تقرير خاص:

لم يكن بغريب أن تنتهي قصة كفاح رجل عاش من أجل الدفاع عن حقوق غيره بهذا الشكل النبيل، فقد جاء رحيل الأكاديمي السعودي، الدكتور “عبدالله الحامد” داخل محبسه بعد إصابته بجلطة دماغية كتتويج لرحلة كفاح استمرت سنين عديدة دفع فيها الراحل الكثير من حياته وراء القضبان بسبب الدفاع عما يؤمن به.

فحتى وهو مريض بلا حراك ينازع الموت قيدوه في سرير المستشفى التي رقد فيها حتى فاضت روحه، قيدوه خوفًا من كلمته التي طالما أرقت مضاجع الظالمين، ولكن لم تفلح أن تكبل القيود كلمة خرجت من روح أبت إلا أن تعيش حرة وتدافع عن حق الآخرين في الحرية والتمتع بها.

فقد أُعلنت يوم الجمعة الموافق 25 أبريل 2020، أول أيام شهر رمضان لسنة 1441 هـ، وفاة “نيلسون مانديلا السعودية”، كما أطلق عليه ناشطون حقوقيون سعوديون، الدكتور “عبدالله الحامد”؛ مؤسس حركة “حسم” بالمملكة العربية السعودية، فجر الجمعة عقب نقله للمستشفى بعد إصابته بجلطة دماغية منذ ما يقارب الأسبوعين، وتم دفنه في مقبرة “القصيعة” ببريدة، بعد ظهر الجمعة، بعد حرمان شقيقيه “عبدالرحمن الحامد”، و”عيسى الحامد” من الخروج المؤقت لحضور الجنازة والدفن!

وقد امتنعت السلطات السعودية خلال ذلك عن إجراء عملية القسطرة القلبية لـ”الحامد”، وظل طوال هذه الفترة في غيبوبة تامة، وماطلت في نقل “الحامد” إلى المستشفى عدة ساعات بعد دخوله في غيبوبة، رغم خطورة حالته.

وبعد أن قامت السلطات بنقل “الحامد” إلى المستشفى، تركته ملقىً على سرير من دون أن يتم تقديم أية خدمة طبية له، بل إنهم تركوا يده مكبلة إلى السرير!

وكذلك كشفت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان “آمنستي”، عن قيام السلطات السعودية بتهديد “الحامد”، بقطع كافة الاتصالات بعائلته في حال إذا أخبرهم عن تدهور حالته الصحية.

وقالت المنظمة في بيان لها إن “الحامد” يعاني “من ارتفاع ضغط الدم، وقد أخبره الطبيب، قبل ثلاثة أشهر، أنه بحاجة إلى لإجراء عملية جراحية في القلب في الأشهر المقبلة. وقد هددته سلطات السجن بأنه إذا أخبر عائلته عن حالته الصحية، فسوف تقطع اتصاله بعائلته”.

رحلة الصمود:

وُلد المفكر والناشط المعارض السعودي، عبد الله بن حامد بن علي الحامد (وكنيته أبو بلال)، في 12 يوليو 1950، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر، وأحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”، وأحد الإصلاحيين الثلاثة الذي اعتقلوا في مارس 2004، وحُكم عليه في 9 مارس 2013 بالسجن إحدى عشرة سنة في محاكمة حسم، واعتقل يومها.

بدأ الدراسة الابتدائية في قرية القصيعة، وفي محرم سنة 1378هـ يوليو (تموز) 1958م، ثم انتقلت الأسرة إلى بريدة وفيها أتم الدراسة الابتدائية في محرم سنة 1382هـ (1962مايو)، ثم درس المتوسطة والثانوية، في المعهد العلمي ببريدة، وتخرج منه سنة 1387هـ (1967م).

كان أول عمل حقوقي مدني له، هو إنشاء (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية) في ذي القعدة 1413هـ، أما أول كتاب أصدره فكان بعنوان “حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان”، والذي نُشر بعد إنشاء اللجنة باسم (حقوق الإنسان في الإسلام).

اعتقل للمرة الأولى في 26 ذي الحجة 1413هـ مع الدكتور محمد المسعري، ثم لحقهما بعد ذلك عشرون من أعضاء اللجنة الشرعية، ثم اعتقل للمرة الثانية في عام 1414هـ.

ثم جاء الاعتقال الثالث لعبارة ذكرها في كتابه “حقوق الإنسان”، قال فيها: “لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام”.

اعتقل للمرة الرابعة في 25 محرم 1424هـ مع بعضة عشر إصلاحيًا من دعاة (البيعة على الكتاب والسنة: قوامة الأمة: الدستور الإسلامي)، وشارك هو وعدد من الإصلاحيين في تشكيل تيار الدعوة إلى الإصلاح السياسي الدستوري.

كما كان أحد المؤسسين الستة لجمعية حقوق الإنسان الأولى السعودية سنة 1412هـ / 1992م، وحظرت السلطات نشاطها، كما طُرد أيضًا من الجامعة، ومُنع من السفر أكثر من خمس سنين.

اعتقل للمرة الخامسة في 8 مارس 2008 على خلفية موقفه المؤيد لعدد من نساء بريدة للاعتصام السلمي، وحكم عليه بالحبس مدة 6 أشهر وتم الإفراج عنه في 27 أغسطس من السنة نفسها مع شقيقه عيسى المحكوم بـ 4 أشهر على خلفية تلك القضية.

ثم جاء الاعتقال السادس والأخير في 9 مارس 2013، بعد أن أصدرت المحكمة الجزئية حكمها فيما عُرف بمحاكمة “حسم”، وأصدرت حكمًا ضده بسجنه خمس سنوات وإكمال ما بقي من الحكم السابق في قضية الإصلاحيين الثلاثة، ليكون المجموع أحد عشر سنة، وكذا منعه من السفر خمس سنوات أخرى، واعتقل يومها حتى توفي داخل محبسه.

ردود فعل مدوية على اغتياله:

فور انتشار خبر اغتيال “الحامد”، قامت المنظمة المانحة لـ”جائزة نوبل البديلة”، بنشر بيانًا تنعى فيه “الحامد”، الحاصل على جائزتها من محبسه، في نوفمبر 2018 لجهوده الحقوقية والإصلاحية الكبرى.

وأكدت المنظمة في بيانها أن كامل أعضائها يشعرون بالحزن والصدمة الشديدة لرحيل “الحامد” كما حملت المنظمة السلطات السعودية المسؤولية المباشرة عن وفاة “الحامد”؛ حيث حُرم من الرعاية الطبية أثناء سجنه.

كما أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا كذلك تعقيبًا على “اغتيال الحامد”، وصفته فيه بأنه كان مدافعًا باسلاً عن حقوق الإنسان في السعودية وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما دعت السلطات السعودية للإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشطين الحقوقيين المعتقلين تعسفيًا.

كما تناولت صحيفتي “نيويورك تايمز”، و”واشنطن بوست” الأمريكيتين، في مقالتين، قضية وفاة “الحامد” داخل سجن الحائر بسبب الإهمال الصحي المتعمد، في ظل ولاية عهد محمد بن سلمان، وبأن السلطات السعودية مسؤولة عن الموت البطيء له.

ووصف الناشط السعودي بالخارج “عبدالله العودة” في تغريدة عبر حسابه الرسمي بـ”تويتر”، “الحامد” بـ”نيلسون مانديلا السعودية”، نظرًا لطريق كفاحه الذي شبهه فيه بطريق المناضل الجنوب أفريقي “نيلسون مانديلا”.

وقال “العودة”: “عبدالله الحامد لو مات في أمة أخرى، لأصبح يومه يومًا أسودًا تنكّس فيه الأعلام، ويقيم فيه الشعب العزاء، ويتحول به مسار الشعب، لأنه ببساطة قضى نحبه مضحّيًا لأجلنا، ولأجل حقوقنا ولأجل مستقبلنا، وناضل إلى آخر رمق، أسأل الله أن يقدّس روحه في الصالحين، وأن يتقبله في عليين”.

من ناحيته؛ قال رئيس منظمة “القسط” لحقوق الإنسان السعودية، يحيى العسيري، في تغريدة له ينعي فيها “الحامد”: “رحم الله الفقيد.. المجرم المستبد ومرتزقته السفلة يهابون #عبدالله_الحامد حيًا وميتًا”، كما حملت منظمة “القسط” السلطات السعودية مسئولية وفاة الدكتور “الحامد”.

وكذلك نعى الأكاديمي السعودي المعارض بالخارج “أحمد بن راشد بن سعيد” الراحل بقوله: “لم ألتق بـ #عبدﷲ_الحامد سوى مرّة، أواسط التسعينيات، في مجلس ضم عددًا من الأكاديميين. كان مهيبًا ولم يتطرق حديثه إلى غير الإصلاح. أراد أبو بلال ما أراده مواطنون آخرون في المملكة: إدارة رشيدة للبلاد بعيدًا عن الاستبداد. كان مدهشًا في استعداده لدفع الثمن، وفي صبره على ذلك. رحمه ﷲ”.

وغردت شقيقة الناشطة المعتقلة “لجين الهذلول”، علياء الهذلول” تنعي الراحل بقولها: “أشعر بحزن كبير لوفاة #عبدالله_الحامد رحمه الله رحمة واسعة وربط على قلوب أهله ومحبيه، لم يقتل، لم يدعو للعنف، لم يرتكب أي جريمة، آمن أن بلدنا الغالي يستحق الأفضل”.

وأضافت “علياء”: “وفاته حزن، لكن سنة الحياة أن تستمر ويكبر معها الأمل والطموحات، ما زرعه في قلوب الشعب من وعي قد يمرض لكن لن يموت”.

وكتب الناشط “محمد الأحمري” ينعي “الحامد” بقوله: “توفي اليوم الإصلاحي الكبير المحرر الأديب الشاعر المفكر #عبدالله_الحامد_شهيدًا عن 70 عامًا، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، سيذكره الجميع شهيد الإحياء والتحرير من التخلف”.

وتابع بقوله: “عاش رجل الإصلاح الصابر يبعث الكرامة والسلام والأخوة والنصيحة للجميع، عاش في السجون محتقرًا لمن يجازي بها أفذاذ أمته”.

كما نعت خطيبة الصحفي السعودي الراحل “جمال خاشقجي”، خديجة جنكيز، الراحل بقولها: “سلم الى جمال يا أبو بلال عظم الله أجر مقربين الشهداء #عبدالله_الحامد”.