عندما نصّب محمد بن سلمان نفسه ولياً للعهد قبل عام ونصف تقريباً، تذرع برؤية إصلاحية قال إنه يريد أن يقدم من خلالها المملكة بوجه جديد، وعليه تهافتت صحف الغرب وأمريكا لتلمّع الأمير حديث السن والخبرة.

لمعان لم يدم طويلاً حتى أطفأته انتهاكات وحملات اعتقالات وتوسع عمليات في اليمن وصولاً إلى جريمة هزّت العالم بأسره، بعد قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول.

وبسرعة، تحوّل “الأمير الشاب الإصلاحي المحدث” إلى “قاتل مستبد”، بحسب وصف كثير من وسائل الإعلام الغربية، التي تضغط من أجل الإطاحة ببن سلمان بعد أصابع الاتهام التي تلتف حوله بشأن تورطه بالجريمة.

احذروه.. مصلح فاشل!
مجلة السياسة الخارجية الأمريكية “فورين بوليسي” ومقرها واشنطن، كانت واحدة من وسائل الإعلام التي علّقت أمالاً كبيرة على الرجل الذي رأت فيه مُصلحاً للمجتمع السعودي المُحافظ أصلاً.

ففي 2015، اختارت المجلة بن سلمان عندما كان ولياً لولي العهد وزيراً للدفاع، في قائمة القادة الأكثر تأثيراً في العالم، ضمن قائمتها السنوية لأهم 100 مفكِّر.

وقبل أن تغيّر رأيها، قالت المجلة إنه “لعب دوراً مؤثراً في المنطقة، وتمكَّن من إيقاف خصوم المنطقة والسعودية، وأثبت أن الرياض على استعداد للتضحية بالدم والوقوف ضد أي خطر يهددها، ويهدد منطقة الشرق الأوسط”.

لكن على ما يبدو أن تقديراتها كانت بعيدة كل البعد عمّا توقعته المجلة لمستقبل المملكة، إذ أنها انتقلت من دائرة المديح والثناء على ولي العهد إلى مهاجتمه ووصف إصلاحاته بالفاشلة.

وفي مواد صحفية كثيرة نشرتها بين يونيو 2017 ونوفمبر 2018، عدلت عن رأيها وانتقدت سياسات بن سلمان، خاصة دور السعودية في الحرب باليمن، وحصار قطر، فضلاً عن حملة اعتقالات “الريتز كارلتون” وقمع النشطاء، وقتل خاشقجي.

والأخيرة كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وحوّلت المجلة بشكل كامل من موقف التأييد لولي العهد السعودي وإصلاحاته إلى لعب دور المنتقد والمحذر من الخطورة التي يحملها بن سلمان.

وذكرت المجلة في 8 نوفمبر الجاري أن على واشنطن استغلال الفرصة التي أوجدتها قضية اغتيال خاشقجي، لزيادة الضغط على الرياض بهدف حملها على إجراء إصلاحات فعلية وليست شكلية.

وأشارت إلى “مقال خاشقجي الذي كتبه قبل عام وسلط الضوء فيه على اعتقال 72 مثقفاً، متسائلاً عما إذا كان بإمكان ذلك تقديم صورة مقنعة لمجتمع حديث، وفي نهاية المطاف ستؤدي إلى تقويض إصلاحات بن سلمان، كما قال بمقاله”.

وقبلها بشهرين، نصحت “فورين بوليسي” من سمتهم “الفرحين بعمليات الإصلاح” التي يقودها بن سلمان، بأن “يشعروا بالقلق من فشلها”، وكان الرئيس الأمريكي على رأس من وجَّهت لهم النصيحة.

المجلّة تحدّثت عن وجود “إشارات تحذير واضحة لإدارة ترامب عليها أن تأخذها بعين الاعتبار، وأن تتخذ إجراءات أكبر للحدّ من اندفاع محمد بن سلمان”.
أمير غير محدود
في افتتاحية صحيفة “التايمز” البريطانية يوم 27 أبريل 2017، والتي حملت عنوان “أمير غير محدود” (في الإصلاحات والانتهاكات)، وصفت ولي ولي العهد السعودي (آنذاك) بالإصلاحي الجديد، وقالت إنه يستحق الكثير من الدعم الغربي.

وتغنّت الصحيفة بما سمّته إصلاحات بن سلمان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ضمن “رؤية 2030” التي رأت أن نجاحها يعتمد بن سلمان، الذي كان الثالث في ترتيب العرش قبل عام ونصف.

وكما عدد من الصحف الغربية، فإن “التايمز” بدأت تتحول هي الأخرى منتقدة سياسات بن سلمان وانتهاكاته، خاصة في الحرب على اليمن وقتل خاشقجي.

وفي عددها الصادر يوم 14 سبتمبر 2018، اعتبرت الصحيفة البريطانية أن حكم ولي العهد السعودي الذي وصفته بأنه أضرّ بلاده، يعيش “أيامه معدودة”.

جاء ذلك في مقال رأي للكاتب مايكل برلي، حمل عنوان “أيام الأمير السعودي الشاب معدودة: الآمال المعقودة على محمد بن سلمان كمُصلح يُداوي جراح المنطقة تسفر عن لا شيء”.

وجاء في المقال: “في بداية الأمر جاء الضجيج الإعلامي مع إهدار الملايين على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط للترويج للجولة الدولية لبن سلمان، في مارس الماضي، والذي (كان) يُنظر إليه على أنه الرجل السعودي القوي”.

وأضافت الصحيفة في المقال الذي نُشر تزامناً مع مرور عام على بدء حملة الاعتقالات التي شنها محمد بن سلمان: “بعد مرور 6 أشهر يبدو احتمال صعوده أقل تأكيداً، حتى إن والده، الملك سلمان، بدأ يُبدي بوادر تشكّكه في الأمر”.

وفي إطار مواصلتها تسليط الضوء على بن سلمان بعد قتل خاشقجي، اعتبرت “التايمز” أن “الأضواء تتسلّط على دولة واحدة ورجل واحد في حادثة خاشقجي؛ هو ولي العهد السعودي”، وذلك في مقال نشرته في 13 أكتوبر الماضي.

وقالت إنه “أجرى تغييرات كبيرة في المملكة لأمور لم تكن تعجب الغرب، لكن سياساته تُثير انتقادات ومخاوف، وتراجع عدد مؤيّديه، وبات البعض يرى أن الحل يتطلّب إزاحته من منصبه وتعيين آخر مكانه”.

وأضافت: “التضحية بولي العهد ستُرضي أولئك الذين يريدون البقاء إلى جانب الرياض، لكن أن يستغلّ أحد أمراء الأسرة الحاكمة المناوئين له هذه الفرصة للتحرّك فذلك أمر آخر”.
مُصلح مستبد
وفي مارس 2018، اهتمّت صحيفة “الغارديان” البريطانية، بزيارة ولى العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى تستغرق 3 أسابيع، وقالت وقتها إنها “حققت نتائج إيجابية وأهمها إعادة تشكيل صورة الرياض أمام العالم”.

وتعزّلت الصحيفة آنذاك بأن محمد بن سلمان يسعى إلى زيادة الاهتمام بالاستثمار السياسى والاقتصادى فى الرياض.

وقبلها بأشهر علقت على تولي الأمير بن سلمان منصب ولي العهد، واعتبرت أنه “يعطي الأمل في مزيد من الإصلاحات الاجتماعية داخل البلاد”، مشيرة إلى أن “الأمير الشاب يحمل طاقات التغيير في السعودية بشكل رئيسي”.

لكن هذا الرأي كغيره من الآراء المُتراجعة، تغيّر أيضاً مع ما أحدثه بن سلمان من إجراءات حملت في ظاهراها مصطلح “إصلاحات”، غير أنها باطنياً كانت توحي بعكس ذلك تماماً.

وفي أقوى تعليق على قتل خاشقجي، فإن الكاتب في الصحيفة، سيمون تيسسدال، قال إن ولي العهد السعودي ظهر بصورة “شبه ديكتاتور” وإنه “مستبد مخيف”.

وأكد تيسسدال أنَّ قتل خاشقجي أضرَّ كثيراً بسمعة ولي العهد في الغرب، وهو الذي كان يحرص على أن يظهر بمظهر المصلح الاجتماعي والاقتصادي، وبذل في سبيل ذلك الكثير.

وخلاصة القول، فإن معظم وسائل الإعلام الغربية والأمريكية يبدو أنها خُدعت بسياسة بن سلمان، لكن إجراءاته كشفت خططه وأدت إلى تراجع أسهمه في بورصة السياسة الدولية.

الخليج أونلاين