تقرير خاص

أثار بيان صادر عن الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، حذرت فيه من عدم وجود خطة وقائية من الحكومة السعودية للتعامل مع فيروس “كورونا” خلال مناسك العمرة، عدة تخوفات دولية حول وجود تلك الأعداد الضخمة من المعتمرين من معظم دول العالم، في نفس المكان وبتوقيت واحد.

خصوصًا بعد إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية عالميًا بسبب انتشار الفيروس في أكثر من 24 دولة حول العالم حتى الآن، فيما أكد رئيس المنظمة “تيدروس أدهانوم جيبريسوس” أن تفشي فيروس كورونا يمثل “تهديدًا خطيرًا للغاية لبقية العالم”، وذلك خلال مناشدة لتبادل عينات الفيروس وتسريع وتيرة الأبحاث في سبيل التوصل إلى عقاقير ولقاحات هذا الأسبوع.

لذا نادت العديد من الجهات الدولية إلى إيقاف السعودية لمناسك العمرة، وسط ترقب لموسم الحج الذي يتوافد فيه الملايين على المملكة لإداء فرائضه، وهل سيستمر الفيروس منتشرًا بلا علاج حتى وقتها أم لا؟!

– فشل سعودي:

ذكر بيان الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، أن السلطات السعودية لم تعلن حتى الآن عن أي خطة مفصلة بشأن ضمان حماية المعتمرين أو الحجاج من خطر الإصابة بالفيروس في ظل تدفق آلاف منهم من عدة دول بعضها تم تسجيل الإصابة بالفيروس فيها.

كما أشارت الهيئة إلى أن ذلك التقاعس من السلطات السعودية يفرض على الدول الإسلامية جمعاء إيجاد نوع من أنواع التعاون المشترك لوضع استراتيجية لحماية المعتمرين وضمان أداء الشعائر الدينية دون أي خطر على صحتهم بما يشمل المطارات ورحلات السفر من وإلى السعودية.

وشددت الهيئة على أن التجارب السابقة للسلطات السعودية لا تضمن الاعتماد عليها وحدها في ضمان سلامة المعتمرين وعدم انتشار القلق في صفوفهم، مضيفة أنه قد آن الأوان لإشراك المؤسسات والحكومات الاسلامية ذات الخبرة في إدارة الأماكن الدينية في إدارة جميع الأماكن الدينية في السعودية وذلك لضمان تطبيق أفضل معايير الأمن والسلامة.

– التجارب السابقة:

من جهتها؛ اقتصر تعامل السلطات السعودية مع انتشار الأوبئة عالميًا خلال مواسم الحج والعمرة على بعض الخطط الوقائية والهامشية؛ والتي لا تضمن انتشار الأوبئة بين المعتمرين أو الحجاج في أوقات ذروة تلك المواسم خلال أشهر رمضان وذي الحجة من كل عام هجري.

وباستعراض خطة وزارة الصحة السعودية للتعامل مع فيروس “انفلونزا الخنزير N1H1” والذي كان منتشر عالميًا خلال موسم الحج في عام 2018، وتم إعلان إصابة عدد من المواطنين السعوديين به، نجد أنها اعتمدت على بعض الإجراءات الوقائية التي لا تمنع تفشي المرض أو الوباء بين الحجاج والمعتمرين.

فقد اكتفت الوزارة بإصدار قائمة متطلبات وتوصيات صحية، وقامت بنشرها عبر بوابتها الإلكترونية، وتم توزيعها على جميع الدول التي يفد منها الحجاج بالتعاون مع وزارة الخارجية السعودية من خلال سفارات خادم الحرمين الشريفين والمكاتب الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، لكي تلتزم بها الدول!

وهنا يُطرح سؤال مهم؛ ماذا إذا لم تنفذ سلطات تلك الدول التي يفد منها الحجاج تلك التوصيات، وقامت بالتعامل باستخفاف مع الاشترطات السعودية؟! بالطبع الإجابة ستكون كارثة على أرض الحرمين.

وبالدخول أكثر في تفاصيل الخطة الوزارية السعودية للتعامل صحيًا مع موسم الحج في وقت ينتشر فيه وباء عالمي خطير، سنجد أنها اعتمدت على ثلاثة محاور رئيسية هي: الوقاية من ضربات الحرارة، والوقاية من الأمراض المعدية، وتوعية الحجاج بأهمية الالتزام بتعليمات وزارة الحج والعمرة الخاصة بخطط التفويج وتنظيمات الحشود لتفادي الإصابات والإجهاد الحراري؛ بحسب صحيفة “عكاظ” السعودية!

فقط هذه هي خطة الحكومة السعودية للتعامل مع وباء عالمي خطير كان منتشر وقتها وأصاب المواطنين السعوديين أنفسهم! خطة للتعامل مع “ضربات الحرراة”!

كما أن وزارة الصحة السعودية أعطت 480 ألف جرعة للقاح الإنفلونزا الموسمية ولقاح الحمى الشوكية فقط، لحجاج الداخل وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، في وقت يصل فيه أعداد الحجاج فقط دون أهل مكة والمدينة 2.4 مليون حاج، وحوالي مليون معتمر!

دعوات لإلغاء مواسم العمرة والحج لهذا العام:

ونتيجة لذلك التراخي السعودي في التعامل مع أزمة “فيروس كورنا” حتى الآن، نشطت عدة دعوات لإلغاء مواسم العمرة والحج لهذا العام، تفاديًا لأزمة كبرى قد تؤدي لانتشار الفيروس بشكل كبير على مستوى العالم عقب عودة المعتمرين والحجاج إلى بلادهم بعد أداء المناسك.

واعتمدت تلك الدعوات على فتاوى أكدت جواز إلغاء مواسم الحج والعمرة في حالة تفشي أحد الأوبئة عالميًا، استنادًا لقوله – صلى الله عليه وسلم – في حالة وقوع وباء أو طاعون بأرض ما: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ) رواه البخاري (5397) ومسلم (2219) .

وكذلك ما أفتى به الدكتور أحمد الريسوني – رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، سابقًا أثناء انتشار فيروس H1N1 والذي كان أضعف مما عليه انتشار “فيروس كورونا” الآن، حيث قال: إن مسألة إلغاء العمرة في رمضان أو موسم الحج المقبل بسبب ” إنفلونزا الخنازير ” : يرجع القرار فيها إلى الأطباء المسلمين المختصين .

وأضاف “الريسوني” أن ” منظمة المؤتمر الإسلامي “، أو ” مجمع الفقه الإسلامي الدولي ” مطالبان في هذه الحالة بتنظيم لقاء للأطباء المسلمين من عدد من الدول الإسلامية؛ ليتدارسوا الوضعية، ويقدروا الاحتمالات، ويصدروا توصياتهم، وبناء عليها يقرر الفقهاء في ” مجمع الفقه الإسلامي “، أو أي هيئة فقهية تشكَّل لهذا الغرض ما إذا كانت الضرورة تدعو لإلغاء الشعيرتين .

وفي النهاية أشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أنه إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء بواسطة تجمع الحج، والعمرة: فيتعين حينئذ على جميع الدول الإسلامية، وعلى المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجمعات، وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء .

وتظل حالة التخوف سائدة، لاسيما مع حالة التراخي التي تتفشى في وزارة الصحة السعودية ومتخذي القرار تجاه هذا المرض الفتاك؛ إذ ربما لو شهد الوضع الصحي في المملكة تحركًا إيجابيًا تجاه المرض، أو خطة واضحة للسيطرة عليه؛ لزالت الكثير من التخوفات والشكوك في قدرة الوزارة في السيطرة عليه واحتوائه، بل إن التجارب السابقة عززت هذه الشكوك ورسخت تلك المخاوف.