خاص: بين نفي وإعلان، تمت زيارة لرئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، للسعودية. التقى فيها بولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، في منطقة “نيوم”، والتي كان مخططًا لها منذ التفكير في إنشائها أن تكون مسرحًا للتطبيع السياحي والتجاري مع الكيان الصهيوني، و3 دول في المنطقة من ضمنهم المملكة.
إذًا لا جديد؛ فالمسرح قد أعد منذ فترة، ولم يكن هناك سوى أن يخرج الممثلون كلٌّ لأداء دوره المرسوم له بدقة، “ابن سلمان” يحتفي بالزيارة في السر وينفيها بالعلن، و”نتنياهو” يضحك وهو يقتنص المكسب وراء الآخر من وراء تلك الزيارات الثمينة بالنسبة للكيان الصهيوني.
مخاوف مشتركة:
اعتبر الباحث في مؤسسة العلوم والسياسة ببرلين، غيل مورسيان، أن توقيت هذه الزيارة، أي مجيئها بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يشي بأنه أصبح من الواضح لكلا الجانبين الصهيوني والسعودي أن الرئيس الأمريكي المستقبلي جو بايدن لن يواصل المسار الذي اتخذه دونالد ترامب فيما يتعلق بإيران. وقد عملت إدارة ترامب على التقارب بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية، ومن المحتمل أن تخدم الزيارة هذا الغرض أيضاً، بحسب حواره مع موقع “دويتشه فيله” الألماني.
فالجانبان إذًا لديهما تخوفات من الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحديدًا فـ”ابن سلمان” يريد حماية “نتنياهو” مما قد يفعله “بايدن” معه، خصوصًا في ملفي قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، وانتهاكات حقوق الإنسان بالمملكة، لذا فهو يستخدم الورق المتاح أمامه للعب مع “بايدن”، حتى ولو كان هذا بأن يضع يده في يد ألد أعداء المملكة، وهو الكيان الصهيوني.
واستغل الطرفان خوف كل منهما من “إيران” لكي يجتمعا معًا لمواجهة ما ستمليه الإدارة الجديدة في موضوع إيران، وطريقة اللعب التي ستتم معه، فطريقة اللعب الخشنة التي تعامل بها “ترامب” مع إيران، يبدو أن “بايدن” وفريقه لا يحبذها وسيلجأ لطرق لعب هادئة ونظيفة، وهو ما لا يريده “نتنياهو” أو “ابن سلمان”.
العدو الواحد:
لا شك أن إيران كانت كلمة السر في إتمام تلك الزيارة، وحول ذلك يعتقد “مورسيان” أنه من المحتمل أن يكون موضوع المحادثة هو إيران، قائلاً: “لا أفترض أن الرئيس ترامب سيواصل شن حرب مفتوحة ضد إيران. وفي هذا السياق، من الممكن أن محادثات الزيارة كانت أيضاً حول تعامل إدارة ترامب مع إيران في الشهرين المتبقيين من ولايته”.
بينما أكد يوهانس بيكه، من كلية الدراسات اليهودية في جامعة هايدلبرغ، في حديثه هو الآخر لـ”دويتشه فيله”، أن التقارب العربي الصهيوني هو بلا شك نتاج للتوسع الإيراني: فبعد التدخلات الأمريكية الفاشلة و “الربيع العربي”، تسيطر إيران الآن على أربع عواصم عربية (بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء). وبالتالي، فإن “احتواء خطر إيران يصب في مصلحة العديد من دول الشرق الأوسط – وربما يساعد التقارب العربي الصهيوني هنا في منع نشوب حروب مستقبلية”، على حد زعمه.
مكاسب “نتيناهو” من الزيارة:
“نتيناهو” كان محاصرًا قبل زيارته للسعودية، بسيل من الاتهامات المالية بخصوص قضية صفقة الأسلحة الألمانية، فـ”نتنياهو” يعاني أزمة داخلية كبيرة داخل الائتلاف الحكومي مع شريكه بيني غانتس، الذي شكَّل لجنة تحقيق في صفقة شراء الغواصات من شركة ألمانية. وتدلّ الإشارات على إمكانية تورط نتنياهو في قضايا فساد فيها. لذلك، اعتبر هذه الخطوة بمثابة تخطّي الخطوط الحمراء من بيني غانتس، ولذلك أيضاً يحتاج إلى حرف انتباه الرأي العام الصهيوني باتجاهات أكثر تشويقاً، وهو ما نجح فيه من خلال تلك الزيارة.
كذلك يسعى “نتنياهو” إلى عقد صفقة مع ولي العهد السعودي الباحث عن الحماية من قبل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، والساعي إلى تحسين صورته أمام إدارة جو بايدن، مقابل منح ولي العهد السعودي موافقته التامة على الموقف الصهيوني من الموضوع الإيراني، الأمر الذي يخدم نتنياهو لإعادة تموضعه السياسي أمام إدارة بايدن، ليس كرئيس وزراء الكيان الصهيوني فقط، بل كقائد لمحور حلفاء أميركا في المنطقة، الأمر الّذي يعزّز مكانته السياسية في الداخل الإسرائيلي، وخصوصاً في حال تبنّي الرئيس المنتخب المطالب الإسرائيلية في حال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وأهمها أن يتضمن الاتفاق وضع حدّ لتعاظم قدرات محور المقاومة في المنطقة، وخصوصاً مشروع الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، إضافة إلى قضية التمركز الإيراني في سوريا.
مكاسب “ابن سلمان”:
حتى الآن لم يحصد “ابن سلمان” مكاسب حقيقة وواقعية جراء تلك الزيارة، وقد لا تظهر نتائجها في القريب العاجل، بينما حصد الاستهجان الشعبي، والاختلاف السياسي حول جدوى تلك الزيارة حتى في أوساط الدائرة الحاكمة في المملكة، بعد صدور تقارير تتحدث عن خلاف محتمل بين الملك وولي عهده بسبب عدم علمه بتلك الزيارة إلا من خلال وسائل الإعلام!
ولكن قد يتمكن “ابن سلمان” من إيجاد موطئ قدم في واشنطن بمساعدة الصهاينة بعد 20 يناير القادم، موعد تنصيب بايدن الرسمي، وسط تخوفات بادية على تحركاته السياسية في الآونة الأخيرة، سواء داخليًا -إعادة محاكمة الناشطات أمام محكمة الإرهاب-، أو خارجيًا بتلك الزيارة المثيرة للجدل.
فيبدو أن “ابن سلمان” يعاني حالة من التخبط وعدم الاتزان في سياساته، نتيجة للضغط الواقع عليه، لهذا استفاد “نتيناهو” من تلك الحالة لصالح مكاسب سياسية خاصة له، وللكيان الصهيوني بشكل عام.