تقرير خاص

يأتي الإعلان عن وصول مجموعة من الجنود السعوديين إلى ريف دير الزور شرقي سوريا، بمثابة إعلان رسمي بتدخل السعودية عسكريًا على الأرض في سوريا.

فبعد أكثر من 8 سنوات و8 شهور على اندلاع الثورة السورية جاء التدخل السعودي العسكري، وسط تذبذب للقرار السعودي الرسمي بين تأييد واسع للثورة والجيش السوري الحر في البداية، وبين التخلي عن فكرة الثورة ودعمها والوصول للوقوف بجانب نظام الأسد، ومحاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة معه منذ بداية الثورة.

وكلمة السر في ذلك التحول المفاجئ للنظرة الرسمية السعودية للثورة السورية هي تولية “ابن سلمان” ولاية العهد، فبمجيئه ناهض فكرة الثورات العربية والربيع العربي، وعمل على إسقاطها وإضعافها بمساعدة رفيق دربه “ابن زايد”، لتتحول السعودية من داعم للثورة السورية والجيش الحر، إلى مناهض لفكرة الثورة وداعمة لبقاء نظام الأسد أو على الآقل ساكتة عن جرائمه.

ولكن الغريب هو نجاح النظام السعودي في اللعب على كل الأطراف، ففي الوقت الذي تخلى فيه النظام السعودي على موقفه المتشدد اتجاه نظام الأسد، ولم يعد مطلب رحيل الأسد مطلب أساسي، وسط أقاويل حول قرب عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، يأتي وصول تلك القوات السعودية  إلى حقل “العمر” النفطي الخاضع لسيطرة تنظيم “ي ب ك-بي كا كا” التابع للمليشيات الكردية، في ريف دير الزور، كمحاولة سعودية لكسب الدعم الأمريكي التي تعتبر من أهم المدافعين عن الميليشيات الكردية، مما قد يضر بعلاقات النظام السعودي مع كل من نظام الأسد من جهة، والثوار والجيش الحر من جهة أخرى، ولكن يبقى الرضا الأمريكي مطمع يسعى إليه النظام السعودي بقيادة “ابن سلمان”.

كلمة السر.. “أرامكو”:

وتنحصر مهمة تلك القوات السعودية بحقل “العمر” النفطي في دير الزور، والذين وصلوا إلى الحقل عبر طائرات هليكوبتر، لحماية خبراء سعوديين ومصريين وصلوا إلى الحقل قبل أسبوع، وتبين فيما بعد أنهم تابعون لشركة “أرامكو”، بحسب ما أوردته وكالة “الأناضول” التركية.

وذكرت الوكالة أن وصول الجنود السعوديين تزامن مع وصول نحو 30 شاحنة إلى الحقل تحمل أدوات تنقيب وحفر، دخلت الأراضي السورية من شمالي العراق، وتمركز الجنود السعوديين في المدينة السكنية التابعة لحقل العمر، والتي يقطنها جنود أمريكيون، وتنحصر مهمة الخبراء المصريين والسعوديين والذي يبلغ عددهم 15 خبيرًا،  لـ”تأهيل الحقل وزيادة إنتاجه من النفط وتدريب العاملين فيه”.

كما نقلت “الأناضول” عن مصادر محلية في دير الزور السورية قولها إن قوات أمريكية دخلت هي الآخرى من “معبر الوليد” الحدودي مع العراق، متجهة إلى حقول النفط الواقعة جنوبي محافظة الحسكة.

وتأتي تلك التعزيزات العسكرية الأمريكية والسعودية بعد تعهد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بعدم السماح لتنظيم “داعش” بالاستيلاء على حقول النفط شمالي سوريا.

لماذا الإنغراس السعودي في المستنقع السوري الآن؟!

تتعدد الأسباب التي تدفع النظام السعودي للانغراس في المستنقع السوري، والذي جاهدت دول كبرى في نزع قدميها منه، ولكن من أهم تلك الأسباب:

1- السعي لاستجلاب رضا أمريكا:

فكما قلنا من قبل أن النظام السعودي يسعى لنيل الرضا الأمريكي عنه؛ خصوصًا عقب قضية مقتل “خاشقجي” والتي تورط فيها النظام السعودي وتحديدًا “ابن سلمان”، فـ”ابن سلمان” يسعى الآن بكل قوته لاستجلاب رضا الرئيس الأمريكي “ترامب”، حتى يستطيع الأخير الوقوف بجانبه للمرور من تلك المعضلة التي وضع نفسه بها.

والولايات المتحدة تضع نصب عينيها النفط السوري، ولكنها لا تريد التورط أكثر من ذلك في الشأن السوري، إذًا فالحل في “أرامكو” السعودية، هي التي ستعمل على تطوير وإعادة أكبر حقول النفط السورية، ولكن هؤلاء الخبراء يحتاجون لحماية عسكرية، فلابد من وجود جنود، والجنود سيزداد عددهم مع مرور الوقت، لنجد أنفسنا وقد توزعت القوات السعودية بين المدن السورية.

2- وقف المد التركي في الشمال السوري:

فالعلاقات السعودية – التركية تشهد واحدة من أسوء الفترات التي مرت بها قبل، فبعد موقف الحكومة التركية من قضية مقتل “خاشقجي”، أصبح الأمر عداوة شخصية بين “ابن سلمان” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.

والمتتبع للتصريحات الرسمية السعودية بشأن عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا على طول الشريط الحدودي مع سوريا، في أكتوبر الماضي، يظن أن تركيا أعلنت الحرب على الرياض، أو أنها قصفت منشآتها النفطية مثل شركة أرامكو، أو قدمت أسلحة لجماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا في اليمن، الذي تحول إلى مستنقع غاصت فيه الإدارة السعودية.

فقد تحولت وسائل إعلامية مهمة داخل السعودية إلى ناطق رسمي باسم منظمة “بي كا كا” الإرهابية، وتحاول تشويه صورة العملية وأهدافها عبر استخدام أساليب الدعاية السوداء وتزييف الحقائق/ كما حدث مع قناة “العربية” وقصة السيدة الكردية التي مات ابنها على يديها.

بينما منذ 3 سنوات أكد وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير، إن مقاتلات جيش بلاده ستحارب إلى جوار تركيا ضد “داعش” الإرهابي في سوريا، وإن الرياض تدعم جهود أنقرة في هذا الإطار.

لذا جاءت القوات السعودية كمحاولة من السعودية لإيجاد موطئ قدم لها في الشمال السوري، ودعم للميليشيات الكردية التي تقف تركيا ضدها وتعمل على إسقاطها، وشنت أكثر من عملية عسكرية ضدها في محاولة لمنع تكوين دولة كردية في الشمال السوري.

ولكن هل سيستمر النظام السعودي في مواقفه السياسية المتناقضة تجاه الثورة السورية؟! وهل سيظل “ابن سلمان” يلعب على كل الأطراف داخل سوريا؟!ّ فهو يعد نظام الأسد بعودة العلاقات، ومازال على صلة بالجيش الحر – وإن كان الدعم قد وصل إلى حده الأدنى -، وكذلك يرسل بالقوات السعودية لدعم الميليشيات الكردية، أم أن سوريا سوف تكون المستنقع الجديد الذي سيُغرق فيه “ابن سلمان” السعودية، بعد اليمن؟!