خاص: الكل يتذكر صورة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وهو يعرض صور للأسلحة التي يمكن للسعودية الحصول عليها، وكأنها كتالوج في معرض للأجهزة الكهربائية! وبجواره يجلس ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو يبتسم ابتسامة بلهاء، توحي بأنه يعرف أن موعد “حَلْبه” قد جاء.

وها قد حانت الفرصة ثانية للولايات المتحدة لحلب “ابن سلمان” مرة ثانية، ولكن على الطريقة الديمقراطية، فالجمهوريون يهوون الحلب عن طريق الصفقات والمبادلات التجارية حتى ولو كانت على حساب المبادئ وتغطية المؤخرات، فالمصالح لديهم أهم من المبادئ.

أما الديمقراطيون فرغم أن المصالح تأتي عندهم في المقدمة أيضًا، إلا أنه في الظاهر يجب أن تكون الأمور مستقيمة ومنطقية وقانونية، لهذا اتخذوا الطريق القانوني لحلب أموال المملكة، فمن خلال قانون “جاستا”، وترسانة قوانين أخرى يُعد لها الآن، سيقوم الديمقراطيون بحلب “ابن سلمان” من أجل تغطية مؤخرته، رغم أنه لم يكن ضالعًا في ذلك الهجوم، مثل ضلوعه في مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، ولكنه في النهاية سيضطر للدفع.

– قانون “جاستا”:

قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، أو ما يعرف باسم قانون جاستا (JASTA)‏، وهو مشروع قانون معلق في كونغرس الولايات المتحدة يضيق المفهوم القانوني للحصانة السيادية عبر تعديل قانون حصانات السيادة الأجنبية وقانون مكافحة الإرهاب.

مشروع القانون مرر من قبل مجلس الشيوخ بلا أي معارضة في مايو 2016، وفي سبتمبر 2016 مرر كذلك بالإجماع من مجلس النواب. القانون لا يذكر هجمات 11 أيلول / سبتمبر أو المملكة العربية السعودية، إلا أنه سيسمح ضمنيًا بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل الضحايا وأسرهم.

أثار مشروع القانون توترات مع المملكة العربية السعودية. عندما قُدِّم، الحكومة السعودية هددت ببيع ما يصل إلى 750 مليار دولار في سندات الخزينة الأمريكية للأوراق المالية وغيرها من الأصول إذا تم تمرير مشروع القانون.

عدد من المحللين الاقتصاديين المستقلين، كما في “نيويورك تايمز”، قالوا إن المملكة العربية السعودية “من غير المرجح أن تنفذ مثل هذه التهديدات”، معتبرين أن مثل هذا البيع سيكون من الصعب تنفيذه، وفي نهاية المطاف سيشل اقتصاد المملكة، ولكنه لا زال قائمًا.

ولفهم طبيعة ضرر هذا القانون على المملكة، لابد من معرفة حجم الأموال السعودية في الولايات المتحدة، وإمكانية السيطرة عليها من خلال أمثال ذلك القانون “جاستا”.

– ضرر “جاستا” على الأموال السعودية:

يسمح هذا القانون لضحايا الهجمات بمقاضاة المسؤولين الأجانب أمام المحاكم الأمريكية بتهمة “دعم الإرهابط، وفي حال إثبات التهمة يمكن مطالبتهم بتعويضات قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

وبالطبع، تم التركيز على السعودية لأن معظم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول هم من مواطنيها؛ كما أن مئات الدعاوى المقامة والمجمدة منذ أكثر من عشر سنوات تطال سعوديين أو مؤسسات محسوبة على السعودية، ويبدو أن احتمال إعادة تحريك كل تلك الدعاوى في حالة تمرير ذلك القانون سيكون كبيرًا.

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ، هجرت أموال عربية خليجية تقدر بحوالي 200 مليار دولار الولايات المتحدة إلى أوروبا خوفًا من التبعات السلبية للهجمات عليها. وزاد من هذه المخاوف قيام عدد كبير من أقارب الضحايا بعد الهجمات برفع دعاوى تم تجميدها لاحقا ضد أفراد من العائلة المالكة السعودية ورجال أعمال ومصارف ومنظمات خيرية إسلامية تحصل على تمويل سعودي.

وتشير المعطيات المتوفرة، والتي رصدها تقرير لموقع “دويتشه فيله” الألماني الرسمي، إلى أن الأموال التي انتقلت إلى القارة العجوز مصدرها الإمارات وقطر والإمارات بالدرجة الأولى.

وأضاف التقرير الألماني أن الأموال التي تعود إلى السعودية لم تسجل هجرة بنفس الحجم لأسباب؛ أبرزها التحالف السياسي والعسكري الوثيق بين الرياض وواشنطن، وتذهب معظم التقديرات إلى أن قيمة السندات والأصول السعودية في الولايات المتحدة تزيد على 1000 مليار أو تريليون دولار في الوقت الحالي، وهو ما يفسر سر التخوفات السعودية من هذا القانون وغيره من القوانين التي يتم إعدادها داخل الكونجرس الأمريكي الآن، وكذلك يفسر سر إحجام الولايات المتحدة قبل “بايدن” على تمرير مثل تلك القوانين، في حالة تنفيذ المملكة لتهديدها وتجميد أو سحب تلك الأموال، والتي سيكون لها أكبر الضرر على اقتصاد الطرفين.

– محاولات قانونية جديدة بالكونجرس:

قام أعضاء بالكونجرس الأمريكي، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بتقديم مشروع قانون يطالب برفع السرية عن التحقيقات الفيدرالية في أحداث هجمات 11 سبتمبر يستهدف السعودية بشكل مباشر.

وقال أعضاء مجلس الشيوخ الذين قدموا المشروع إن التحقيقات الفيدرالية السرية تحتوي على وثائق تكشف علاقة السعودية بالهجمات التي راح ضحيتها أكثر من 3000 شخص، وفقًا لصحيفة “واشنطن تايمز”.

وذكرت الصحيفة أن عضوي مجلس الشيوخ “روبرت مينينديز” و”ريتشارد بلومنثال” (ديمقراطيان) قدما الخميس “قانون 11 سبتمبر للشفافية لعام 2021″، والذي يطلب مراجعة كاملة لرفع السرية عن تحقيقات 11 سبتمبر، حتى يتمكن الجمهور من الاطلاع على تفاصيلها.

كما وقع عضوا المجلس “جون كورنين” و”تشارلز إي جراسلي” (جمهوريان) على التشريع.

وقال “بلومنثال” وهو عضو بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي: “هناك أدلة متراكمة على الدور السعودي في هجمات 11 سبتمبر وما نشر قمة جبل الجليد وإخفائها خطيئة لا تغتفر”. حسب قوله.

وأضاف: “رفض رفع السرية عن وثائق هجمات 11 سبتمبر خطوة بلا ضمير ولا تفسير لها”.

وسيمنح القانون المقترح الحكومة الأمريكية مدة معينة للمراجعة وإبلاغ الكونجرس بوجود الوثائق بشأن هجمات 11 سبتمبر وإبلاغ الكونجرس بأسباب عدم رفع السرية عنها.

وفي النهاية، ستبقى الأموال السعودية رهينة لدى الولايات المتحدة، ومن الممكن ألا تمرر الولايات المتحدة تلك القوانين، ولكن ما المقابل الذي سيدفعه “ابن سلمان” مقابل تلك البادرة الأمريكية، بالتأكيد الذي سيتحمل تكلفة كل ذلك هو المواطن السعودي، الذي تحتجز الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات الخاصة بالشعب السعودي، بينما يتم إلغاء معونة غلاء المعيشة المقدمة له، لتفادي أثر جائحة “كورونا” على الاقتصاد السعودي!