خاص: “السجن 5 سنوات، وغرامة 3 ملايين ريال، لكل ما ينتج عبر الإنترنت ويمس النظام العام”. المادة رقم 6 في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودية، والتي تتضمن كلمات فضفاضة كثيرًا ما تستغلها السلطات السعودية لقمع حرية التعبير والرأي في المملكة، فكم من معتقل أو معتقلة اعتقل بسبب تغريدة!!

وكان آخر أولئك المعتقلين بسبب كلماتهم، الشاب عبد الله جيلان، الذي كشفت منظمة “سند” الحقوقية عن اعتقاله بسبب ما كتبه عبر موقع التدوين المصغر “تويتر”.

كذلك لم يسلم من بطش السلطات السعودية غير السعوديين، فقد طال الاعتقال الملحن اللبناني الشهير، سمير صفير، بسبب تغريدة نشرها قبل اعتقاله بـ4 شهور، أكد فيها أنه حصل على لقاح “كورونا” في السعودية قبل أن يصل اللقاح لكثير من السعوديين، ما أثار ضجة دفعت وزارة الصحة السعودية لنشر بيان تؤكد فيه أن الملحن اللبناني مقيم بالمملكة.

ولا ننسى جميعًا قصة العامل الإغاثي والناشط صاحب القضية الأشهر، عبد الرحمن السدحان، والذي تسبب الكشف عنه في اكتشاف كيف تتجسس السعودية على موقع التدوين المصغر “تويتر”، وكشفت جواسيس المملكة داخل عالم التغريد، وتسبب في أزمة مع الولايات المتحدة.

“تويتر” والتضليل السعودي:

وفق آخر إحصائية لعدد المستخدمين لموقع التدوين المصغر “تويتر” في المملكة العربية السعودية، فإن أكثر من 10 ملايين مستخدم يستخدمون خدمات الموقع في المملكة، ما يجعلها من أكبر دول المنطقة في التعامل مع الموقع الأشهر عالميًا.

ورغم ما وفره “تويتر” للمستخدمين في المملكة من عالم رحب لتبادل الآراء بشكل حر، إلا أنه كان مرتعًا لما يعرف بالذباب الإلكتروني أيضًا، وهو مصطلح استُحدث لوصف الحسابات الآلية أو المُبرمَجة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عادة ما يكون الهدف منها هدفًا سياسيًا بحتاً، ويُستخدم مُصطلح لجنة إلكترونية أو اللجان الالكترونية لِذات المعنى؛ وهي اتحاد بين مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من المنظمات الإلكترونية تعمل على توجيه أو تغيير اتجاه الرأي العام إلى فكر معين سواء كان فكرا أو معتقدا منافيا للحقيقة أو معها.

ورصد معهد “ستانفورد” المختص في أبحاث الإنترنت، أكثر من مليوني تغريدة “كاذبة ومضللة” على موقع “تويتر” مرتبطة بالحكومة السعودية وموجهة ضد الحكومة القطرية، ولفت المعهد إلى أن غالبية التغريدات السعودية المضللة كانت مرتبطة بحوالي 33 حسابًا مزورًا، مشيرًا إلى أن عدد التغريدات وصل إلى 2.2 مليون.

وقال المعهد: “تم إنشاء هذه الحسابات لانتحال شخصيات سياسية قطرية بارزة، ولتقديم روايات حول السياسة القطرية مواتية جيوستراتيجيًا للسلطات السعودية”.

ووصف المعهد العملية السعودية على “تويتر” بأنها “وقحة”، وقال إن الحسابات الوهمية كانت تركز على نشر معلومات مضللة ضد قطر، مشيًرا إلى أن أحد الحسابات لديه أكثر من مليون متابع.

وعادة ما تتعامل إدارة “تويتر” مع تلك الحالات بشن حملات مضادة لغلق مئات بل آلاف الحسابات الذي ثبت أنها وهمية، مع تفعيل بعد اختبارات الأمان للتأكد من عدم وجود حسابات آلية مهمتها تغيير الرأي العام أو التأثير فيه اتجاه قضايا معينة.

“تويتر” والقمع السعودي:

كذلك يعد موقع التدوين المصغر “تويتر” ساحة وفرصة أمام السلطات السعودية لتصيد كل من يخالفها الرأي وقمعه من خلال اعتقاله أو تهديده لتأثير على رأيه، ومن أجل ذلك جندت موارد أمنية وإلكترونية وفيرة لمراقبة “تويتر” وباقي مواقع التواصل، للبحث عن كل من يخالف الخط العام للدولة واعتقاله.

ومن أجل ذلك لجأت السلطات السعودية للتجسس من داخل إدارة “تويتر” ذاتها، في محاولة للتعرف على حسابات المعارضين الذين فشلت في تحديدهم من الداخل.

ففي يونيو/حزيران 2014، قام رئيس المكتب الخاص لولي العهد السعودي، والأمين العام لمؤسسة “مسك” المملوكة لولي العهد “محمد بن سلمان”، بدر العساكر، بجولة في مقر “تويتر” بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ونُظمت هذه الجولة بشكل مشترك مع “أحمد المطيري”، والذي كان يدير شركة تسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعاقدت مع أفراد من العائلة المالكة السعودية ومؤسسة “مسك”، وموظف في “تويتر” يدعى “أحمد أبوعمو”.

ولاحقا، تم تجنيد “أبو عمو”، الذي عمل على شراكات إعلامية في الشرق الأوسط، للتجسس مباشرة لصالح “العساكر”، حيث حصل “أبو عمو” خلال عدة أشهر، على أكثر من 100 ألف دولار نقدًا، وهدايا أثناء جمعه للمعلومات عن المعارضين والصحفيين السعوديين وحسابات أخرى مهمة، بما في ذلك عناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف، والرسائل الخاصة.

وفي عام 2015، حصل “أبوعمو” على وظيفة جديدة في مؤسسة “أمازون”، لكن النظام السعودي وجد بديلاً جيدًا في “علي الزبارة”، وهو مهندس في “تويتر”، أتاح له منصبه ومهاراته التقنية الوصول بشكل أكبر إلى بيانات المستخدمين أكثر من “أبوعمو”.

وبعد فترة وجيزة، أصبح “الزبارة” جاسوسًا أكثر إنتاجية بالنسبة لـ”العساكر” والنظام السعودي؛ حيث يُزعم أنه كان يتعقب المعارضين السعوديين في الخارج، ويقدم عنوان بروتوكول الإنترنت الخاصة بهم، والتي يمكن أن تكشف عن مواقعهم.

في ديسمبر/كانون الأول 2015، زار أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” المقر الرئيسي لشركة “تويتر” في سان فرانسيسكو ليخبرهم أن لديهم مشكلة تجسس سعودي، وطلب “إف بي آي” من “تويتر” الامتناع عن اتخاذ إجراءات فورية، لكن، حسبما ورد، قرر “تويتر” الذي يشتبه في نوايا وكالات الأمن الحكومية، والتي يُعرف عنها الضغط على شركات التكنولوجيا للحصول على معلومات المستخدمين الخاصة، مواجهة “الزبارة” وتوقيفه عن العمل.

ووفقا للائحة الاتهام الفيدرالية ضد “الزبارة”، الذي تحول من مهندس إلى جاسوس، تم نقل الرجل إلى السعودية بمساعدة “العساكر” والقنصل العام السعودي في لوس أنجلوس، وبعد عودته للمملكة، تم تعيين “الزبارة” في منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة “مسك”! ولا يزال “الزبارة” على قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.

السيطرة على “تويتر”:

إذا لم تستطع التحكم في شيء فاشتره، تلك هي القاعدة التي ينفذها “ابن سلمان” وبجدارة بأموال الشعب السعودي، فكل ما لا يستطيع التحكم فيه يشتريه مهما غلا ثمنه!

فعلى مر السنين، اشترى المستثمرون السعوديون، وعلى رأسهم الأمير “الوليد بن طلال”، أشهر رجال الأعمال في المملكة، أسهمًا في شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل “تويتر”.

وبحلول عام 2015، امتلك الأمير ما يقدر بنحو 5.2% من أسهم “تويتر”، وهي حصة تزيد على ما يملكه مؤسس المنصة “جاك دورسي”، ليتم القبض عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وحبسه في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض كجزء من حملة تطهير واسعة النطاق “لمكافحة الفساد” أجبرت العديد من الأثرياء السعوديين وأفراد العائلة المالكة على التوقيع لـ”ابن سلمان” عن تنازل على ممتلكاتهم. قد يكون هذا شمل حصص “بن طلال” في أسهم “تويتر”.

ووفقًا لشكوى مدنية قدمها المعارض السعودي المقيم في كندا “عمر عبد العزيز” ضد “تويتر” وشركة الاستشارات الأمريكية “ماكينزي”، “منذ أواخر عام 2017 أو أوائل 2018، سيطر “ابن سلمان” على حصة في أسهم تويتر تزيد على ما يملكه مؤسس المنصة”.

وجاءت هذه الشكوى على خلفية إعداد “ماكينزي” تقريرًا عرفت فيه “عبد العزيز” بأنه واحد من أبرز 3 نشطاء يحتجون على انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.

ويقول “عبد العزيز” إن “ماكينزي” ساعدت في إبرازه كمعارض للنظام السعودي؛ ما أدى إلى اختراق حسابه على “تويتر”. (في العام الماضي، حذرت السلطات الكندية عبد العزيز من أنه قد يكون هدفًا لفريق قتل سعودي).

وتضيف دعوى “عبد العزيز”: “نظرًا للثروة الهائلة التي تملكها الشخصيات الرئيسية في السعودية، مكنت شركات التكنولوجيا الكبرى وتعاونت وغضت الطرف عن جهود المملكة في قمع وتعذيب وسجن وترهيب وقتل المعارضين داخل المملكة وحول العالم”.

وحتى هذه اللحظة لا يزال العديد من الناشطين السعوديين يعتقلون بسبب تغريدة أو كلمة لم ترق لمسؤول أمني ما، أو رأى آخر أنها تمس سياسات ولي العهد، فيسجن من كتبها ويعذب وتنتهك حقوقه وحقوق ذويه من أجل كلمة!