خاص: صندوق باندورا، هي أسطورة إغريقية قديمة تتحدث عن صندوق حُمل بواسطة بطلة إغريقية تُدعى “باندورا”، ويتضمن كل شرور البشرية من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن، وحين فتحته “باندورا” خرجت كل الشرور من قلب هذا الصندوق لتغزو قلوب البشرية جمعاء.

هكذا كانت الأسطورة الإغريقية، وها هو الواقع الآن يلخص لنا قصة ذلك الصندوق الوهمي ولكن في هيئة صندوق واقعي موجود بالفعل، ويحوي العديد من الشرور من فساد وشراء ذمم وتلميع مجرمين وعدم شفافية، ولكن مع اختلاف المسميات، فالصندوق الثاني يحمل عنوان “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”.

 

– فكرة الصناديق السيادية:

الصناديق السياسية، فكرة اقتصادية تعود لعام 1953، بل وإن أول دولة في العالم ابتكرته هي دولة عربية مسلمة، وهي دولة الكويت! وهو عبارة صندوق مملوك من قبل دولة، ويتكون من أصول مثل؛ الأراضي أو الأسهم أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى.

ومن الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض دولة من أجل الاستثمار، وهي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات.

وتعد عائدات النفط المصدر الأساسي للأموال أكبر الصناديق الاستثمارية السيادية في العالم، وبالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وازدياد واردات الدول المنتجة للخامات ازدادت ثروات هذه الصناديق، كما تعتبر الاحتياطيات النقدية الأجنبية مصدرًا أساسياً أيضًا.

وتشير دراسات “ستاندرد تشارترد” إلى أن حجم الأموال التي ستمتلكها تلك الصناديق خلال عقد من الزمن ستتجاوز 13.4 ترليون دولار، فيما تقدر “مورغان ستانلي” أن تبلغ الموجودات 17.5 ترليون دولار.

ويعتبر جهاز أبو ظبي للاستثمار أكبر الصناديق السيادية في العالم، وهذا بالنظر إلى حجم موجوداته بالدولار الأمريكي ونسبة تلك الموجودات إلى إجمالي الناتج المحلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

 

– صندوق الاستثمارات العامة السعودي:

تأسس صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة العربية السعودية في عام 1971، ويعتبر من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، إذ يحتل المركز الخامس بإجمالي أصول تقدر بـ 620 مليار دولار، بحلول أبريل 2022.

ويختص الصندوق بتمويل المشاريع ذات القيمة الاستراتيجية للاقتصاد الوطني السعودي، حيث تهدف المملكة العربية السعودية إلى تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى واحد من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم وذلك بالعمل على بناء محفظة استثمارية متنوعة ورائدة من خلال الاستثمار في الفرص الاستثمارية الجذابة على الصعيدين المحلي والدولي.

في عام 2020، عمل صندوق الاستثمارات العامة على إدارة أصول بقيمة 400 مليار دولار. ولدى الصندوق محفظة تتكون من حوالي 200 استثمار، منها حوالي 20 استثمار مدرجة في السوق المالية السعودية، بحسب بيانات رسمية سعودية.

 

– صندوق استثمارات أم صندوق فساد؟!

سبق أن قال ولي العهد السعودي “ابن سلمان” إن صندوق الاستثمارات العامة سيكون المحرك الرئيسي وسيسيطر على أكثر من 10 % من الاستثمارات في الكرة الأرضية، وستقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 3% من الأصول الموجودة في الكرة الأرضية.

كما ادعى “ابن سلمان” أن صندوق الاستثمارات العامة سيكون أضخم صندوق في العالم وسيمتلك 3 تريليون دولار، كانت هذه التصريحات في عام 2018!

وبالطبع، لم يصل الصندوق لم قاله “ابن سلمان”، ما جعله هو والصندوق مثار سخرية شديدة من قبل سياسيين واقتصاديين دوليين، بل حتى أن الصندوق تراجع عن العديد من الاستثمارات، وطلب الاستعانة ببنوك عالمية من أجل الحصول على قروض عدة!

 

– شبهات فساد:

في أول مؤتمر استثماري للصندوق بالرياض، والمعروف باسم “دافوس الصحراء”، أثار الغياب الغير مبرر لياسر الرميان، الذي يشرف على الصندوق الضوء على مخاوف بشأن الافتقار إلى الشفافية في الصندوق السيادي للمملكة.

إذ غاب الرميان عن مؤتمر الاستثمار السنوي الذي يترأسه عادة لم يلق ملاحظات افتتاحية في قاعة المؤتمرات، كما كان مقررًا أن يفعل، ولم يحضر حلقة نقاش مع الرؤساء التنفيذيين في Goldman Sachs وشركة BlackRock لإدارة الأموال.

كذلك ما كشفته صحيفة “الجارديان” عن ملاحقة فضائح الفساد لكبار المسؤولين في الصندوق من ضمنهم رئيسه “الرميان”، وقالت الصحيفة إن وثائق داخلية سعودية سرية مرفوعة إلى محكمة كندية تظهر صلته بقضية حملة مكافحة الفساد الشائنة بـ2017.

وأظهرت الوثائق أن واحدة من 20 شركة استولى الرميان عليها كانت شركة طائرات مستأجرة استخدمت بمؤامرة السعودية لقتل الصحفي جمال خاشقجي.

كما عين “ابن سلمان” المقرب منه “الرميان” رئيسًا لنادي نيوكاسل، عدا عن رئاسة مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية.

 

– استثمار أم تضييع أموال الشعب:

قالت وكالة Bloomberg الدولية أن صندوق الاستثمارات السعودي يتبني خطة لتبديد ثورات المملكة بهدف تمويل مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان.

وبحسب الوكالة “تخطط السعودية لبيع حصص في الشركات المحلية التي يمتلكها صندوق الثروة السيادي، بهدف الحصول على سيولة نقدية بقيمة 5 مليارات دولار، لدفع خطط ومشاريع بن سلمان”.

وأوضحت الوكالة أن “المبيعات المقرر أن يقوم بها صندوق الاستثمارات السعودي تشمل 3.2 مليار دولار من بيع أسهم شركة الاتصالات السعودية، و1 مليار دولار من بيع حصة في البورصة السعودية، إلى جانب 820 مليون دولار من بيع حصة في شركة الأمن الرقمي”.

ولم يترك رئيس صندوق الاستثمارات السعودي محمد بن سلمان، صندوقا أو شركة أو مالا إلا وأخضعه تحت سيادته؛ بشكل يعكس عقلية الحاكم المستبد.

غير أن هذه الاندماجات والخطط غير المدروسة تزيد من مخاطر فشل رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان لتنويع مصادر الدخل في المملكة.

وأعلن بن سلمان قبل ست سنوات عن رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع موارد الاقتصاد المعتمد تماماً على النفط

والآن توصف أحدث خطة اقتصادية كشف عنها بأنها عالية الطموح لكنها لا تخلو من مخاطر عالية.

وتقوم الخطة على تخفيض الأرباح التي تدفعها الشركات الكبرى للموازنة العامة للمملكة في مقابل توجيه تلك الشركات

وعلى رأسها عملاق النفط أرامكو وشركة سابك جزءاً من أرباحها نحو المساهمة في مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع في الداخل السعودي بغرض خلق مزيد من فرص العمل.

وفي هذا السياق يعتبر صندوق الاستثمارات العامة حجر الزاوية في تحقيق رؤية التنويع الاقتصادي التي تبناها ولي العهد، والمعروفة برؤية 2030

وبالتالي فإن الصندوق سيكون على الأرجح الوجهة التي تتولى الإشراف على تلك الخطة الاقتصادية الجديدة.

كما كشفت قناة CNBC الاقتصادية عن نية صندوق الثروة السيادي السعودي شراء ممتلكات من شركة Carnival للنشاط السياحي في محاولة لإنقاذها من الانهيار.

وقالت القناة إن “صندوق الثروة السيادي السعودي يجري محادثات لشراء 6 سفن سياحية Seabourn من شركة Carnival”.

وأشارت القناة كذلك إلى أن أن السعودية تمتلك 5.1% من حصة الشركة التي خسرت أكثر من 40% من قيمة أسهمها في الأشهر الثلاثة الماضية.

وكانت شركات عدة ساهم صندوق الثروة السيادي السعودي في الاستثمار فيها قد منيت بخسائر ضخمة.

فقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إن صندوقي Vision Funds التابعين لشركة SoftBank سجلا خسارة استثمارية تاريخية قدرها 3.5 تريليون ين (27 مليار دولار) للعام بأكمله.

وأوضحت الصحيفة أنه نتيجة لتلك الخسارة، تضررت أكبر ممتلكاتها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وحملة بكين على قطاع التكنولوجيا.

وأضافت الصحيفة أن هذه الخسائر أدت إلى دفع تكتل ماسايوشي سون ككل إلى أكبر خسارة فصلية صافية لها على الإطلاق بقيمة 2.1 تريليون ين. حيث أغلقت الأسهم في المجموعة منخفضة 8 في المائة يوم الخميس قبل النتائج، وهوت إلى أدنى مستوى لها فيما يقرب من شهرين.

 

– تقليص الاستثمارات المحلية:

وبالطبع ونتيجة لكل هذا السفه والفساد في التعامل مع أموال الشعب، كان من الطبيعي ألا ينظر القائمين على الصندوق لمتطلبات المملكة وشعبها، فقد أظهرت أخر إحصائيات حول أوضاع الاستثمار في السعودية انخفاض في حجم الاستثمارات الأجنبية مما يؤكد الفشل الذريع لسياسة “ابن سلمان” الاقتصادية، وعدم ثقة المستثمرين في خططه الوهمية.

وبدلاً من أن يقوم صندوق الاستثمارات الذي من المفترض أن يملكه الشعب بسد العجز المريع في الاستثمارات الأجنبية بزيادة الاستثمارات المحلية لدفع عجلة التنمية داخل المملكة، إذا بالمسؤولين في الصندوق يعلنون أنهم يتجهون نحو تقليص الاستثمارات التي يشارك فيها الصندوق محليًا.

فبحسب وكالة “بلومبرج” فإن الصندوق يجري محادثات غير رسمية مع البنوك الاستثمارية حول تقليص ممتلكاته في العديد من الشركات المدعومة من الدولة والتي تتداول في البورصة المحلية.

كما يدرس الصندوق خططاً لإدراج المزيد من الأصول المملوكة للدولة، وفق الوكالة، التي أوضحت أن النقاشات بدأت حول تسييل الحيازة التي تزيد قيمتها على 80 مليار دولار في “أرامكو” التي يمتلك الصندوق بها 4%.