فشلٌ بعد الآخر تلك هي أبرز سمة من سمات مشاريع السلطات السعودية في محاولاتها للنهوض باقتصاد بلادها الداخلي، ومحاولة خلق فرص للعاطلين عن العمل، رغم إطلاق مئات المبادرات وصرف الأموال عليها.
وكانت آخر تلك المحاولات الفاشلة هي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية، وتمثلت في عدم نجاح خطتها التي أطلقتها في 2017، لخلق 141 ألف فرصة عمل “عن بُعد” للسعوديات حتى نهاية 2019.
وأظهرت الأرقام الصادرة عن وزارة العمل السعودية أن تسع سعوديات فقط في جميع مناطق المملكة هن من نجحن في هذا العمل بعد 3 سنوات من إطلاق المشروع.
وسبق أن أطلقت الوزارة السعودية في 2017، 68 مبادرة تدعم حقوق المرأة في العمل، منها الشراكة مع القطاع الخاص لدعم توظيف السعوديين في المهن القيادية.
وسخرت السعودية طاقاتها لإنجاح هذه البرامج، إذ أنشأت الوزارة بوابة إلكترونية لبرنامج “العمل عن بعد” لتوفير مزودي الخدمة المعتمدين عرض وظائف العمل عن بُعد، وتقديم خدمات مثل التتبع والمتابعة لأداء الموظفين، وبناء ملف تعريفي خاص بهم، والتقديم على الوظائف المتاحة.
ويهدف برنامج “العمل عن بعد” إلى توفير فرص عمل للباحثين عن عمل، وبالأخص الإناث والأشخاص ذوي الإعاقة دون الحاجة إلى أن يكونوا في مكان العمل.
وكانت الوزارة تريد من خلال إطلاق البرنامج توفير ثلاثة خيارات للعمل: إما من المنزل أو مراكز العمل عن بعد أو مراكز تأهيل الأعمال، وجميعهن من الإناث.
كما هدفت المبادرات إلى التنسيق مع الجهات الحكومية في مراجعة اللوائح لتوفير بيئة عمل تحفظ حقوق المرأة، وإزالة أي عقبات أمام تمكينها من الاندماج، ولكن النتائج على الأرض صفرية، حيث لم تأت بأي نتائج مرجوة.
كما أرادت الوزارة السعودية من برامجها ومبادراتها رفع نسبة القوى العاملة النسائية إلى 28 % من إجمالي القوى العاملة الوطنية، وهو ما لم يتحقق، وفق الإحصائية الرسمية.
وروجت السلطات في المملكة خلال إطلاق برامجها لدعم توظيف المرأة أنها ستعمل على تقليل معدل البطالة بين النساء السعوديات، باعتباره يشكل النسبة الكبرى من معدل البطالة العام في المملكة.
وكانت السعودية تنتظر من برامج “العمل عن بعد” رفع مشاركة المرأة في سوق العمل المحلية، وتوفير الفرص لمن يعيشون في المناطق ذات الفرص الأقل، وتوفير ساعات عمل مرنة تتيح للأفراد الوفاء بالتزاماتهم الأسرية، إلى جانب فرص عمل للأشخاص المؤهلين من ذوي الإعاقة والفئات الأكثر حاجة.
ولم يتوقف الأمر على الفشل في التوظيف عن بعد، فقد أظهرت الإحصائيات الصادرة عن صندوق تنمية الموارد البشرية انخفاض عدد السعوديات المستفيدات من الدعم الإضافي للأجور ليصلن إلى 272 في الربع الثالث من العام المنصرم مقابل 402 في الربع الثاني من نفس العام، أي بنسبة انخفاض 32 %.
كما كشفت الإحصائية عن انخفاض المستفيدين السعوديين من الدعم الإضافي للأجور ليصل إلى 1.071 مستفيداً في الربع الثالث، مقابل 1.194 في الربع الثاني من العام الماضي، أي بنسبة انخفاض بنحو 10 %.
كذلك انخفض عدد المستفيدات من برنامج دعم التوظيف المباشر ليصل إلى 1.627 في الربع الثالث من العام المنصرم، بعد أن كان عددهم 4.341 مستفيدة في الربع الثاني من نفس العام، وفق الإحصائية.
وفي الجهة المقابلة انخفض أيضاً عدد المستفيدين الذكور من البرنامج ليصل إلى 4.018 سعودياً، قياساً بـ6.071 في الربع الثاني من العام 2019.
وأمام هذا الفشل المدوي لأهم وزارة تشغيلية في السعودية، ازدادت وظائف الأجانب بأكثر من 100 ألف وظيفة خلال الربع الثاني لعام 2019، وفق تقرير صادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وخسر السعوديون، وفق التقرير، أكثر من 20 ألف وظيفة خلال الفترة نفسها، وهو ما يعطي مؤشراً على فشل جديد لـ”رؤية 2030″، التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، وكانت تهدف إلى توطين السعوديين في كثير من الوظائف الجديدة، خاصة في قطاع السياحة.
ووفق التقرير، فقد بلغ إجمالي المشتغلين من السعوديين وغير السعوديين 12 مليوناً و857 ألفاً، بينهم مليونان و300 ألف فتاة، ووصل عدد السعوديين الذين يشغلون عملاً إلى 3 ملايين، بينهم مليون فتاة، خلال الربع الثاني من 2019.
وحسب تقرير هيئة الإحصاء السعودية فقد وصل عدد غير السعوديين الذين يعملون إلى 9 ملايين و653 ألفاً، منهم مليون و195 فتاة، وهو ما يعد رقماً كبيراً وضربة جديدة لمخططات السلطات في “سعودة الوظائف”.
وبلغ معدل بطالة السعوديات 32.5 % وفق آخر إحصائية رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء من عام 2018.
أسباب للفشل
المختص في برامج “العمل عن بعد”، أحمد جودة، يضع عدداً من الأسباب لفشل السلطات السعودية في الحصول على نتائج إيجابية من برامجها التي أطلقتها للسعوديات رغم الإمكانيات المتوفر لها.
ويعد السبب الأول، وفق حديث جودة لـ”الخليج أونلاين”، هو عدم قبول فكرة العمل من الأساس لدى السعوديات، وهو الذي يعد ثقافة سائدة في مجتمعهم، والاعتماد على الرجال في المصروفات وتلبية احتياجاتهن.
كما يرى أن غياب الخبرة لدى السعوديات في التعامل مع مواقع العمل الحر سبب في فشل البرنامج الحكومي، إضافة إلى البدل المالي الذي لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية داخل المملكة، وارتفاع المستوى المعيشي.
ويحتاج نجاح العمل عن بعد، وفق جودة، إلى ساعات طويلة من التدريب على يد خبراء ومختصين، وهو ما لم تعمل عليه السلطات السعودية، حيث أطلقت البرنامج وفتحت باب التسجيل دون تقديم أي نصائح للسعوديات.