جاءت أزمة فيروس “كورونا” لتضيف على كاهل الاقتصاد السعودي المتردي من الأساس، مزيدًا من الأعباء والأثقال، فبين حرب ورط فيها ولي العهد “محمد بن سلمان” المملكة في اليمن، وخسارة اقتصادية كبيرة بعد مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده بإسطنبول، جاء فيروس “كورونا” ليطلق رصاصة الرحمة على الاقتصاد السعودي.
وقد جاءت تصريحات وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، والتي قال فيها إن المملكة سوف تتخذ “إجراءات صارمة قد تكون مؤلمة” لمواجهة التراجع الاقتصادي بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط، كإقرار حكومي ضمني بان مرحلة الانهيار في الاقتصاد السعودي قد بدأت ولا رجعة عنها.
تراجع التصنيف الدولي:
أعلنت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، تغيير النظرة المستقبلية لتصنيفات 3 مؤسسات سعودية كبيرة، من مستقرة إلى سلبية، والمؤسسات هي “أرامكو” و”سابك” و”الاتصالات”، حيث غيرت الوكالة نظرتها للشركات الـ3 إلى سلبية.
كما عدلت “موديز” نظرتها المستقبلية لتصنيفات الودائع لـ10 من بنوك السعودية، على المدى البعيد، من مستقرة إلى سلبية.
وأضافت أن تغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية، يأتي نتيجة تعديل نظرتها المستقبلية تجاه تصنيف المملكة ذاتها، مؤخرًا من “مستقرة” إلى “سلبية”.
وأرجعت الوكالة، الأسبوع الماضي، سبب ذلك التراجع إلى انهيار أسعار النفط زاد من المخاطر المالية على السعودية، لافتة إلى أن “النظرة المستقبلية السلبية تعكس تنامي المخاطر النزولية لقوة السعودية المالية نتيجة صدمة حادة على صعيد طلب النفط العالمي، وتغير الأسعار الذي أحدثته جائحة “كورونا”.
كما توقعت “موديز” على المدى المتوسط، ارتفاع دين الحكومة السعودية إلى حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي، وهبوط الإيرادات الحكومية بحوالي 33% في 2020، وبحوالي 25% في 2021 مقارنة بعام 2019.
القطاع الخاص والخفض القسري للمرتبات:
أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة منذ عدة أيام، تطبيق مادة جديدة من قانون العمل تقضي بخفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل لـ40% بسبب فيروس كورونا.
ووفقًا للمذكرة الإيضاحية مادة رقم 41 الجديدة، التي نشرتها الوزارة على موقعها الإلكتروني، إنها تهدف لتنظيم العلاقة التعاقدية بين العاملين وأصحاب العمل في مواجهة الظروف الاستثائية والقوة القاهرة، أوضحت الوزارة فيها أن هذه المادة جاءت مواكبة للأحداث التي تمر بها المملكة والعالم أجمع وما صاحبها من تدابير وقائية وإجراءات احترازية لمواجهة حدث استثنائي يوصف بالقوة القاهرة- في إشارة لفيروس كورونا.
وأتاحت المادة الجديدة أن يقرر صاحب العمل خفض أجر العامل خلال مدة 6 أشهر التالية لاتخاذ الإجراءات الخاصة بشأن الظرف الاستثنائي، بما يتناسب مع ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية الفعلية على ألا يزيد الخفض على 40%.
وبحسب الوزارة فإنه لا يجوز للعامل الاعتراض على تطبيق قرار خفض الراتب.
كما سمحت المادة لأصحاب الأعمال بإنهاء عقد العمل بالنسبة للعاملين بعد مدة 6 أشهر التالية لاتخاذ الإجراءات بعد تحقق 3 شروط أساسية، وهي:
1- مضي مدة 6 أشهر التالية للإجراءات المتخذة بشأن ظرف أو حالة يترتب عليها إجراءات احترازية أو وقائية وتستدعي تقليص ساعات العمل أو إيقافه، وفي المقابل استمر هذا الظرف أو الحالة.
2- استنفاد تطبيق كل الإجراءات المتعلقة بتخفيض الأجر والإجازة السنوية والإجازة الاستثنائية كلها أو بعضها.
3- ثبوت عدم انتفاع أصحاب العمل من أي إعانة من الدولة مهما كان نوع الإعانة المستفادة منها لمواجهة هذا الظرف أو الحالة.
وتمنح المادة الجديدة الحق لصاحب العمل في منح إجازة سنوية أو استثنائية للعامل في الوقت الذي يحدده هو. ومنحت المادة العامل الحق في الحصول على الأجر كاملاً خلال فترة الإجازة السنوية، كما اشترطت موافقته أولًا قبل حصوله على إجازة استثنائية من صاحب العمل.
إفلاس شركات كبرى:
وحتى الشركات الكبرى لم تسلم هى الآخرى من هذه الأزمة، فقد كشفت مصادر إعلامية عن أن شركة (صدارة للكيماويات)، وهي واحدة من أكبر الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية وإحدى المشاريع التابعة لــ”أرامكو” قد بدأت بالفعل في إبلاغ عشرات وربما المئات من العاملين فيها بإنهاء خدماتهم أو خفض رواتبهم، وذلك بسبب الخسائر المتراكمة والأوضاع الحالية لها.
وكذلك أكدت تلك المصادر على أنه تم تعميم قرار إداري من داخل شركة “نسما” السعودية القابضة ومقرها مدينة جدة الساحلية، وهي مجموعة شركات عملاقة تأسست عام 1979 وتعمل في عدد من القطاعات المختلفة، حيث تشير الوثيقة إلى خفض في الرواتب وإجبار عدد من الموظفين على إجازات بدون راتب لحين انتهاء أزمة “كورونا”.
وبحسب التعميم فإن الموظفين الذين سيستمرون في أعمالهم دون إجبارهم على الإجازة بدون راتب سوف يتم احتساب رواتبهم ومستحقاتهم المالية بناء على عدد ساعات العمل ولن يتقاضوا رواتبهم كاملة.
كما تشير الوثيقة إلى تخفيض ساعات العمل لكافة الموظفين في الشركة بواقع 50%، ما يعني أن الموظفين سيكونون أمام خيار إما “الإجازة بدون راتب” أو “نصف راتب”.
ونأتي إلى أكبر شركة ألبان في السعودية بل وفي العالم أجمع، اضطرت شركة “المراعي” السعودية إلى إبلاغ موظفيها بخفض الرواتب في ظل الظروف الراهنة، وذلك على الرغم من أن نشاطها لا علاقة له بالنفط ولا بالأزمة التي يعاني منها.
وشركة المراعي هي أضخم شركة ألبان في العالم حيث يعمل فيها أكثر من 34 ألف موظف، ويبدو أن الطلب على منتجاتها تراجع بصورة حادة بسبب تراجع التصدير إلى دول الجوار بسبب الإغلاق الكامل والقيود المفروضة على حركة الطيران والسفر.
وبحسب وثيقة مسربة فإن شركة المراعي تعتزم تسريح المئات من العاملين في مصانعها وربما يتوسع العدد في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية على حالها في السعودية!
ولا يزال مسلسل الانهيار مستمر، وبدلاً من أن تقدم الحكومة السعودية حلول مجتمعية للخروج من تلك الأزمة، إذا بها تعلن انفتاحها على الاقتراض لسد العجز المتوقع في الموازنة، ولتزيد الطين بلة، وسط ترقب مجتمعي لقرارات قد تؤدي لانفجار شعبي وشيك بدأت بوادره تلوح في الأفق.