خاص: أثار التقرير المفصل الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، حول مخطط الانقلاب الذي كان يحاك ضد الملك الأردني، عبد الله الثاني، في أبريل الماضي، ردود فعل غاضبة بشأن التورط السعودي في المحاولة، والسر وراء السعي السعودي الحثيث لإزاحة الملك “عبد الله الثاني” من سدة الحكم في المملكة الأردنية.

حالة عشق:

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى ما أسمته “حالة العشق” بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والوزير الأردني ورئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، المتورط الأكبر في المحاولة، لافتة أيضًا إلى أنه رغم التحركات الرسمية الأردنية لوأد تلك المحاولة في مهدها إلا أنها “لا ترقى إلى حد الانقلاب بالمعنى القانوني والسياسي، لكنها كانت محاولة لتهديد استقرار الأردن وتحرض على الفتنة”، بحسب ما وصفها مسؤول مخابرات غربي سابق مطلع.

وقالت “واشنطن بوست” إن “عوض الله كان يعمل على الترويج لـ”صفقة القرن”، وإضعاف موقف الأردن وموقف الملك من فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”، وهو ما يفسر سر التقارب بينه وبين “ابن سلمان”.

وأضافت الصحيفة أنه “في قلب هذه القصة تقع القدس، العاصمة السياسية لإسرائيل والكنز الديني للمسيحيين والمسلمين وكذلك لليهود. تدين الملكية الهاشمية في الأردن بالكثير من شرعيتها لدورها كوصي على المسجد الأقصى هناك. ووصف عبد الله حماية الرمز الإسلامي بأنه “خط أحمر” للأردن. على مدى السنوات الثلاث الماضية، شعر عبد الله أن ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان كانوا جميعًا يحاولون إبعاده عن هذا الدور، وفقًا لأمريكي يعرف الملك جيدًا”.

علاقات مضطربة:

أوضحت الـ”واشنطن بوست” أن العلاقات بين “عبد الله” والمملكة العربية السعودية أكثر تعقيدًا، فقد حكمت السلالة الهاشمية مكة والمدينة ذات يوم، ولكن الآن، بعد أن تم زرعها في الأردن فقير الموارد، احتاجت إلى دفعات نقدية منتظمة من آل سعود وممالك الخليج العربي الأخرى للبقاء على قيد الحياة. وكان العاهل السعودي الملك عبد الله، الذي حكم من 2005 إلى 2015 كريمًا. يتذكر مصدر استخباراتي سعودي أن اهتمام الرياض بعمان كان “الاستقرار والاستقرار والاستقرار”.

كما أشارت الصحيفة إلى أنه مع قدوم “ابن سلمان” لولاية العهد، تحرك لتقليص الإنفاقات الخارجية الغير لازمة بحسب وجهة نظره، لصالح تحقيق رؤيته الاستراتيجية المعروفة بـ”رؤية 2030″، وأثر ذلك على الدعم السعودي للأردن.

صفقة القرن نقطة الفصل:

رأت الصحيفة أن حلم “كوشنر” كان يتمثل في أن الدعم السعودي والعربي الآخر لخطته سوف يطغى على المعارضة الأردنية والفلسطينية. ربما تعزز هذا الأمل من خلال مقال افتتاحي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 3 يوليو 2019، بعد مؤتمر البحرين بفترة وجيزة الذي أعلن فيه عن صفقة القرن، بقلم مالك دحلان، المحامي السعودي في لندن والمقرب من الأمير حمزة.

ولكن قوبل كل ذلك برفض أردني صارخ للخطة، ففي آذار/ مارس 2019، سافر الملك عبد الله إلى واشنطن لإطلاعه على الخطة. وفي نفس الشهر، أدلى بتصريحات علنية حادة في المعارضة لها، حيث قال في 21 آذار (مارس) 2019، في مقطع فيديو على موقع يوتيوب: “لن أغير موقفي أبدًا من القدس … بغض النظر عما يقوله الآخرون. لدينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة… هل هناك ضغط عليّ من الخارج؟ هناك ضغط عليّ من الخارج. لكن بالنسبة لي، هذا خط أحمر “.

وتقول “واشنطن بوست” مع تزايد الضغط على العاهل الأردني في الداخل والخارج، بدأت أجهزته الأمنية في التحقيق في التهديدات المحتملة لنظامه. الأدلة التي جمعوها لم يتم اختبارها بعد في المحاكم الأردنية أو المحافل الدولية، لذلك من الصعب إصدار أحكام نهائية. لكن التحركات السريعة التي اتخذتها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لاحتضان عبد الله بعد ظهور تقارير عن المؤامرة المزعومة في أبريل/ نيسان تشير إلى أنهم أخذوا مخاوف الملك على محمل الجد.

كما نقلت الصحيفة تصريحات أدلى بها “عوض الله” لضابط مخابرات أمريكي سابق، اشتكى فيها “عوض الله” من إحباط محمد بن سلمان، حيث قال: “الأقصى هو نقطة الخلاف بالنسبة لنا”، مضيفًا أن الملك [عبد الله] يستخدم ذلك لتخويفنا والحفاظ على دوره في الشرق الأوسط”. في نقطة أخرى، يقول المسؤول السابق، قال عوض الله: “محمد بن سلمان مستاء لأنه لا يستطيع الحصول على صفقة لأنه لا يستطيع التعامل مع ردود أفعال الفلسطينيين إذا كان الملك يحتفظ بموقفه من القدس”.

لذا فليس من الغريب أن يتصرف “ابن سلمان” بعدائية مع الملك الأردني، وأن تورطه الآن أصبح له سبب، ولكن هل سيستمر ذلك العداء المتبادل بين الطرفين حتى بعد رحيل “ترامب”، وتأكيد الإدارة الجديدة على أن صفقة القرن غير واقعية، وأن الحل يكمن في حل الدولتين.

كذلك مسارعة الولايات المتحدة لدعم الملك “عبد الله” في صراعه مع أخيه “حمزة”، والتأكيد على عدم موافقة الإدارة الأمريكية على التحركات التي تمت ضده “عبد الله”، ودعمه بجعله أول زعيم عربي تتأكد مقابلته لـ”بايدن”، بالتأكيد موقف السعودية من الأردن وملكها سوف يكون مغايرًا لما كان عليه الحال، فالأوضاع تنذر بتحول في خطط السلام بالمنطقة، ودفن صفقة القرن وكأنها لم تكن، وربما تدفن معها أحلام “ابن سلمان” في تصدر الزعامة العربية لدى واشنطن.