خاص: جاء كشف صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن موافقة المملكة العربية السعودية على الاستمرار في زيادة الإنتاج الشهري من النفط الخام بعد الهجوم الساحر من قبل مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، والذي تضمن محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة، بحسب قول الصحيفة ليؤكد انتصار “بايدن” وإدارته على رغبات ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في فتح علاقات طبيعية مع الإدارة الأمريكية.

وأشارت الصحيفة البريطانية ذائعة الصيت إلى أن قرار السعودية، الزعيمة الفعلية لأوبك، جاء بعد أن عقد وفد أمريكي رفيع المستوى اجتماعات في المملكة هذا الأسبوع، حسبما قال مسؤولون اطلعوا على المحادثات، وأن هذه الخطوات تعكس تحولا في نهج واشنطن تجاه العلاقات مع المملكة، مع التركيز على الاقتصاد والطاقة وفقط.

وقالت الصحيفة إن جو بايدن دخل البيت الأبيض واعدًا بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع الرياض، حيث أدان المملكة العربية السعودية بشأن مقتل جمال خاشقجي وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى. كما أوضحت الإدارة أنه على عكس سلفه دونالد ترامب، فإن “بايدن” سيتعامل مع الملك “سلمان”، وليس ولي العهد محمد بن سلمان، نجل الملك المسن والزعيم اليومي للمملكة.

 

– مفاجأة لأسواق النفط العالمية:

قالت الصحيفة إن تحرك المملكة العربية السعودية وأعضاء آخرين في أوبك+ كان لزيادة المعروض من الخام العام المقبل بمقدار 400 ألف برميل يوميًا مفاجأة للمتداولين، الذين توقعوا أن تحاول المجموعة دعم الأسعار التي تراجعت بنسبة 20 في المائة تقريبًا في الأسبوع الماضي.

وأضافت الصحيفة أن اجتماع أوبك+ يوم الخميس، جاء بعد أسابيع من الضغط من البيت الأبيض، الذي دعا إلى مزيد من الإمدادات لتهدئة الأسعار التي تضاعفت حتى الأسبوع الماضي في 12 شهرًا وغذت المخاوف من ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة.

في حين، قال مستشارو النفط السعوديون إن ذلك ليس تحركًا سياسيًا لكنه مرتبط بشكل صارم بتقييمه لسوق النفط. ومع ذلك، فإن توقعات أوبك نفسها تتوقع أن العرض قد يطغى على الطلب في وقت مبكر من العام المقبل.

والقرار السعودي أتى في أعقاب زيارة قام بها هذا الأسبوع إلى المملكة وفد أمريكي بقيادة، داليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي للاقتصاد الدولي، ودون جريفز، نائب وزير التجارة، وعاموس هوشستين، كبير مستشاري وزارة الخارجية لأمن الطاقة العالمي.

ولفتت الصحيفة إلى أن الاجتماعات سارت “بشكل جيد للغاية”، وفقًا للمسؤولين الذين تم اطلاعهم على المحادثات، على الرغم من إصرارهم على عدم وجود مقايضة في الجهود المبذولة لتوطيد العلاقات وإعادة تأطير العلاقة الأمريكية السعودية حول الاقتصاد والطاقة.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعون على المناقشات إن “هوشستين” عقد اجتماعات مطولة مع الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي والأخ غير الشقيق للأمير “محمد”، قبل اجتماعات أوبك+، وقال أحد المسؤولين الأمريكيين المطلعين على المحادثات: “في بعض الأحيان تكون هذه العلاقات على وشك الظهور”، بينما قال محللون سعوديون إن الرياض أصيبت بالإحباط بسبب فتور “بايدن” تجاه ولي العهد.

من جهته، رحب البيت الأبيض بالخطوة السعودية لزيادة الإنتاج. وقال جين بساكي، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض: “إننا نقدر التنسيق الوثيق خلال الأسابيع الأخيرة مع شركائنا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومنتجي أوبك+ الآخرين للمساعدة في معالجة ضغوط الأسعار”.

 

– إعلان استسلام:

ورأى محللون اقتصاديون أن القرار السعودي ذلك هو بمثابة إعلان استسلام في معركة عض الأصابع التي بدأها “بايدن” ضد “ابن سلمان”.

ففور وضوخ التنافر في التصريحات بين الجانب السعودي والأمريكي بشأن قضية أسعار النفط، سارع “بايدن” بإصدار قرار تاريخي بالسماح باستخدام 50 مليون برميل من الاحتياطي الإستراتيجي النفطي، في محاولة منه لكبح جماح أسعار النفط، عبر التخفيف من الطلب الأميركي المرتفع على النفط الخام، وبالتزامن مع هذا القرار، طلب الرئيس الأميركي من الدول الأكثر استهلاكا للنفط أن تقوم بالخطوة عينها.

ويشير التقرير إلى أن المخزون النفطي الإستراتيجي في أميركا بلغ في 4 سبتمبر/أيلول 2021 نحو 621.3 مليون برميل، أي ما يعادل نحو 31 يوما من النفط بمستويات الاستهلاك اليومي لعام 2019 البالغة 20.54 مليون برميل يوميا، لكن الحد الأقصى لإجمالي قدرة السحب من الاحتياطي هو 4.4 مليون برميل يوميا، لذلك سيستغرق استخدام المخزون بالكامل نحو 145 يوما.

وفي تقرير آخر نشرته صحيفة “العربي الجديد”، تحت عنوان “أميركا تدرس حظر صادراتها النفطية: تجربة 40 عاما بدأت بالصراع العربي الإسرائيلي”، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، جاء أن قرار بايدن أتى بالتنسيق مع دول أخرى لمواجهة منظمة “أوبك” التي تتحكم بالإنتاج الدولي للنفط وبالتالي الأسعار.

ويشير التقرير إلى أن جبهة المخزون الإستراتيجي تضم أكبر الدول استيرادا للنفط في العالم، أي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا، إضافة إلى أميركا في مواجهة الدول المنتجة.

وتقوم الخطة على استخدام المتوافر من النفط محليا لخفض الاستيراد، الأمر الكفيل بتخفيض الطلب على النفط من الدول المنتجة، وتراجع الطلب مقابل غزارة المعروض يؤدي حتما إلى تراجع الأسعار.

 

بالتالي وبعد كل تلك المواجهات، يخرج “ابن سلمان” من آخرها كأولها خاسرا لجولة جديدة، فهنا لم يحدث تقارب بينه وبين “بايدن”، ولا استطاع الصمود أمام الضغوط الأمريكية واعترف بهزيمته في جولة أخرى من الصراعات الوهمية التي يصنعها ليخسر بها الصديق قبل العدو، والقريب قبل البعيد.