خاص: يمكن تلخيص الوضع الحالي في العلاقات السعودية – الأمريكية، بأن شهر العسل الذي كان يتمثل في العلاقة الجيدة التي صاغها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بمساعدة جاريد كوشنر، صهره والصديق الشخصي لولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، قد ولت أيامه، ولاحت في الأفق بوادر، ليس أزمة واحدة ولكن عدة أزمات.

فالنظام السياسي في الولايات المتحدة نظام معقد متشابك، يمنح لجميع القوى السياسية المتحكمة في المشهد السياسي الأمريكي قوة، وفي نفس الوقت يحدد صلاحياتها حتى لا تطغى على صلاحيات القوى الأخرى، فالبيت الأبيض يوقف قرارات معينه للكونجرس، والكونجرس يمكنه أن يفقد قرارات الرئيس الأمريكي فعالياتها بوسائل برلمانية، هكذا صيغ الدستور الأمريكي حتى لا تنفرد إحدى القوى بكافة الصلاحيات وتقود البلاد وحدها، أضف لذلك قدرة الإعلام هناك على صياغة الوعي العام، والتأثير على القرار السياسي.

ومنذ مجيء “ابن سلمان” لولاية العهد، رأت الولايات المتحدة فيه وجها تغريبيا سيقف في وجه السيطرة الدينية والقبلية بالمملكة، لهذا دعمته بكل طاقتها، حتى بدأ عوار سياسته في الظهور، خصوصًا بعد قضية “خاشقجي”، فبدأت جهات هناك في نزع يدها عن حمايته، ولم تبق له سوى يد “ترامب” الذي حمى به مؤخرته، حسبما صرح هو بنفسه مؤخرًا!

الكونجرس الأمريكي:

ظهرت بوادر الشقاق بين “ابن سلمان”، والكونجرس الأمريكي، مع وصول الديمقراطيين للأغلبية فيه، حيث بدأ التدقيق في صادرات السلاح المتوجهة للسعودية من أجل حربها في اليمن، حتى إنه تم منع إبرام صفقات معينة من الصواريخ ووقفها رغم موافقة الرئيس الأمريكي “ترامب” عليها.

كذلك وقف الكونجرس الأمريكي أمام تطلعات “ابن سلمان” في امتلاك برامج نووية عسكرية، وأقر قانونا يقضي بفرض قيود على التعاون النووي بين الولايات المتحدة والسعودية، ومنع تقديم برامج نووية ومساهمات للمملكة، رغم أن “ترامب” كان يسعى حثيثًا لدعم الأمير الشاب في امتلاك مثل تلك البرامج النووية، رغبة منه في دعم موقفه أمام غريمتهما اللدود إيران.

ثم مؤخرًا وبالتزامن مع الذكرى الثانية لمقتل “خاشقجي”، أعلن عضو الكونجرس الأمريكي جيري كونولي، في بيان نشره على حسابه بـ”تويتر”، أن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي مررت قانون حماية المعارضين السعوديين.

وقال إنه صاغ القانون لمحاسبة السعودية على قتل خاشقجي واعتداءات أخرى ضد منتقدي المملكة، واصفاً اغتيال خاشقجي بأنه عملية استدراج إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، “وقُتل بدم بارد، وقُطعت أوصاله من قبل عملاء السعودية بتوجيه -كما يقال- من ولي العهد محمد بن سلمان، وبضمانات مزيفة بالسلامة قدمها له السفير السعودي لدى الولايات المتحدة”.

وبحسب “كونولي” الذي ينتمي للحزب الديمقراطي، فإن القانون الذي صاغه “يبعث رسالة قوية وواضحة بأن الولايات المتحدة تعارض الإعادة القسرية للمعارضين والمنتقدين السعوديين في الخارج أو ترهيبهم أو قتلهم”.

ومضى قائلاً: “إن عدم اتخاذ إجراء وغض الطرف عن هذه الانتهاكات لن يؤدي إلا إلى تمكين حَمْلة التخويف السعودية العالمية”.

وبحسب قوله فإن قانون حماية المعارضين السعوديين يحظر بيع الأسلحة الأمريكية للمخابرات السعودية، أو سلطات إنفاذ القانون أو الأمن الداخلي؛ ما لم يؤكد وزير الخارجية أن هذه الوكالات ليست متورطة في إعادة أو إسكات أو قتل المعارضين السعوديين في دول أخرى.

البيت الأبيض:

رغم أن “ترامب” من أهم داعمي ولي العهد السعودي، ويعد منقذه من تبعات قضية “خاشقجي”، وأوقف قيام المخابرات المركزية الأمريكية في كشف تورط “ابن سلمان” الفعلي في الحادث، إلا أن البيت الأبيض سيظل مؤسسة أمريكية تتغير مع تغير نتيجة الانتخابات الأمريكية.

والرياح التي تهب على البيت الأبيض في الوقت الحالي هي رياح ديمقراطية، بحسب استطلاعات الرأي التي تؤيد فوز المرشح الديمقراطي في تلك الانتخابات “جو بايدن”، على منافسه “ترامب”، وسط قلق في الأوساط المحيطة بـ”ابن سلمان” من نتيجة تلك الانتخابات وعواقبها الوخيمة.

ففي بيان لـ”بايدن” في الذكرى الثانية لاغتيال “خاشقجي”، تعهد “بايدن”، بإعادة تقييم علاقات بلاده مع السعودية، وإنهاء دعم واشنطن للحرب في اليمن، والسعي نحو تحقيق العدالة في اغتيال “خاشقجي”.

وقال المرشح الديمقراطي في البيان، الذي نشره عبر موقعه الرسمي: “قبل عامين، أقدم عملاء سعوديون، بما يعتقد أنه توجيه من ولي العهد (الأمير) محمد بن سلمان، على قتل وتقطيع الصحفي السعودي المنشق والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية جمال خاشقجي”.

وأضاف “بايدن”، في بيانه قائلا عن “خاشقجي”: “تهمته، التي دفع حياته ثمنا لها، كانت أنه انتقد سياسات حكومة بلاده”.

وتابع: “أحد (الحداد) اليوم مع الكثير من الرجال والنساء السعوديين الشجعان، والناشطين والصحفيين والمجتمع الدولي، على موت جمال وأكرر نداءه للشعوب في كل مكان بأن تمارس حقها الكوني بالحرية”، على حد تعبيره.

وفيما يتعلق بالخطوات التي يخطط لاتخاذها بهذا الصدد في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، قال “بايدن”: “في ظل إدارة بايدن وهاريس (نائب الرئيس المحتمل كامالا هاريس) سنعيد تقييم علاقاتنا بالمملكة، وسنوقف الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، وسنضمن ألا تساوم أمريكا على قيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط”.

وتابع “بايدن”، قائلا: “التزام أمريكا تجاه القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان سيكون أولوية، حتى مع أقرب شركائنا على الصعيد الأمني”، وأضاف: “سأدافع عن حقوق الناشطين، والمنشقين السياسيين، والصحفيين حول العالم، ليقولوا ما يفكرون به دون خوف من المحاسبة والعنف”.

وأكد المرشح الديمقراطي أن موت “خاشقجي لن يمر عبثا”، مشددا على أن الجميع مدين لذكراه بالقتال من أجل الوصول إلى عالم حر وعادل، وفقا للبيان.

 الإعلام الأمريكي:

وسائل الإعلام الأمريكية لم تنقطع عن الضغط على السعودية في كل وقت، ومن كل الجبهات، فبدءًا من تداعيات قضية “خاشقجي”، مرورًا بحرب اليمن، وانتهاءً بقمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان في المملكة، توالت المقالات وتحليلات الرأي النارية ضد التوجه الحاكم في المملكة الآن بقيادة “ابن سلمان”

فصحيفة “لوس أنجلس تايمز” قالت إن السلطات السعودية زادت من عمليات القمع بعد عامين على مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول وتقطيع جثته.

وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد السعودي منذ مقتل خاشقجي “لم يتوقف عن العمل لإعادة صورته التي تشوهت بسبب الجريمة، بعد اتهامات أممية بوقوفه خلفها”.

وذكرت أن حملة “بن سلمان” لإعادة تأهيله حصلت على دفعة قوية من الرئيس ترامب، الذي تجاهل التقارير التي قدمتها “سي آي إيه”، ومطالب المشرعين في الكونغرس لتحميل ولي العهد المسؤولية ومحاسبته، بالإضافة للكارثة الإنسانية التي تسبب بها في اليمن، وعمليات القمع والملاحقة للمعارضين في السعودية، وفق الصحيفة.

صحيفة “واشنطن بوست” بدورها قالت: إن “وحشية الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان زادت بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي قبل عامين”.

وذكرت أنه مضى عامان على جريمة اغتيال الكاتب في “واشنطن بوست” داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ولا تزال توجد حقيقتان من دون تغيير.

واستدركت بأن تلك الحقيقتين هما أن “العدالة لم تتحقق من أولئك الذي أمروا وخططوا لقتله، والثانية أن بن سلمان ولي العهد الحاكم الفعلي للسعودية استمر في القمع الوحشي الذي جعل نظامه الأكثر وحشية وإجراماً في تاريخ البلاد الحديث”.

وتابعت الصحيفة: “على الرغم من أن ردود الفعل الدولية التي أعقبت مقتل خاشقجي جعلت بن سلمان منبوذاً فإن الأخير لم يغير سلوكه”.

ومضت بالقول: “منذ مارس من العام الجاري، اعتقل النظام اثنين من أبناء (المسؤول الأمني السعودي السابق) سعد الجبري وأحد إخوته، واحتجزهم رهائن بحكم الأمر الواقع في محاولة لإجباره على العودة إلى المملكة”.

ويبقى الواقع يقول بأن العلاقات السعودية – الأمريكية تشهد خريف عمر مرير، وأن “ابن سلمان” بدوره يعيش أياما من أسوأ أيامه، فبعد فشله في اعتلاء العرش وإبعاد والده عن الحكم بعد مرضه الأخير، تأتي الضربة من الحليف الأكبر له الولايات المتحدة، وسط توقعات بأن يكون فوز “بايدن”، هو نهاية لحلم “ابن سلمان” في اعتلاء عرش المملكة.