تقرير خاص

أثبت القرار الأخير للقضاء السعودي بشأن قضية قتل “خاشقجي”، التبعية المطلقة للنظام القضائي السعودي للسلطة التنفيذية، ممثلة في الملك وولي عهده والديوان الملكي بمستشاريه، وعدم حيادته أو نزاهته في التصدي للقضايا التي يتهم فيها أطراف معارضة للنظام القائم بالمملكة.

وأعلنت النيابة العامة السعودية، الإثنين، إغلاق قضية مقتل الصحفي والكاتب السعودي “جمال  خاشقجي”، بشقيها العام والخاص.

وجاء الإغلاق بالشق العام، وفقا لما أفادت به وكالة الأنباء السعودية “واس”، بعد صدور أحكام نهائية بالسجن لـ8 مدانين بالقضية، والخاص “بعد التنازل الشرعي لذوي القتيل”، في إشارة إلى إعلان أسرة الصحفي الراحل عن عفوها عن القتلة وتنازلها عن المطالبة بالقصاص منهم، بعد تقارير عن تعرضهم لضغوط.

وقالت النيابة إنها أصدرت عقوبات بالسجن 20 عامًا على 5 متهمين، وعقوبات بالسجن بين 7 و10 سنوات على 3 متهمين.

وكانت منظمة “العفو الدولية” (آمنستي) قد رصدت في تقرير صدر في أوائل 2020، كيفية استخدام السلطات السعودية للمحكمة الجزائية المتخصصة –برغم كل خطابها الإصلاحي– كسلاح للإسكات الممنهج لأصوات المعارضة.

كما وثّق التقرير ما سماه الأثر المفزع للمحاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والكتّاب، والخبراء الاقتصاديين، والصحفيين، ورجال الدين، ودعاة الإصلاح، والنشطاء السياسيين، وبعض هؤلاء من الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية.

وقالت المديرة الإقليمية للمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، هبة مرايف، إن الحكومة السعودية تستغل المحكمة الجزائية المتخصصة “لإضفاء هالة خاطئة من المشروعية على إساءة استخدامها نظام جرائم الإرهاب لإسكات صوت معارضيها”.

كما دعت المنظمة في ختام تقريرها إلى الإفراج عن جميع سجناء الرأي، وضمان إلغاء أحكامهم، وإعلان وقف رسمي لجميع عمليات الإعدام.

1– مرسوم 2013 وحل المجلس الأعلى للقضاء:

كان عام 2013 عام فاصل في تأكيد الممارسات التي تؤكد تبعية السلطة القضائية السعودية للسلطة السياسية العليا وعدم استقلالها عنها، فقد صدر في يناير 2013 مرسوم ملكي ينص على إقالة جميع قضاة المحكمة العليا وتعيين قضاة جدد، فضلاً عن حل المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تأسيسه.

وأسس ذلك المرسوم نهج تبعي للقضاء السعودي، وقضى على أي استقلالية -حتى وإن كانت على الورق وقتها- له أمام توغل السلطة التنفيذية، كما أنه اعتبر مخالفة صريحة لأولى المبادئ الأساسية التي اعتمدتها الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية.

والتي تضمنت أن “تضمن الدولة استقلال السلطة القضائية وتكرِّس ذلك في دستور البلد أو في قانونه. ومن واجب جميع الحكومات والمؤسسات الأخرى احترام استقلال السلطة القضائية والتقيد بذلك في ممارستها لمهامها وأعمالها”، بحسب ما أورته منظمة “أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان” في تقرير لها حول القضاء السعودي.

2- قانون الإرهاب:

رغم كثرة التوصيات الحقوقية التي طالبت السلطات السعودية إيجاد قانون جنائي مدون يطابق المعايير الدولية، فما كان من السلطات السعودية إلا أن قامت في 2014 بإصدار “قانون مكافحة الإرهاب”، وهو قانون اشتمل على بنود مخالفة لأساسيات حقوق الإنسان الدولية.

وكذلك يشتمل على بنود غامضة أتاحت قمع حرية التعبير والتجمع السلمي بالمملكة، وسمح بموجبه بإلقاء القبض التعسفي، واعتقال دون تهمة محددة  للعديد من النشطاء والمطالبين بالإصلاح ومحاكمتهم في محاكم جزائية متخصصة  تخضع مباشرة لسلطة وزير الداخلية وبشكل سري، وبتهم فضفاضة وتحكم بالسجن لفترات طويلة وبعقوبات قاسية وتعسفية وبذلك تحرمهم من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة.

وفي النهاية ظن “ابن سلمان” أن غلق قضية “خاشقجي” سيمهد له الطريق لاعتلاء عرش المملكة، ولكنه لا يدري أن قضية “خاشقجي” حفرة وقع فيها ولن يستطيع الخروج منها، فالقرار الأخير سلط الضوء على سوءات القضاء السعودي، وفشله في إصدار أحكام ترقى للقبول الدولي، وترضي الأطراف الدولية على مآلات الأوضاع في السعودية، مما يهدد مخططه للسيطرة على مقاليد الحكم في المملكة.