خاص: يعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي ضمن أكبر خمسة صناديق سيادية في العالم؛ وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة، تأسس سنة 1971م، ويختص بتمويل المشاريع ذات القيمة الاستراتيجية للاقتصاد الوطني السعودي، أي أنه في الأساس وضع كمحاولة لتعظيم الأموال الفائضة من أجل الأجيال القادمة.

 

– تحول الصندوق لإرث شخصي:

وفي يوليو 2014، منح مجلس الوزراء صندوق الاستثمارات العامة السلطات اللازمة لتمويل شركات جديدة داخل وخارج المملكة، سواء بشكل مستقل أو بالتعاون مع القطاعات الخاصة والعامة، من دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من المجلس.

في مارس 2015، انتقلت مرجعية صندوق الاستثمارات العامة من وزارة المالية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة. وقد تلا ذلك تعيين مجلس إدارة جديد للصندوق برئاسة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ومن حينها أصبحت أموال الصندوق تصرف على هوى ولي العهد، وفي المشاريع التي يريدها “ابن سلمان”، حتى لو كان رأي الخبراء الاقتصاديين للصندوق مخالف لما يريده هو.

كذلك دعم نمو أصول صندوق الاستثمارات العامة، الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط على خلفية الحرب الأوكرانية، إذ تم نقل حصة 4% من شركة أرامكو إلى الصندوق.

وارتفع سعر سهم أرامكو بنحو 14.3% منذ إغلاق يوم تداول 13 فبراير الماضي، وحتى نهاية تعاملات اليوم، ما أضاف مئات مليارات الدولارات إلى القيمة السوقية للشركة التي باتت في المرتبة الثانية عالمياً من حيث القيمة السوقية خلف أبل التي بلغت 2.276 تريليون دولار.

ورغم كل تلك الأموال التي زاد بها رأس مال الصندوق، إلا أنها لم يكن لها أي أثر على المواطن السعودي وسط أزمة اقتصادية طاحنة وتضخم يطحن عظام السعوديين.

 

– فساد المسؤولين عنه:

لاحقت فضائح الفساد كبار المسئولين في صندوق الاستثمارات السعودي الذي يترأسه ولي العهد محمد بن سلمان ويستخدمه في تبديد ثروات المملكة ومقدراتها.

وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن تفاصيل صادمة ومروعة بشأن سجل محافظ صندوق الثروة السيادية السعودي ياسر الرميان المقرب من محمد بن سلمان.

وقالت الصحيفة إن وثائق داخلية سعودية سرية مرفوعة إلى محكمة كندية تظهر صلته بقضية حملة مكافحة الفساد الشائنة بـ2017.

وأظهرت الوثائق أن واحدة من 20 شركة استولى الرميان عليها كانت شركة طائرات مستأجرة استخدمت بمؤامرة السعودية لقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وعين بن سلمان المقرب منه الرميان رئيسًا لنادي نيوكاسل عدا عن رئاسة مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية.

وتوكد تقارير أن بن سلمان أهدر أكثر 3.5 مليار دولار من أموال الشعب السعودي، كاستثمار خارجي من دون فوائد مجدية.

ولم يترك بن سلمان، صندوقا أو شركة أو مالا إلا وأخضعه تحت سيادته؛ بشكل يعكس عقلية الحاكم المستبد.

غير أن هذه الاندماجات والخطط غير المدروسة تزيد من مخاطر فشل رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان لتنويع مصادر الدخل في المملكة.

وأعلن بن سلمان قبل ست سنوات عن رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع موارد الاقتصاد المعتمد تماماً على النفط

والآن توصف أحدث خطة اقتصادية كشف عنها بأنها عالية الطموح لكنها لا تخلو من مخاطر عالية.

وتقوم الخطة على تخفيض الأرباح التي تدفعها الشركات الكبرى للموازنة العامة للمملكة في مقابل توجيه تلك الشركات

وعلى رأسها عملاق النفط أرامكو وشركة سابك جزءاً من أرباحها نحو المساهمة في مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع في الداخل السعودي بغرض خلق مزيد من فرص العمل.

وفي هذا السياق يعتبر صندوق الاستثمارات العامة حجر الزاوية في تحقيق رؤية التنويع الاقتصادي التي تبناها ولي العهد، والمعروفة برؤية 2030

وبالتالي فإن الصندوق سيكون على الأرجح الوجهة التي تتولى الإشراف على تلك الخطة الاقتصادية الجديدة.

إذا كانت الميزانية – التي بلغ عجزها 12% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي- مضغوطة بسبب انخفاض مدفوعات أرباح الشركات السعودية،

فقد يكون صندوق الثروة السيادي البالغة قيمته حالياً 400 مليار دولار قادراً على تعويض هذا الركود، بعد أن ساهم ارتفاع أسعار النفط في إنعاشه مقارنة بالعام الماضي.

فقد كانت السعودية تمتلك عدداً من الصناديق السيادية، تم دمج أغلبها تحت إدارة صندوق الاستثمارات العامة الذي انخفض حجم الأصول التي يديرها العام الماضي إلى 320 مليار دولار

كان يحتل بها المركز الرابع خليجياً، والحادي عشر عالمياً، ويرأس مجلس إدارته ولي العهد.

وتم ضخ عائدات بيع جزء من أسهم شركة أرامكو من خلال الإدراج في البورصة السعودية أواخر العام الماضي في صندوق الاستثمارات العامة، الذي يتولى تمويل المشاريع الاستراتيجية في المملكة

إضافة إلى الاستثمارات المباشرة في الخارج، وعلى المستوى المحلي يتولى الصندوق إدارة المشاريع الثلاثة الرئيسية لرؤية 2030: مدينة نيوم بقيمة 500 مليار دولار، ومدينة الترفيه، ومشروع البحر الأحمر السياحي.

 

– يد لتبييض الصورة البشعة لولي العهد:

أبرز أنشطة “صندوق ابن سلمان” الخارجية، والحصص التي استحوذ عليها في عدد من الشركات الأوروبية والأمريكية، تظهر أن هدف الصندوق ليس الاستثمار من أجل زيادة رأس المال، ولكن الاستثمار في تبييض صورة “ابن سلمان” عالميًا، بعد فضيحة “خاشقجي” التي تورط فيها ولي العهد شخصيًا.

حيث قام الصندوق السعودي، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020، بالاستحواذ على حصص في نحو ٢٤ شركة أمريكية بقيمة ٨ مليارات دولار من بينها شركة بوينغ لصناعة الطائرات، ومجموعة الترفيه “والت ديزني”، وشركة الترفيه “لايف نيشن”، وشركة المقاهي “ستاربكس”، وشركة الضيافة “ماريوت” وشركة الخدمات المالية “سيتي غروب”، وشركة “فيسبوك”، وبنك أوف أمريكا، وشركة خط الرحلات البحرية “كرنفال” (وهي شركة أمريكية-بريطانية)، وشركة “سيسكو” المتخصصة في مجال الاتصالات والمعدات الشبكية، وشركة “برودكوم” المتخصصة ‏في أشباه الموصلات والاتصالات اللاسلكية.

وتبلغ قيمة حصص الصندوق في أسهم الشركات الأمريكية التي استحوذ عليها مؤخرا، ما قيمته 713.7 مليون دولار في “بوينغ”، و522 مليون دولار في “سيتي غروب”، و522 مليون دولار في “فيسبوك”، و495.8 في “ديزني”، و416.1 مليون دولار في “لايف نيشن”، و487.6 دولار في “بنك أوف أمريكا”، و513.9 مليون دولار في “ماريوت”، و456.9 مليون دولار في “كرنفال”، و77.6 مليون دولار في “ستاربكس”، و490.9 مليون دولار في “سيسكو”، و76.6 مليون دولار في “برودكوم”.

ومن أشهر الاستحواذات كذلك التي يسعى الصندوق السعودي لإتمامها، (بدعم من مجموعة تقودها سيدة الأعمال البريطانية أماندا ستيفلي)، هي صفقة الاستحواذ على 80 بالمئة من أسهم نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليون جنيه استرليني (372 مليون دولار).

كذلك دعم الصندوق لمسابقات الجولف، والتي لا تدر أرباح، كل ذلك من أجل فقط تلميع صورة “ابن سلمان” وتقديمه على أنه مصلح يهتم بالرياضة والفن وحقوق المرأة.

أيضًا بعد الكشف عن اللقاءات السرية للمسؤولين السعوديين مع الصهاينة، نُشر تقرير آخر حول العلاقات السرية بين الجانبين. حيث كشفت وسائل الإعلام الصهيونية في تقرير مؤخراً، عن الاستثمار باسم الحكومة السعودية في الاقتصاد الإسرائيلي.

وفقاً لهذا، تستثمر الرياض في الأراضي المحتلة من خلال صندوق جاريد كوشنر للاستثمار، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ ومن أصل 3 مليارات دولار أموال الصندوق، جاء 2 مليار دولار من صندوق الاستثمار السعودي، الذي يخضع مباشرةً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رغم عدم موافقة خبراء الصندوق على هذا الاستثمار.

وذکرت وسائل الإعلام أن هذه هي المرة الأولى التي يستثمر فيها صندوق الاستثمار السعودي بشكل مباشر في إسرائيل، لتعكس رغبة الرياض المتزايدة في التواصل بشكل علني مع تل أبيب، ولإظهار أن هذا يحدث على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية. لأن الخبراء يعتقدون أن هذا الاستثمار يشير بشكل أساسي إلى اتفاقية تطبيع بين الطرفين.

وحسب الصهاينة، فإن هذه القضية ستحسِّن العلاقات بين الرياض وتل أبيب، على الأقل في المجال الاقتصادي. ويقال إن هذه الخطة جزء من المحادثات الجارية بين كوشنر والمسؤولين السعوديين، وقد تم التوصل إلى اتفاق على أن السعودية يمكن أن تستثمر في إسرائيل.

ويعتقد الخبراء أن هذا الاستثمار سيسمح للسعودية بالاستثمار في الشركات الإسرائيلية، ويمكنها من الآن فصاعداً فتح اقتصادها أمام أنشطة الشركات الإسرائيلية.

بدلاً من الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، يسعى السعوديون إلى تحقيق مصالح الصهاينة لسنوات، وذلك بهدف تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع تل أبيب.