تقرير خاص

منذ أن اعتلى “محمد بن سلمان” عرش ولاية العهد في 2017، زاد عدد المعتقلين في المملكة بشكل مطرد، كما تغيرت فلسفة وطريقة تعامل النظام السعودي مع قضية المعتقلين ككل، فلم تعد خطوط حمراء للاعتقال، حيث طالت الاعتقالات المؤيد قبل المعارض، والنساء قبل الرجال، وحتى الأطفال والحوامل والعجائز لم يسلموا من بطش “ابن سلمان”.

كذلك لم تعد هناك خطوط حمراء في التعامل مع المعتقلين والمعتقلات، حيث ارتفعت وتيرة تعذيب المعتقلات، واستخدام طرق تعذيب بشعة بحق المعتقلين، فيما يعد تطورا وانتهاكا خطير في تعامل السلطات السعودية مع ملف “معتقلي الرأي”.

ولا يمكن أن يحدث هذا التطور الممنهج والبشع في التعامل مع تلك القضية، إلا بموافقة وأوامر مباشرة من القيادة السياسية في البلاد، والذي هو بالطبع الآن “ابن سلمان”، الذي لا يريد لأي صوت معارض له أن يخرج في الخارج قبل الداخل.

واستخدم “ابن سلمان” طرقا مبتكرة للتعذيب والقتل البطيء للمعتقلين، وذلك حتى لا تحدث ردة فعل دولية غير محسوبة على تصفيته للمعتقلين أو إصدار أحكام قضائية بإعدامهم مباشرة، فاستخدم “ابن سلمان” طرقا عدة من أجل الوصول لمبتغاه، ألا وهي تصفية معتقلي الرأي بطريق غير مباشر.

1- الإهمال الصحي:

فقائمة معتقلي الرأي الذين توفوا جراء إهمالهم طبيًا تطول، فنسبة كبيرة من معتقلي الرأي من فئة كبار السن، والذين يعانون أصلاً من أمراض مزمنة تتطلب متابعة طبية مستمرة، أضف لذلك قيام السلطات السعودية وبدون مبررات بمنع دخول الدواء للكثير منهم، فلك أن تتخيل ما يمكن أن تصل له حالة مريض كبير في السن، ملقى في زنزانة رطبة غير مؤهلة للسكن الآدمي، وماذا يمكن أن يحدث له جراء ذلك الإهمال الصحي والمعيشي.

فبداية من الشيخ “فهد القاضي”، مرورًا بالشيخ الداعية “صالح الضميري، ثم الداعية والعالم السعودي، الشيخ الدكتور أحمد العماري، الذي مات متأثرًا بإصابته بجلطة دماغية أصابته داخل محبسه، انتهاءً بشيخ الإصلاحيين الأكاديمي السعودي “عبد الله الحامد”، الذي توفي مؤخرًا بمحبسه.

ناهيك عن المعتقلين المعرضين في أي وقت للوفاة، بسبب تردي أحوالهم الصحية، ويأتي على رأسهم المفكر والداعية “سفر الحوالي”، حيث يعاني من جلطة دماغية وكسر في الحوض وفشل كلوي.

كما لفت مصدر مقرب للعائلة إلى أن “الحوالي” نُقل بإخلاء طبي إلى الرياض ولا يزال موجودًا فيها، في حين أن أبناءه نقلوا إلى سجن في مدينة جدة، كما انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن وفاته وهو ما تم نفيه ولكن التدهور الصحي له لا يزال مستمرًا وسط استمرار في اعتقاله وتعنت في الإفراج عنه.

وكذلك الشيخ “موسى القرني” مهدد بخطر التعرض للوفاة في أية لحظة بسبب الحال التي أوصلته إليها انتهاكات السلطات السعودية منذ اعتقاله تعسفيًا في فبراير 2007، والتي كان آخرها إدخاله مستشفى الأمراض العقلية”.

وكان “القرني” قد تعرض للإصابة بجلطة في الدماغ، تسببت بفقدان عقله، وذلك نتيجة الإهمال الصحي داخل السجن، وقد تهجّم عدة مرّات بشكل غير مبرّر على السجين الموجود معه بنفس الزنزانة، فتمّ نقله للعزل الانفرادي، وبعد تكرار تصرفه بشكل غريب تبيّن أن السبب هو جلطة دماغية، ومع الإهمال الطبي بالسجن تم نقله لمستشفى للأمراض العقلية.

وفي مارس 2019؛ أكدت مصادر حقوقية سعودية أنباء عن تدهور الحالة الصحية لداعية المعتقل “عوض القرني”، وأنه تم نقله لمستشفى السجن منتصف 2018 نتيجة للإهمال الطبي الذي تعرض له، والضغوط النفسية الكبيرة في السجن، لا سيّما بعد محاكمته ومطالبة النيابة العامة بإعدامه، وحتى الآن فحالته دون المتوسطة نتيجة للتأجيلات المستمرة في محاكمته بدون سبب.

والعديد من المعتقلين مهددون في أي لحظة للوفاة، بسبب الموت البطيء الذي تمارسه السلطات عليهم، وسط مطالبات دولية خافتة لحقوق هؤلاء المعتقلين، وانعدام الشفافية في التعامل معهم.

2- المنع من التواصل مع العالم الخارجي:

أكد الفقه الإسلامي على ضرورة إبقاء الصلة بين المحبوس والجهات الأخرى في المجتمع، وذلك لأن الأصل في الحبس في الإسلام هو تعويق السجين ومنعه من الخروج إلى أشغاله ومهماته فقط، وأن هذا الحبس لا يؤثر في استمرار علاقات السجين الداخلية والخارجية.

كما نصت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1955 بجنيف، في المادة رقم (37) منها، بأنه “يُسمح للسجين في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرته وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائه، على فترات منتظمة، بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء”.

وفقًا للقانون السعودي؛ يحق للسجين مراسلة ذويه وأقاربه وزملائه، وكذا استقبال رسائلهم ما بم يكن فيها إخلال بالأمن والنظام والقانون.

ولكن الواقع الملموس الآن، أن جل معتقلي الرأي ممنوعون من التواصل مع ذويهم، وسط مخاطر لانتشار فيروس “كورونا” بأرجاء المملكة المختلفة، وبالطبع داخل السجون الخطر الكير حيث لا ظروف معيشية إنسانية، ولا رعاية صحية في الأوضاع الطبيعية، فكيف به وسط أجواء جائحة عجز من في الخارج عن التعامل معها بشكل فعال.

حتى إن أصوات كثيرة تعالت بأن هناك مخططا لدى السلطات السعودية، لتصفية بعض المعتقلين البارزين، حيث ألمح الأكاديمي السعودي “عبدالله” نجل الداعية البارز المعتقل “سلمان العودة”، وجود خطورة على حياة أبيه في ظل انقطاع متواصل لعدة أسابيع لمكالمات أبيه التي كان يجريها من محبسه.

كما صرحت شقيقة الناشطة المعتقلة “لجين الهذلول”، علياء، بذلك قائلة في تغريدة لها: “لجين لم تتواصل من شهر ونصف.. هل بدؤوا تجهيزها للموت ثم تسليمها لتموت بين أيدينا ويتخلصون من مسؤولية قتلها كما فعلوا مع صالح الشيحي إذ سلموه لأهله ليموت بينهم؟”.

وأضافت: “خلال الأشهر الماضية تتواصل لجين بشكل متقطع بعد حرمان لفترات طويلة.. لم يسمح بالزيارة لأكثر من 4 أشهر”، متابعة: “اللهم ألطف بحالها”.

ولا زال “ابن سلمان” حتى الآن يمارس كل تلك الفظائع في حق معتقلي الرأي تحت غطاء دولي رسمي، وأصوات حقوقية تدوي على استحياء لحفظ ماء وجه الحكومات الغربية، التي تقدح في “ابن سلمان” علنًا، وتتعامل معه سرًا، مثل حال الحكومة البريطانية، التي فرضت عقوبات على 20 متهما سعوديا بقتل “خاشقجي” ليلاً، وأبرمت عقودا لتوريد السلاح للسعودية صباحًا.

ووسط تخاذل دولي، وقمع داخلي يقبع “معتقلي الرأي” في سجون داخل سجنهم، فلا هم يتواصلون مع عائلاتهم، ولا أطلقوا سراحهم ليعالجوا، وتركتهم السلطات فريسة للأمراض والأوبئة تنهش في أجسادهم بلا رحمة.