تقرير خاص

نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، نظام سلطوي قمعي منذ قيامه، ولكن رغم ذلك كان هذا النظام يقصر الاعتقال على معارضيه أو من يخرج من مؤيديه عن المسار المرسوم له، كما أنه يوجد لديه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، في محاولة منه للحفاظ على التوازن المطلوب بين الجهات المختلفة في المملكة.

ولكن مع قدوم الأمير المدلل “محمد بن سلمان” إلى كرسي ولاية العهد، تبدل الأحوال، وتباينت الخطوط الحمراء وتماهت، فلم يعد هناك حدود فاصلة لما هو مفروض ولما هو غير مقبول، وصار الاعتقال عقابا للكل بدون أي استثناءات، حيث طالت الاعتقالات العشوائية التي قام بها “ابن سلمان” منذ توليه ولاية العهد، جميع فئات وأطياف الشعب السعودي وطبقاته.

وقد أدت الاعتقالات العشوائية لحدوث صراع بين الفئة الحاكمة المحيطة بـ”ابن سلمان”، وكافة التيارات التي تعرض أفراد منها للاعتقال، مما أوجد حالة من عدم الاستقرار لم تشهدها المملكة منذ تأسيسها، وينذر بحدوث تقلبات سياسية غير معروف مداها على المدى القريب.

1- اعتقالات المعارضين:

بالطبع أول من طالتهم يد الاعتقالات هم المعارضين لسياسات الحكم، وتحديدًا السياسية الجديدة التي أوجدها “ابن سلمان” وفرضها على المجتمع السياسي في المملكة، ولم تستثني تلك الاعتقالات أي تيار سياسي أو اجتماعي.

فقد طالت الإسلاميين بكافة انتمائتهم، والليبراليين، كما شملت أكاديمين ورجال دين ودعاة وإعلاميين، وقفوا أمام الاتجاه التغريبي الذي يقوده “ابن سلمان”، أو شعر “ابن سلمان” أنهم قد يكونون عائقا أمام توجهاته التغريبية تلك، فسارع إلى اعتقالهم عقب توليه ولاية العهد بأسابيع قليلة.

ومنذ تم اعتقال هؤلاء ومورس عليهم شتى أنواع التعذيب، والإهانة، والتذليل، من أجل إرغامهم على القبول بالأمر الواقع، ولولا ما حدث من عملية اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، لكان الكثير منهم معلق على أعواد المشانق، بعد محاكمات ظالمة تفتقر إلى أدنى مقومات النزاهة والشفافية.

وحتى الآن، لا زال النظام السعودي القائم يمنع عن “معتقلي الرأي” الكثير من حقوقهم الإنسانية الأساسية، في إهدار لكافة القوانين والأعراف المحلية والدولية، وصار موضوع “معتقلي الرأي” صداع في رأس النظام، والذي فشل في التعامل معهم بالشكل المطلوب، نتيجة للضغط الدولي عليه بعد مقتل “خاشقجي”.

2- اعتقالات الموالين:

الشيء الذي يضاف لسجل إنجازات “ابن سلمان” – إن كان يجوز لنا إطلاق لفظ إنجازات على أفعاله -، هو أن تشمل الاعتقالات الموالين للنظام، والمدافعين عنه.

وكان آخرهم مدير مكتب “ابن سلمان” الخاص، بدر العساكر، حيث نقلت صحيفة “العربي الجديد”، التي تصدر من لندن، عن مصدرين بالمعارضة السعودية، أن  “العساكر” تعرض للاعتقال والإيقاف في الفترة الماضية.

وأضاف المصدران أن “العساكر” اعتقل برفقة عدد من أمراء الأسرة الحاكمة، دون توضيح من جانب السلطات عن سبب اعتقاله حتى الآن.

من جانبه، قام “العساكر” بنشر تغريدة عبر حسابه بـ”تويتر” للمرة الأولى منذ أكثر من شهر، تضمنت مقطع فيديو للمفكر المصري الدكتور “مصطفى محمود”.

وقالت المصادر إن “العساكر معتقل بلا شك، والتغريدة كتبت كرد على قيام المعارضة السعودية بإثارة الموضوع، وهو أمر سبق أن حدث مع الدكتور سلمان العودة، حينما قامت السلطات بإرسال رسائل نصية من جواله من دون علمه وهو معتقل”.

وأرجع أحد المصادر سببب الاعتقال إلى وجود “كراهية” شخصية بين “العساكر” الذي يرى نفسه منحدرًا من أسرة ثرية ومتعلمة وناجحة، وبين “سعود القحطاني” المستشار السابق في الديوان الملكي، وأن كليهما كان يتحين الفرصة لإسقاط الآخر، وجاءت أزمة “خاشقجي” لتبعد “القحطاني”، لكن “العساكر” تورط في قضية اختراق موقع “تويتر”، ما أدى إلى إبعاده نوعًا ما عن المشهد.

كذلك اعتقل “ابن سلمان” أبناء وزير الدولة واللواء السابق بوزارة الداخلية السعودية، سعد بن خالد الجابري، “عمر” (21 عامًا)، وشقيقته سارة (20 عامًا)، كما اعتقل عمه، شقيق “الجابري”، الذي يعمل أستاذًا جامعيًا بالهندسة الإلكترونية في جامعة الملك سعود، وهو في الستينات من عمره، واحتجزهم كرهائن في محاولة لإجبار المسؤول المرموق السابق على العودة إلى البلاد وتسليم نفسه.

وقام “ابن سلمان” بذلك لأن “الجابري” كنز استراتيجي للمملكة، وعلى اطلاع على كثير من الصفقات والملفات التي كانت تفتح في الغرف المغلقة، وإبقاؤه بعيدًا عن يده فيه مخاطرة كبيرة يخشاها “ابن سلمان”، فوضعه يشبه إلى حد كبير وضع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي اختار صاحب القرار السعودي اغتياله في قنصلية بلاده في إسطنبول على أن يكون حرًا طليقًا يتحدث للصحف ويكشف الصورة الحقيقية للنظام السعودي، وقائمة الموالين في السجون تطول ولا تنتهي.

3- اعتقالات الأمراء والأميرات:

حتى أفراد العائلة المالكة لم يسلموا من اعتقالات “ابن سلمان”، ورغم أنه ليس بجديد على “آل سعود” اعتقال أفراد منهم، ولكن ما ميز “ابن سلمان” هو تفرده بحجم الاعتقالات التي طالت العدد الكثير من الأمراء، كذلك طالت لأول مرة في تاريخ المملكة أميرات من الأسرة المالكة.

وكشفت صحيفة “آ بي سي” الإسبانية، فبراير الماضي، في تقريرا لها اعتقال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لابنة عمه الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز في فبراير 2019، بعدما كانت تنوي التوجه إلى سويسرا للعلاج، وأرفقته بشريط فيديو يرصد من نفذوا عملية اختطافها من منزلها.

وأكدت الصحيفة انذاك، أن الأميرة رهن الاعتقال منذ أكثر من سنة، في سجن الحاير خارج العاصمة الرياض، بأوامر من ابن عمها، محمد بن سلمان، ولي العهد.

ليقوم حساب الأميرة ذاته على “تويتر” بنشر رسالة استغاثة لها من داخل محبسها موجهة للملك “سلمان” تناشده التدخل للإفراج عنها وعن ابنتها، مؤكدة على تدهور حالتها الصحية، وهو مالم يجد رد من الديوان الملكي حتى الآن.

كما طالت الاعتقالات الأمير “سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن محمد آل سعود”، والذي اعتقل في يناير/ كانون الثاني 2018.

ففي ليلة الرابع من يناير/ كانون الثاني 2018، كل شيء تغير، وفي الوقت الذي لا تتضح فيه كل الحقائق، إلا أن أصدقاء الأمير “سلمان” يقولون إنه كان في منزله قرب الرياض عندما تم استدعاؤه إلى قصر الحكم بالرياض، وسرعان ما تحول النقاش إلى مشاجرة مع سعود القحطاني، الذي كان حينها مستشارًا بالديوان الملكي السعودي ومن المقربين لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يعفى من منصبه على خلفية قضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

أصدقاء مقربون للأمير “سلمان” قالوا إنه احتجز بعدها، وأخذ إلى سجن “حائر” مشدد الحراسة خارج الرياض، في حين أتى التعليق الرسمي الوحيد على لسان الادعاء العام بالمملكة بأن 11 أميرًا احتجزوا على خلفية تجمعهم في قصر ملكي؛ احتجاجًا على قطع الحكومة مخصصات سداد فواتير المياه والكهرباء عنهم!

وبعد يومين على احتجاز الأمير سلمان، احتجز والده، الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن محمد آل سعود، بعد لجوئه إلى محامين دوليين في قضية ابنه.

وبعد احتجازه لنحو عام في سجن “الحائر”، وبعدها في فيلا خاصة مع والده الأمير عبد العزيز بن سلمان، تم نقل الأمير إلى موقع احتجاز سري في  مارس/آذار، بحسب ما أكدت عدة مصادر.

وذكرت ثلاثة مصادر للوكالة أنه تمت إعادته بشكل غامض إلى الفيلا الأسبوع الماضي، وما زال من غير الواضح سبب نقله إلى الموقع السري. وبحسب المصادر فإن الاستخبارات السعودية تقوم بمراقبة مكالماته الهاتفية مع أسرته، ولكن عودته قد تكون بمثابة مؤشر أولي على نجاح الضغوط الدولية لإطلاق سراحه.

حتى شقيق الملك، الأمير “أحمد بن عبد العزيز”، وولي العهد السابق، الأمير “محمد بن نايف”، رغم ثقلهم النوعي داخل الأسرة المالكة، لم ترحمهم يد الاعتقالات.

فنشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مطلع مارس/آذار الماضي، عن تنفيذ السلطات السعودية حملة اعتقالات لأمراء من العائلة الحاكمة، على رأسهم الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، الشقيق الأصغر للملك “سلمان”، وابن أخيه “محمد بن نايف بن عبدالعزيز”، ولي العهد السابق، وآخرون.

وقالت الصحيفة إن أفرادًا من الحرس الملكي السعودي هم من تولوا عملية اعتقال الأمراء، بشكل درامي، قبل تفتيش منازلهم، وأن هواتف أبناء الأمراء، أغلقت، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وقطع اتصالاتهم بالخارج، مما شكل  مؤشرًا على وقوع شيء ما.

وأضافت الصحيفة أن “إقدام ولي العهد على اعتقال عمه أحمد، هو خرق فظيع لتقاليد العائلة الملكية، فالأمر لا يتعلق بأمير عادي، بل بابن المؤسس عبدالعزيز”.

ورجح مصدر عربي لصحيفة “القدس العربي”، أن تكون حملة الاعتقالات التي طالت كبار الأمراء في العائلة المالكة السعودية، “خطوة استباقية” مرتبطة بتدهور صحة الملك “سلمان بن عبدالعزيز”.

ولا يستبعد المصدر، إقدام ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، على هذه الاعتقالات “بحدوث تطور مقلق في صحة الملك سلمان”.

وأضاف: “العاهل السعودي، يعاني من الزهايمر المتقدم، ولا يسيطر على الأمور السياسية والأمنية في البلاد، التي تبقى في يد ابنه محمد الذي لا يتردد في إزاحة كل من يشك فيه”.

وبعد كل تلك الاعتقالات، هل ملك “ابن سلمان” زمام الأمور في المملكة؟! اجابة هذا السؤال نراها واقعًا في الحال المتردي الذي وصلت له المملكة الآن على كافة الأصعدة، والذي ينبئ بتطورات سياسية قاتمة وغير معلومة النتائج في المرحلة القريبة القادمة.