماد الاقتصاد على صادرات النفط والغاز يضعهما في مسار تصادمي”.

وحول القرار السعودي السابق، ذكر الصحفي الأمريكي أن كلاً من “السعودية والإمارات تسعيان للتنويع الاقتصادي بالتوسع في نفس القطاعات، مثل السياحة والخدمات المالية واللوجستية والتكنولوجيا”، لافتًا إلى أنه نظرًا لافتقار البلدين إلى مجموعات المواهب المطلوبة لخدمة هذه الصناعات “فإنهما سيتنافسان للحصول على الخبرات الأجنبية وكذلك (سبل وفرص) الاستثمار”.

وفي السياق، أوضح “غوش” أن هذا التوجه “يهدد الصداقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، رغم تحالفهما في حصار قطر ومحاربة تركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين”.

ورأى الكاتب أنه من المتوقع ازدياد حدة المنافسة بين البلدين مع استنزافهما ثرواتهما من صادرات النفط والغاز، مشيرًا لتوقع البنك الدولي وصول الدولتين لتلك المرحلة بحلول عام 2034.

كما أن تأثيرات جائحة كورونا على أسعار النفط دفعت جميع دول مجلس التعاون الخليجي (ست دول) للتركيز على ضرورة التنويع الاقتصادي، بحسب المقال.

تحركات إماراتية ضد القرار السعودي:

من جهتها، كشفت تقارير إعلامية عن اتخاذ الإمارات خطوات تنافسية لضرب السوق السعودي، وجذب الشركات الاجنبية إلى دبي. وذلك عقب إعلان السعودية نيتها وقف التعاقد مع الشركات الاجنبية التي لها مقرات إقليمية خارج المملكة مع حلول العام 2024.

ونقلت وكالة “رويترز” عن راشيل زيمبا، من مركز الأمن الأمريكي الجديد للبحوث، قولها إن الإمارات بدأت بالتحرك بشكل فعلي من أجل جعل البلاد أكثر جاذبية للشركات الأجنبية.

وأوضحت راشيل بأن الإمارات اتخذت عدة قرارات منها السماح للمغتربين الطلاق والعيش معًا في أماكن السكن، كما سمحت بتناول المشروبات الكحولية بدون ترخيص.

وأكدت “زيمبا” أن الإعلان السعودي الجديد يعتبر تحد جديد للأعمال في الإمارات لاسيما دبي، لكن الإمارات تأخذ على محمل الجد التهديد القادم من السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، بحسب زيمبا.

وفي النهاية، يرى خبراء اقتصاديون أن القرار السعودي لن يجد له صدى على الأرض إن لم يكن هناك نية لتغيير بيئة الاستثمار في المملكة، فلا شك أن أوضاع حقوق الإنسان، وقضية “خاشقجي”، وطرقة تعامل النظام السعودي مع المعارضين، كل تلك الأمور أثرت وستؤثر على بيئة الاستثمار في المملكة، وإن عدم التعامل معها بشكل صحيح؛ سيؤدي لبقاء العزوف من قبل المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في المملكة.

الخبراء أشاروا كذلك إلى أنه حتى بتلك القرارات القسرية من قبل النظام السعودي لن تنجح المملكة في جذب الاستثمارات، فرأس المال جبان، وستتحايل الشركات الكبرى على القرار من خلال بعض المؤسسات المالية التي لها مكاتب في السعودية قد تغير أسماءها إلى مقرات إقليمية مع الإبقاء على وجود في دبي، أي تغيير شكلي لا جوهري، لن يضيف للاقتصاد السعودي شيء، فليس كل شيء يحل بالقوة كما يفعل “ابن سلمان”.