سلّطت صحيفة “جون أفريك” الفرنسية في مقالها الافتتاحي لرئيس التحرير فرانسوا سودان، الضوء على إستراتيجية “الوكالة” التي تتبعها المملكة العربية السعودية في الحرب التي تقودها في اليمن منذ 2015 ضد الحوثيين المدعومين من عدوتها اللدود إيران.

وتساءل سودان في مطلع مقاله، قائلا: هل قرأ ولي العهد محمد بن سلمان للفيلسوف الصيني “صن تزو”؟ وأشار إلى أن حرب الوكالة هي أحد المبادئ التي عرضها هذا الفيلسوف، وهو ما يفعله بالضبط ولي العهد السعودي في اليمن.

 

“حرب قذرة”

وأوضح الكاتب الفرنسي، أنه منذ 26 مارس/آذار 2015، أي أربع سنوات وستة أشهر، نتج عن الحرب اليمنية العديد من الكوارث التي تظهرها الصور، مجموعات من الأطفال ذوي الوجوه الداكنة يلعبون بجثث الفئران الميتة، أجساد البالغين المصابة بالتقرحات الذين أهلكهم البؤس والمجاعة.

وأردف: كذلك كبار السن من الرجال الذين تفترسهم الحشرات وتلتهمهم الكوليرا، إضافة إلى المقابر الجماعية بالقرب من ميناء الحُديدة، المليئة بالحشرات، والتي تتجول بها الكلاب الضالة، لا يمكنك ضرب مجرفة دون نبش جثة.

وأشار الكاتب إلى أنه في هذه الحرب القذرة، نعرف جيدا من يقودها: الحوثيون المدعومون من إيران، من ناحية، وفي الجهة الأخرى القوات الموالية للرئيس منصور هادي، التي يدافع عنها “تحالف عربي” هو في الواقع سعودي- إماراتي.

وتابع: “نحن نعرف أيضا النتائج: 90 بالمئة من السكان يعانون من نقص الغذاء، وما يقرب من مائة ألف قتيل، مستنقع دموي، ولكن لا يزال هذا غير كاف لإيقاظ العالم”.

 

حرب بالوكالة

وأكد فرانسوا سودان أن “خوض حرب بالوكالة هو أحد مبادئ صن تزو، وهذا بالضبط ما يفعله ابن سلمان مع اختلاف اليأس الذي ينتابه للحصول على النصر المنتظر “.

وأوضح الكاتب: لقد اعتاد السعوديون، كما نعلم، منذ فترة طويلة على دفع أموال للأجانب لأداء المهام التي يعتبرونها تافه أو ثانوية، فالحرب تشبه القيام بالأعمال المنزلية أو الأشغال العامة أو جمع القمامة.

وزاد، قائلا: “ومن هنا كانت المزحة الشهيرة (المملكة العربية السعودية ستحارب إلى آخر باكستاني)، في إشارة إلى دعم باكستان للسعودية بمرتزقة في مشاريعها العسكرية”.

وبين الكاتب: أنه “على الجبهة اليمنية، اليوم معظم المقاتلين الذين أرسلوا إلى الجبهة هم سودانيون، إذ تم إرسال ما بين 10آلاف و 14 ألف مجند، بمن فيهم شباب دارفور، بموجب اتفاق سري – مدفوع له بشكل جيد – بين محمد بن سلمان والديكتاتور المخلوع عمر البشير”.

وأشار إلى أنه “وفقا للعائدين إلى الخرطوم من هذه الحرب، روى البعض كيف يتجنب الضباط السعوديون بعناية الاقتراب من الحدود، ويرسلون الوكلاء إلى المواقع التي يحتلها الحوثيون، فالسعوديون لا يصنعون الحرب، فهم يستأجرون حلفاء للقيام بهذه المهمة، وهكذا سيكون الأمر، إذا حدث عن طريق الصدفة اندلاع صراع بينهما وبين العدو المطلق إيران”.

 

الإفلات من العقاب

وتساءل الكاتب الفرنسي: لماذا يحتاج أحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم إلى المساعدة؟ لماذا يوجد بلد، على الورق، لديه أكثر الوسائل تطورا للدفاع عن نفسه وهو يبحث باستمرار عن الحماية؟ لماذا، من وجهة نظر الخبراء، لن يكون للجيش السعودي أي فرصة للفوز على منافسه الإيراني رغم الميزانية العسكرية الأعلى بخمسة أضعاف؟

وأوضح: أن الإجابة، مرة أخرى، يشير إليها تقرير فريد، إذ يقول: إن القادة السعوديين، على الرغم من عاطفتهم تجاه السيوف وتطبيقهم عقوبة الإعدام، يشترون الأسلحة لكن لا يستخدمونها إلا قليلا، وبعبارة أخرى، لا يُقصد من خلال هذه الأسلحة شن الحرب بل تخزينها كجزء من “صفقة” دبلوماسية وتجارية مع مورديها، ومعظمهم أمريكيون وأيضا فرنسيون وبريطانيون وصينيون وغيرهم.

ونوه إلى أنه في مقابل الحصول على العقود، تشتري المملكة في الوقت نفسه إفلات شبه تام من العقاب في المجالات التي تعتبرها حق ملكي (حقوق الإنسان، الشريعة الإسلامية، وضع المرأة، اغتيالات وخطف المعارضين).

ولفت الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  غرد على “تويتر” في أعقاب هجمات الطائرات بدون طيار على منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو: “إمدادات النفط في السعوديّة تعرضت لهجوم. هناك سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا نعرف المُرتكب، ونحن على أهبة الاستعداد للرد على أساس عملية التحقق، لكننا ننتظر من المملكة أن تُخبرنا من تعتقد أنه سبب هذا الهجوم، وبأي أشكال سنمضي قدما”، في موقف وكلمات جديرة بالحارس الشخصي.

 

“مقاتل خائف”

وبين مدير تحرير صحيفة “جون أفريك” أن المشكلة، بالطبع، كما كشفت دراسة أجرتها “سي إن إن” مؤخرا، أن بعض الأسلحة والمعدات الأمريكية التي تباع إلى الجيش السعودي تضيع في نهاية المطاف في مجسات الفوضى اليمنية.

ورأى، أن “هذه الأسلحة سلمتها الرياض للمليشيات السلفية المتحالفة معها، ثم حصل عليها الحوثيون في الحرب، لتقع فيما بعد بأيدي الإيرانيين الذين يقصفون وينسخونها في بعض الأحيان”.

وخلص فرانسوا سودان في ختام مقاله إلى أنه “من الفخ الأفغاني إلى الانتحار الجماعي لمملكة سبأ القديمة، الحروب تتبع بعضها البعض وعلى حد سواء، وفي الخلفية ممثل رئيسي ومقاتل خائف، عدواني خجول عندما يصبح الخطر قريبا: إنها عائلة آل سعود”.