تقرير خاص:

تقبع المملكة العربية السعودية في ذيل قائمة الدول التي تعمل على حماية الصحفيين ضمن دول العالم كافة، فبحسب سجل مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” سنويًا، فقد احتلت السعودية على المرتبة 172 من أصل 180 دولة من مختلف أنحاء العالم للعام 2019.

وقد شهدت الحملات ضد الصحفيين في المملكة تصاعدًا وارتفاعًا في وتيرة عدد الصحفيين المعتقلين نتيجة لآرائهم، ففي آخر إحصائية موثقة سُجل احتجاز 26 في المملكة ما بين صحفي ومدون، ما يدلل على تخوف السلطات السعودية من الكلمة، ومحاولتها المستميته لإماتتها أو إسكاتها من خلال اعتقال من يقولها وإذلاله.

والغريب في الأمر؛ أن السلطات السعودية لم تكتف باعتقال الصحفيين الذين يعارضونها في الجانب السياسي كما هو الحال في معظم الدول القمعية، بل زاد الأمر في المملكة أن اعتقلت السلطات كل من يكتب كلمة ضد مسئول أو يكشف حادثة فساد؛ حتى ولو كان من المؤيدين للقصر الملكي، وكأن النظام السعودي لا يريد لأحد أن يتنفس سواء أكان معنا أم ضدنا، فلا تقول إلا ما نمنحك إياه لتقوله.

تقرير لجنة حماية الصحفيين:

تصدرت الصين وتركيا والسعودية ومصر وإيران قائمة البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم، وفق تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، نشر الشهر الجاري، وقالت اللجنة في تقريرها إن الحكام المستبدين مثل محمد بن سلمان، لم يظهروا أي دلائل على تخفيف القمع عن وسائل الإعلام التي تنتقدهم.

وأكد التقرير أن عدد الصحفيين السجناء في السعودية ازداد بثبات منذ عام 2011، كما استهدفت سلطات المملكة عدة صحفيين ممن توقفوا عن العمل على ما يبدو، وبحسب الأرقام، كانت السعودية تحتجز 26 صحفيًا على الأقل في عام 2019.

ولفت التقرير إلى أن المملكة لا تتبع الإجراءات القضائية السليمة؛ فلم توجه سلطاتها اتهامات في 18 حالة من حالات سجن الصحفيين، أما الصحفيون الذين مثلوا أمام المحكمة فقد صدرت ضدهم أحكام بشكل سري وغالبًا مستعجل.

وقال اللجنة إن تقارير طبية سربت لصحيفة ‘غارديان’ البريطانية في فصل الربيع احتوت أدلة على قيام السلطات بضرب السجناء السياسيين وتعذيبهم بالحرق وتجويعهم، بمن في ذلك أربعة صحفيين.

مراسلون بلا حدود:

جاء مؤشر حرية الصحافة التي تصدره المنظمة والذي تذيلته السعودية، كدليل حي مستقي من أدلة وروايات لصحافيين اعتقلوا، أو أهالي صحفيين لا يزالون معتقلون داخل السجون السعودية.

وأكدت “مراسلون بلا حدود” في مؤشرها السنوي أن الصحفيين الذين تم اعتقالهم تم إخفاء معظمهم لفترات طويلة، وأن هؤلاء “المختفين” احتُجزوا بشكل تعسفي من قبل السلطات.

وأشارت المنظمة إلى أنه بسبب السرية التامة التي تفرضها السلطات السعودية على هذه الحالات، ورفض بعض الأسر الحديث عنها خوفاً من الانتقام، فإنه لا يزال من الصعب جداً تحديد عدد المحتجزين بالضبط.

ورجحت المنظمة كذلك أن يكون هؤلاء المعتقلون قد خضعوا للاستجواب بشأن كتاباتهم سواء في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي (تويتر، سناب تشات، إلخ)، أو في مداخلاتهم التلفزيونية، حيث تلومهم السلطات السعودية على ما يعتبره عدم الولاء للسياسة السعودية الحالية.

ليس الصحفيين السعويين فقط!

ذكرت منظمة “مراسلون بلا حدود”، في بيان نُشر عبر موقعها على الإنترنت أن السعودية “احتجزت الصحفي اليمني مروان المريسي، والأردني عبد الرحمن فرحانة، بعد أن كان الأول في عداد المفقودين منذ حزيران/ يونيو 2018، والثاني منذ شباط/ فبراير 2019.

وأضافت المنظمة أن “عائلة الصحفي اليمني المريسي، حصلت أخيرًا على أخبار بشأن مصيره، إذ أكدت زوجته في تغريدة أنها تلقت منه مكالمة هاتفية دامت بضع دقائق، لتعلم للمرة الأولى منذ انقطاع أخباره أنه لا يزال على قيد الحياة”.

وتابع أن “أفرادا من عائلة الصحفي الأردني فرحانة، علموا أن السعودية أبلغت السفارة الأردنية بالإفراج قريباً عن الصحفي الستيني، دون تحديد موعد، وهو ما يُفسَّر على أنه اعتراف باحتجازه”. وحتى الآن لم توجه تهم لهم أو يعرف مصيرهم، وسط محاولات من أهاليهم للتواصل معهم بلا فائدة.

و”المريسي” ناشط يمني مقيم في السعودية ينشر محتوى مرتبطاً بالتنمية البشرية، ولا علاقة له بالسياسة، كما يقول مغرّدون أطلقوا وسماً “هاشتاغ” تحت تساؤل “اين_اختفى_مروان_المريسي؟”، بينما لم تتطرق وزارة الخارجية اليمنية وسفارتها لدى الرياض، والرئيس عبد ربه منصور هادي، مطلقاً لمسألة اختفاء المريسي، ولم يصدروا كذلك بياناً بهذا الشأن، حسب ما يقول مغردون يمنيون.

أما “فرحانة” فالمعلومات الأولى عن اعتقاله جاءت عبر رسالة وجهها قريبه الصحفي الأردني حلمي الأسمر إلى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، على صفحته على “فيسبوك”، وسط معطيات أن سبب اعتقاله تعاطفه مع القضية الفلسطينية.

ولا تزال حملات الاعتقال ضد الصحفيين والمدونيين مستمرة من أجل تكميم الأفواه، وكان آخرها حملات نوفمبر الماضي والتي شملت ضمن من اعتقلوا صحفيين ومدونيين، وتم الإفراج عنهم بعد أخذ تعهدات عليهم بعدم التحدث في الشأن العام!

ولكن يبقى الأغرب هو الصمت العالمي حول ما حدث مع أيقونة الصحافة العالمية “جمال خاشقجي”؛ والذي كان مقتله أكبر خرق في جدار الصمت الذي حاولت السلطات السعودية بناءه حول انتهاكاتها ضد الصحفيين والمدونيين، ولا يزال الغموض يكتنف مصير تلك القضية التي هزت الرأي العالمي كله، وسط تخاذل وتواطؤ عالمي لصالح السلطات السعودية.