خاص: حاول ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، إبهار العالم عبر استضافة فعاليات ضخمة يقوم فيها المسؤولون والخبراء والمحللون ورجال الدين بوضع حلول متطورة للمشاكل العالمية في وقت التنافس الجيوسياسي والمناورات من أجل نظام عالمي جديد، وذلك خلال فعاليات قمة العشرين بالرياض.

ولكن كالعادة تأتي الرياح بما لا يشاء “ابن سلمان”، فرغم التجهيزات الجبارة التي استعدت بها المملكة لاستقبال ذلك الحدث بفعالياته المختلفة، إلا أن الواقع أراد لخطة “ابن سلمان” لتلميع نفسه عبر تلك القمة شيئًا آخر.

جائحة كورونا:

جاءت جائحة كورونا لتنهي آمال “ابن سلمان” قبل أن تبدأ، فالآن من المفترض أن تكون جل فعاليات القمة عبر الفضاء الافتراضي، فبدلاً من الاستقبال اللامع والضيافة السخية التي كان من المتوقع أن يكون لها صدى واسع عالميًا على ضيوف المملكة، أصبح الأمر مجرد كاميرات وأزرار!

فمثلاً، كانت الرياض تأمل في أن تؤدي القمة رفيعة المستوى حول الأديان، في أكتوبر/تشرين الأول، وهي الأولى على الأراضي السعودية، إلى تصدير صورة جديدة عنها كدولة تتبنى مبادئ التسامح والتعددية وحرية الدين، لكن يجب أن تُعقد القمة الآن عبر الإنترنت، بالرغم من أن هناك فرصة لعقد اجتماع يضم عددًا قليلاً من الشخصيات الدينية غير الإسلامية البارزة في السعودية نفسها.

ملف قضية “خاشقجي”

سيظل هذا الملف مفتوحا ليؤرق “ابن سلمان” حتى في نومه، ومهما فعل ليغلقه فلن يفلح في ذلك، لذلك أعلنت كل من بلديتي لندن، وباريس مقاطعتهما قمة عمداء المجتمع الحضري (U20) التي انطلقت، الأربعاء، بالسعودية، لتلحقا ببلدية نيويورك التي كانت قد أعلنت في وقت سابق، مقاطعتها للقمة.

وذكر موقع “ميدل إيست أونلاين” البريطاني، أن رئيس البلدية، صديق خان، سيتجنب حضور القمة حتى لا يظهر ذلك على أنه “دعم للحكومة السعودية”، وستكتفي البلدية بإرسال مراقب.

من جانبها، أعلنت بلدية باريس أنّ رئيستها “آن هيدالغو” ستقاطع (U20) التي تنظمّها الرياض عبر تقنية الفيديو، وذلك تعبيراً عن دعمها الناشطة السعودية “لجين الهذلول “الموقوفة في السعودية.

وقال مصدر قريب من “هيدالغو” لوكالة الأنباء الفرنسية، إنّها “أخطرت المنظمين بعدم مشاركتها” في هذه القمة الافتراضية التي بدأت الأربعاء وتستمر لـ3 أيام.

يشار إلى أن رئيس بلدية نيويورك “بيل دي بلاسيو” أبلغ بدوره عن عدم انضمامه إلى القمة الافتراضية.

وقال “دي بلاسيو”: “لا يمكننا قيادة العالم بدون رفع صوتنا في انتقاد الظلم.. أنا أحض زملائي في مدن عالمية أخرى على الانضمام إليّ في الانسحاب من قمة (U20) هذا العام”.

ملف الانتهاكات الحقوقية والاعتقالات:

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لباتريك وينتور قال فيه إن القادة السعوديين، يتعرضون لضغوط بشأن مصير المعتقلين، متسائلة عن موقف قادة الدول المشاركة في قمة العشرين المزمع عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر بالعاصمة السعودية الرياض.

وقال التقرير إن الدعوات تتزايد لمقاطعة القمة، خاصة أنه لم يفرج إلا عن 5 من 68 شخصا اعتقلوا في حملة التطهير التي قام بها محمد بن سلمان عام 2017، وهو ما يمثل تحديا للقادة الغربيين المشاركين في القمة.

وفي هذا الصدد قالت منظمة حقوق الإنسان “غرانت ليبرتي”، قبل شهرين من عقد القمة إن 63 من الذين اعتقلوا لا يزالون في السجن منهم 15 معتقلا في سجن الحائر سيء السمعة، ولم يفرج إلا عن ثلاثة بشكل كامل واثنين بشكل مؤقت.

وكانت حملة اعتقال المثقفين ورجال الدعوة والصحافيين والأكاديميين منفصلة عن حملة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال التي شنها ولي العهد السعودي في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 حيث احتجزهم في فندق ريتز كارلتون في ما أطلق عليها حملة مكافحة الفساد.

واعتقلت السعودية 14 ناشطة نسوية في أيار/مايو 2018 قبل شهر من السماح للمرأة بقيادة السيارة. ومن أشهر السجينات كانت لجين الهذلول والتي تعرضت للتعذيب بحضور واحد من أكبر مستشاري ولي العهد في الديوان الملكي.

وقبل القمة بشهرين أعلن عن حملة دولية تهدف لإحراج ولي العهد السعودي والضغط على الديمقراطيات الليبرالية ومطالبتها بوضع شروط على حضورهم الشخصي أو الافتراضي للقمة.

وقالت “غرانت ليبرتي” وهي منظمة حقوقية جديدة متخصصة بالحريات المدنية في السعودية إن 63 من 68 شخصا اعتقلوا في أيلول/سبتمبر 2017 تم اعتقالهم بشكل تعسفي واعتقلوا لمدة 180 يوما بدون توضيح سبب اعتقالهم.

وقال التقرير: “هناك سبعة منهم يمكن وصفهم بالمختفين قسريا، حيث تم اعتقالهم بدون إخبار عائلاتهم أو مساعدة قانونية أو تحديد مكان الاعتقال، ويعتقد أن خمسة منهم تعرضوا للتعذيب وتم حرمان أربعة منهم من العناية الطبية العاجلة، فيما منع 13 منهم من التواصل مع عائلاتهم منذ اعتقالهم”.

كل تلك الأسباب مجتمعة وغيرها، دفعت السعودية بشكل غير رسمي إلى أن تطلب من إيطاليا تأجيل قمة مجموعة العشرين حتى ديسمبر/كانون الأول القادم، فـ”ابن سلمان” يحاول إنقاذ الحدث الذي سيسمح باستضافة أهم القادة السياسيين في العالم، كما يوفر فرصة لإعادة إصلاح سمعة المملكة، وهو بالتأكيد ما يريده “ابن سلمان” ليسهل له اعتلاء عرش السعودية، ولكن هذا الطلب قوبل بالرفض ولا تزال القمة في موعدها، ولكن هل ستفلح تلك القمة في تحقيق أهداف “ابن سلمان”؟! يبدو أن الإجابة على ذلك السؤال صارت الآن أكثر تعقيدًا!