تقرير خاص

شهد مشروع الحلم بالنسبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مشروع نيوم، العديد من العقبات والعثرات، كان أهمها التصرفات اللاإنسانية التي تمت بحق أهالي قبيلة “الحويطات”، والقبائل في المنطقة التي سوف يقام عليها المشروع.

وكان “ابن سلمان” يسعى في إطار رؤيته للمملكة 2030، إلى تحويل منطقة “ديار الحويطات” إلى مشروع عملاق تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار أمريكي، ويغطي مساحة 10 آلاف ميل مربع من الصحراء بهدف جذب “أعظم العقول وأفضل المواهب في العالم”، المعروف باسم مشروع “نيوم”.

ولكن بعد مقتل المواطن السعودي “عبد الرحيم الحويطي” على يد قوات الأمن، بعد مواجهات بينهما بسبب اعتداءات الأمن ومحاولة إخلاء عائلته قسرًا من بيتهم، دون أي اعتبارات لحقوقه الإنسانية الأساسية، وفي إهدار واضح للقانون السعودي قبل الدولي.

وعقب ذلك اندلعت مواجهات بين أبناء قبيلة الحويطات والسلطات السعودية انتهت باعتقالات بين صفوف أبناء القبيلة، ليقوم بعدها ناشطون من أبناء القبيلة بالخارج بتدشين حملة دولية لمخاطبة جهات رسمية دولية لفضح انتهاكات السلطات السعودية ضد قبيلة “الحويطات”، وللضغط على النظام السعودي لوقف تلك الانتهاكات ومنع التهجير القسري لأبناء القبيلة.

وبدلاً من أن يقوم “ابن سلمان” بوقف تلك الانتهاكات، ورد المظالم إلى أهلها، قام هو الآخر بتدشين حملة دعائية للترويج لمشروع “نيوم” عالميًا، وإبراز أهميته للمملكة خلال السنوات القادمة.

– حملة ضد المشروع:

في 17 يونيو الماضي، أطلق عدد من الناشطين وأبناء قبيلة الحويطات بالخارج، حملةً دولية تستهدف الرأي العام الغربي، وتنشد “العدالة لضحايا نيوم”، في إشارة إلى المشروع الضخم الذي يسعى ولي العهد السعودي إلى تنفيذه على أراضي القبيلة.

وأعلنت الناشطة السياسية والحقوقية السعودية، علياء الحويطي، عبر حسابها الموثق بـ”تويتر”، في 18 يونيو، مغردة بقولها: “بدء حملة العدالة لضحايا نيوم من أجل استنهاض المجتمع الغربي بوسائل إعلامه، ومؤسساته للوقف معنا بتعرية إجرام نيوم، ووقف الترحيل والتعريف بقضية عبدالرحيم الحويطي، يشاركني بها فريق محامين دوليين، و(منظمة) هيومن رايتس ووتش، ونطلب منكم التكاتف معنا لإظهار الحق”.

وفي بيان للحملة منشور باللغة الإنكليزية، قال: “هذا الصباح، أطلقت حملة لتحقيق العدالة لعدد من أفراد قبيلة الحويطي في السعودية، والذين إما خسروا حيواتهم، أو سجنوا جراء بناء مشروع نيوم”.

وأضاف البيان: “على عكس ما يظهر في الفيديو الترويجي للمشروع بالزعم أنه يقام على ‘أرض قاحلة‘، فإن قبيلة الحويطات تقيم على مناطق متنوعة منها منذ مئات الأعوام. أبناء الحويطات ليسوا ضد إعمار المدينة، لكنهم على الرغم من ذلك لديهم الحق والرغبة في أن يتم شمولهم بالعمران والاستفادة من استغلال أرضهم. للأسف، برغم الوعود العديدة، لم يتحقق لهم ذلك”.

وأوضح البيان أنه في حين توقفت أعمال البناء في المشروع على خلفية تدهور أسعار النفط وأزمة وباء فيروس كورونا، استمر طرد أبناء الحويطات من قبل السلطات السعودية “في مخالفة لعدد من المعايير المنصوص عليها دولياً”.

ومضى البيان مُذكراً بـ”القصة المأسوية لعبد الرحيم الحويطي، ومقتله على إثرها بسبب مقاومته الترحيل”، داعياً إلى تحقيق العدالة له ولأفراد عائلته الذين اعتقلوا وزج بهم في السجون حتى الآن لمحاولتهم العثور على بعض الإجابات بشأن جريمة قتله.

كما لفت البيان إلى أن الهيئات الاستشارية والتنفيذية لمدينة نيوم تتكون من أسماء معروفة وذات صيت محترم دولياً في عالم العمارة وتخطيط المدن والاستثمار والتنمية البيئية، مبرزاً أن أياً منها لم تلبِّ حتى الآن الدعوات إلى وقف مساهماتها في المشروع بسبب انتهاكه حقوق الإنسان.

وبيّن أن هذا هو السبب الكامن وراء انطلاق الحملة التي تسعى إلى نقل صوت “ضحايا نيوم”، أملاً في أن تُثار مخاوفهم “المشروعة” وأن يتوقف القتل والانتهاكات.

وشدد على أن “هذه حملة لجذب الانتباه لأزمة ضحايا نيوم، ولتكوين منظمة تمثلهم وتقاتل لحماية حقوق الإنسان الخاصة بهم”.

وكذلك أكدت الناشطة “علياء الحويطي” في ندوة بمناسبة إطلاق الحملة، على أن “حلم القبيلة (بتطوير منطقتها) تحول إلى كابوس. ولي العهد السعودي أخبر قبيلتنا أن عليها الانتقال من الأرض التي عشنا عليها منذ 800 عام من دون أن يوضح إلى أين ومن دون أي تعويض مالي. القبيلة لا يمكن أن تقبل بهذا الظلم”.

واستدركت: “هذا ما كان يقاتل لأجله عبد الرحيم الحويطي حين قُتل. وطوال نحو شهر بعد مقتله، ظل الأمن السعودي يتجول في المنطقة. ‘اختطف‘ طفلاً لا يتجاوز العاشرة من عمره لأنه كتب على الحائط شعار ‘لن نرحل من هنا‘. أشقاء وأعمام عبد الرحيم اختطفوا أيضاً وهم في السجن. آخرون قُبض عليهم لأنهم سألوا عن التعويض عن منازلهم. هذا لا يمكن أن يستمر. توقفوا عن البناء على دمائنا وعظامنا”.

من جانبها، ذكرت سارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية السابقة في هيومن رايتس ووتش، في البيان أن “الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد قبيلة الحويطات تعكس موقف الحكومة السعودية تجاه المواطنين السعوديين. وتؤكد ازدواجية السلطات السعودية حيث ترغب في بناء مدينة مستقبلية على الأراضي السعودية ولكن بلا سعوديين”.

“ابن سلمان” يروج للمشروع:

وعلى النقيض، وقع ولي العهد السعودي، ابن سلمان، عقدًا بقيمة 1.7 مليون دولار مع شركة “Ruder Finn” للعلاقات العامة، من أجل مساعدته بتلميع صورة مدينته الخيالية “نيوم”.

وذكر موقع “Foreign Lobby”، أن ذلك العقد جاء بعد مقتل “عبدالرحيم الحويطي” وتهجير أهالي قبيلة الحويطات، وهي الحادثة التي أثارت الكثير من الانتقادات الحقوقية الدولية ضد المشروع.

ويتضمن العقد تطوير “Ruder Finn” موقعًا على الإنترنت، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بـ”نيوم”، بالإضافة إلى حملات دعاية في وسائل الإعلام الدولية، ووسائل التواصل “تتعلق بالترويج لنيوم كمدينة المستقبل”.

وقد يتضمن عمل الشركة أيضًا، بحسب الموقع، محاولات “للتأثير على أفراد من الجمهور الأمريكي” والمسؤولين الحكوميين الأمريكيين فيما يتعلق بمشروع مدينة “نيوم”، والذي يخدم المصلحة السياسية للحكومة السعودية.

وتعتبر “Ruder Finn”، واحدة من أكبر شركات العلاقات العامة في العالم، ويسعى “ابن سلمان” من خلالها إلى المساعدة في تحسين صورة مشوهة لمشروع “نيوم” الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.

وبين حملة وآخرى، يدفع أبناء قبيلة “الحويطات” وحدهم ثمن تخاذل الجميع عن نصرتهم، والوقوف معهم في محنتهم، ونسي الجميع أو تناسى أن الدور سيأتي على الجميع، وأن الطغيان لن يرحم أحدًا، متناسيين المقولة الشهيرة: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.. فهل يؤكل الجميع يوم تؤكل الحويطات؟!