تصدر اسم وزير الدولة واللواء السابق بوزارة الداخلية السعودية، سعد بن خالد الجبري، وسائل الإعلام الغربية في الآونة الأخيرة، بعد إعلان نجله “خالد”، نبأ اعتقال السلطات بالمملكة لاثنين من أشقائه، وأنهما قد أصبحا رهينتين، والفدية المطلوبة لإطلاق سراحهما هو عودة والده إلى السعودية.

وكان “خالد الجبري” قد صرح لـBBC ، قائلاً إن السلطات السعودية اعتقلت شقيقه “عمر” (21 عامًا)، وشقيقته سارة (20 عامًا)، كما اعتقلت عمه، شقيق “الجبري”، الذي يعمل أستاذًا جامعيًا بالهندسة الإلكترونية في جامعة الملك سعود، وهو في الستينات من عمره، واحتجزتهم كرهائن في محاولة لإجبار المسؤول المرموق السابق على العودة إلى البلاد وتسليم نفسه.

وحول تفاصيل إلقاء القبض عليهما، أشارت BBC إلى أن العملية تمت في الـ16 من مارس/ آذار الماضي، حيث جرى اعتقالهما من سريريهما على أيدي حوالي 50 ضابطًا أمنيًا، جاؤوا إلى المكان في 20 سيارة، ثم فُتش منزل العائلة، واستولى رجال الأمن على بطاقات الذاكرة الخاصة بكاميرات المراقبة، واقتادوا “عمر” و”سارة” إلى مركز اعتقال بمعزل عن العالم الخارجي.

 

– من هو سعد الجبري؟

سعد بن خالد بن سعدالله الجبري، وزير ولواء سعودي سابق، عُيِّن وزيرًا للدولة عضو مجلس الوزراء وعضو مجلس الشؤون السياسية والأمنية، من الفترة 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 24 يناير 2015، حتى 26 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 10 سبتمبر 2015.

وُلد “الجبري” في مدينة حائل عام 1378 هـ، ويعد من أشد المستشارين المقربين من ولي العهد السعودي السابق الأمير “محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود” الغريم الرئيس لولي العهد الحالي محمد بن سلمان.

حصل “الجبري” على بكالوريوس علوم أمنية من كلية الملك فهد الأمنية بالرياض عام 1399 هـ، ثم حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1403 هـ، وشهادة الدبلوم في برمجة الحاسبات الآلية من معهد الإدارة العامة بالرياض عام 1404 هـ، وكذلك حصل على شهادة الماجستير في علوم الحاسب الآلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من قسم الذكاء الاصطناعي من جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة عام 1418 هـ.

عمل “الجبري” في كلية الملك فهد الأمنية، ثم انتقل إلى وزارة الداخلية حيث شغل عدة مناصب من بينها؛ مدير إدارة شؤون الضباط والأفراد بوزارة الداخلية، ومستشار أمني للأمير محمد بن نايف.

تدرج بالرتب العسكرية حتى رتبة لواء، ثم عين بالمرتبة الممتازة اعتبارًا من الأول من شهر رجب عام 1431 هـ، وفي 3 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق 24 يناير 2015، صدر أمر ملكي بتعيينه وزير دولة وعضوًا بمجلس الوزراء، كما صدر أمر ملكي بتعيينه عضوًا بمجلس الشؤون السياسية والأمنية.

ثم صدر أمر ملكي يوم الخميس 26 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 10 سبتمبر 2015 بإعفائه من منصبه!

ورغم إقالته رسميًا، فقد أكد حساب “مجتهد” على “تويتر”، أن “ابن نايف” ظل يعتمد عليه بشكل غير رسمي، ويحيل الضباط كثيرًا من الملفات عليه، إلى أن طرد “ابن نايف” نفسه، فأحس “الجبري” بالخطر، وخرج قبل أن يقبض عليه مع معظم أفراد أسرته عبر ألمانيا إلى الولايات المتحدة، ومنها إلى كندا حيث طلب اللجوء السياسي هناك.

 

– لماذا يمثل “الجبري” خطرًا على “ابن سلمان”؟

في حديث له، وصف مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في بيروت، بن هوبارد، “الجبري” بأنه كان من أهم ضباط المخابرات في السعودية، وخبير في مجال الذكاء الصناعي، ولعب دورًا محوريًا في معركة المملكة ضد تنظيم “القاعدة”، والتنسيق الأمني مع أجهزة المخابرات الغربية.

ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين، لعب “الجبري” دورًا أساسيًا في العديد من الملفات الأمنية الحساسة في المنطقة، من بينها حماية منشآت النفط السعودية، كما كان على تواصل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA حول العراق وسوريا وإيران واليمن.

ويضيف “هوبارد” أن “ابن سلمان” يضغط على “الجبري” للعودة إلى السعودية بسبب خوفه من وجود شخص مثله يحمل كمية هائلة من الأسرار والمعلومات خارج قبضته.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكة والمسؤول حاليًا في معهد بروكيينغز، بروس ريدل، قوله أن امتلاك وزارة الداخلية السعودية جهازًا ضخمًا للرقابة الأمنية جعلها مستودع الأسرار في السعودية، بما في ذلك أسرار أفراد الأسرة المالكة والفساد والجريمة. وأضاف “إن ملفاتها تحتوي على معلومات عن كل التصرفات غير اللائقة، ابتداءًا بالأعمال الإجرامية انتهاءًا بأعمال في غاية الإحراج”.

كما أوضح السفير الامريكي السابق في اليمن، جيرالد فيرستين؛ والذي كان على اتصال مع “الجبري” بحكم عمله، أن “ابن سلمان” يشعر بالقلق من وجود أي شخص بعيدًا عن سيطرته. ويضيف أن “الجبري” كان يتولى الكثير من الملفات الحساسة خلال عمله في الأمن السعودي لعقود، ويملك الكثير من المعلومات؛ بما في ذلك معلومات عن “ابن سلمان”.

وامتدح “فيرستين”، “الجبري” قائلاً : “…كان ذكيًا، جادًا، يعمل بجد وشريكًا جيدًا للولايات المتحدة”.

 

– بداية الصراع المكتوم بين الطرفين:

قبل أن يطيح “ابن سلمان” بابن عمه وولي العهد “محمد بن نايف”، عام 2017، ويضعه قيد الاعتقال المنزلي، كان قد أضعف موقعه عبر الإطاحة بالمقربين منه في الداخلية وعلى رأسهم “الجبري”؛ الذي كان يحتل منصب وزير دولة وعضو مجلس الشؤون الأمنية والسياسية.

وذكرت تقارير إعلامية أن الصدام بين “الجبري”، و”ابن سلمان” بدأ مع وفاة الملك “عبد الله” وتولي الملك “سلمان” العرش عام 2015، فما لبث أن أطلق “ابن سلمان” الذي كان يحتل منصب وزير الدفاع انذاك، الحرب على اليمن تحت اسم “عاصفة الحزم”.

وعارض “الجبري” تورط السعودية في حرب اليمن؛ لأنه كان يرى أنها مكلفة وغير مضمونة النتائج، وهو الموقف الذي أثبتت الأيام صحته، وفي الوقت نفسه أغضب “ابن سلمان” منه، وجعله يضعه في خانة الأعداء.

وبعد أن أصبح محمد بن نايف وليًا للعهد عام 2015، نشب صراع على من يسيطر على وزارة الداخلية؛ التي كانت بعهدة “ابن نايف” لفترة طويلة، كان طرفا الصراع في الداخلية “الجبري”، واللواء عبد العزيز الهويريني، المقرب من “ابن سلمان”، وكانت نتيجة الصراع محسومة سلفًا لصالح جناح “ابن سلمان”، إذ تم تكليف “الهويريني” برئاسة جهاز أمن الدولة في السعودية عام 2017 بأمر ملكي.

وجاءت إقالة “الجبري” بعد لقائه بمدير المخابرات المركزية الامريكية انذاك، جون برينان، في واشنطن دون معرفة “ابن سلمان”، ليفاجئ “الجبري” ورئيسه السابق أواخر عام 2015، بإعلان التلفزيون السعودي خبر إقالته من وظيفته، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

وبعد عودته للمملكة، صدر قرار بإقالته عبر مرسوم ملكي، وبعدها سافر مع معظم أفراد أسرته عبر ألمانيا إلى الولايات المتحدة، ومنها إلى كندا حيث يستقر الآن.

وبعد الإطاحة بـ”ابن نايف”، وحجز أرصدته، ووضعه رهن الإقامة الجبرية عام 2017، خشي “الجبري” أن يلقى نفس المصير، ففضل البقاء في الخارج ولم يعد الى السعودية أبدًا.

 

مصير الأبناء والشقيق المعتقل:

حتى اللحظة، لم توجه أي تهم إليهم، ولا تعرف الأسرة سبب اعتقالهم، بحسب ما قاله “خالد” نجل “الجبري”، في مكالمة هاتفية من كندا مع BBC، حيث يعيش هو والده في منفى اختياري، مضيفًا: “لا نعرف حتى إن كانا ميتين أو مازالا على قيد الحياة”.

ويعتقد “خالد” أنهما محتجزان لاستخدامهما في المساومة مع والده من أجل إجباره على العودة إلى السعودية، حيث يخشى أن يقبض عليه فور وصوله إليها ويسجن، ويقول إنهم: “يستطيعون تلفيق أي أكاذيب يريدونها بشأنه، لكنه بريء”.

من جهتها، لم تستجب السلطات السعودية لطلب BBC منها التعليق على ادعاءات أسرة الجبري ومن عمل معه.

كما نقلت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، في بيان لها في 24 مايو/ أيار 2020، عن مصدر مطلع قوله: “سعد الجبري غادر المملكة في 2017، قبل عزل محمد بن نايف وتنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد مكانه في 21 يونيو/حزيران 2017. وقت خلع محمد بن نايف، كان اثنان فقط من أبناء الجبري، عمر وسارة، عمرهما 18 و17 عاما آنذاك، في البلاد. حاول كلاهما الفرار من البلاد يومها، لكن أوقفهما المسؤولون في المطار وأخبروهما بأنهما ممنوعان من السفر إلى الخارج، حتى تم إلقاء القبض عليهما”.

ودعت “هيومن رايتس ووتش” السلطات السعودية إلى إبلاغ أقارب سارة وعمر، ابني سعد الجبري، فورًا بمكانهما وحالتهما، والإفراج عنهما، وإنهاء حظر سفرهما، بحسب البيان.

الجبري كنز استراتيجي للمملكة، وعلى اطلاع على كثير من الصفقات والملفات التي كانت تفتح في الغرف المغلقة، وإبقاؤه بعيدًا عن يد ابن سلمان فيه مخاطرة كبيرة يخشاها الأخير، فوضعه يشبه إلى حد كبير وضع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي اختار صاحب القرار السعودي اغتياله في قنصلية بلاده في إسطنبول على أن يكون حرا طليقًا يتحدث للصحف ويكشف الصورة الحقيقية للنظام السعودي. فهل يلقى الجبري نفس المصير؟!