قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، في سبتمبر/أيلول 2017، كانت محورية في موجة التطبيع التي شهدتها البلدان العربية مع إسرائيل، في الأشهر الأخيرة من 2020.

ولفتت الصحيفة إلى أنه على الرغم من سرية الزيارة، التي لم يعترف بها أي مسؤول رسمي بشكل صريح، إلا أنها كانت أثمرت صورا تذكارية تاريخية في 2020، عند توقيع اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

ونقل المحلل الإسرائيلي “يوناه جريمي بوب”، عن الاستخبارات في بلاده، قولها إن زيارة “بن سلمان” إلى تل أبيب في سبتمبر/أيلول 2017 “كانت نقطة تحول حقيقية”.

وأشارت إلى “الدور الذي أداه رئيس الموساد يوسي كوهين مع السعوديين من وراء الكواليس، خلال هذه السنوات”.

وكان “كوهين”، والحديث للمحلل “بوب”، هو تقريبا الشخصية المهمة الوحيدة التي مهدت الطريق مبكرا نحو إبرام التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، التي جلبت السعوديين ليصبحوا داعمين بقوة لهذا التوجه، حتى وإن لم يقوموا هم أنفسهم بتجاوز الخط بشكل رسمي.

حيث أجرى رحلات إلى السعودية والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وغيرها من البلدان التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وكان “كوهين” يقدم خلال هذه الزيارات، تقييما واقعيا لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، لعلمه بشكل مباشر أن ذلك آت لا محالة.

ولم يكن بإمكانه التنبؤ متى سيكون ذلك بالضبط، ولكنه علم بأنه ساعد في إقناع السعوديين وكذلك الإماراتيين بأن التطبيع هو السبيل إلى الأمام، وأنهم حتما سيجدون اللحظة المناسبة لذلك.

وبالعودة للاستخابرات الإسرائيلية، التي ينقل عنها “جريمي بوب”، فإن من شأن الدعم السعودي في أواخر عام 2017، أن أعد الأرضية للموساد حتى يحقق نجاحا أكبر في بناء تلك الموجة على مدى الثمانية عشر شهرا التالية، بما في ذلك زيارات يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وغيره من الوزراء الإسرائيليين إلى البلدان المختلفة.

ويضيف الكاتب: “لربما يقول رئيس الموساد الحالي، إن الشهور التي شهدت إبرام اتفاقيات التطبيع هي الشهور التي كان مقدرا لها أن تشهد ذلك؛ لأن كل ذلك إنما كان جزءا من رؤية عامة غايتها تحقيق أهداف مشتركة، ضمن إطار خطة إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب للشرق الأوسط”.

 

ثلاثي الموساد والأمن القومي

وعند لحظة غير محددة على الطريق باتجاه تطبيع العلاقات مع هذه البلدان، كان من أدى دورا محوريا في إتمام هذه الصفقات هو رئيس مجلس الأمن القومي “مائير بن شابات”، ممثلا بمن يرمز له بحرف “آر” أو “موعاز”، أحد عملاء “الشين بيت” الذي كان “معارا” لمجلس الأمن القومي.

“بن شابات” و”موعاز”، بحسب معلومات أدلى بها الصحفي “باراك رافيد”، ومعهم أيضا محامي بريطاني إسرائيلي اسمه “نيك كوفمان”، كانت له علاقات مع السودانيين بفضل خبرته في التعامل مع بعض قضاياهم في المحكمة الجنائية الدولية، هم من ساعدوا في تمهيد السبيل وإزالة ما كان فيه من عقبات.

لم ينف “كوهين” أن “بن شابات” و”موعاز” قدما مساهمات في مساعي التطبيع تلك، وساعدا في إنقاذها في أكثر من مناسبة عندما كانت الولايات المتحدة والسودان يصلان إلى طرق مسدودة مؤقتا.

ولكن علمت صحيفة “ذي جيروزاليم بوست” أنه حتى حينما كان “بن شابات” ومن يرمز له بحرف “آر” يعملان في موضوعي السودان والمغرب، كانت وجهة نظر “كوهين”، أنه ما يزال هو “مدير المشروع” في مساعي التطبيع، وأنه إنما كلف هؤلاء بتنفيذ بعض المهام التابعة للمشروع.

وحسب رواية “كوهين”، فإن مشاركته المباشرة في التخطيط للقاء الذي جمع بين “نتنياهو” ورئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال “عبدالفتاح البرهان” في أوغندا بفبراير/شباط 2020، وكذلك وجوده الشخصي هناك في أثناء اللقاء، إنما يثبت أن معظم الأعمال المهمة كانت ما تزال في يده، قبل أن يبدأ فيما بعد بتوزيع بعض مهام التنفيذ على آخرين.

وكانت التقارير طوال النصف الثاني من عام 2020 تتحدث عن جولات مكوكية، يقوم بها “كوهين” في منطقة الخليج وفي غيرها.

بشكل أو بآخر، كما تقول المصادر، يفضي ذلك إلى رؤية جديدة لموجة التطبيع التي سرت في الفترة من يوليو/ تموز إلى ديسمبر/كانون الأول من عام 2020

يسود انطباع بأنه لم تكن ستأتي أية موجة حتى يوليو/ تموز 2020، وأن الموجة لربما لم تأت لولا الجهود التي بذلها كل من سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة “يوسف العتيبة”، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة “رون ديرمر”، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي “جاريد كوشنر”، ومساعده “آفي بيركوفيتز”، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل “دافيد فريدمان”، وتشكيلة أخرى من اللاعبين، الذين توصلوا فجأة إلى صيغة سحرية، هي التي مهدت فيما بعد لإبرام صفقات التطبيع الثلاث الأخرى.

مع الاعتراف بكل الجهود التي ساهمت في إنجاز اتفاقيات “أبراهام”، إلا أن رواية “كوهين” شيء مختلف تماما.

تعود الأحداث كما يسردها هو إلى خطابه المهم الذي ألقاه في يوليو/ تموز من عام 2019، في مؤتمر مركز “هيرتزليا” للدراسات المتعددة، حيث قال في ذلك الخطاب: “لقد تعرف الموساد في هذا الوقت على فرصة نادرة، لربما كانت الأولى في تاريخ الشرق الأوسط، للتوصل إلى تفاهم إقليمي من شأنه أن يفضي إلى اتفاق سلام إقليمي جامع”.

وأضاف: “يتيح ذلك فرصة سانحة لربما لا تتكرر من بعد”.

رغم أن خطابه حظي بتغطية إعلامية واسعة، إلا أن شيئا لم يتمخض عنه مباشرة. في الواقع لم يتمخض عنه شيء إلى ما بعد ثلاثة عشر شهرا، ومعظم الناس رأوا فيه مجرد تكرار لنقاط كانت تصدر من حين لآخر عن “نتنياهو” وتشكيلة أخرى من الوزراء.

بل حتى إن سلطنة عُمان نشرت تكذيبا لنقطة وردت في خطاب “كوهين”، قال فيها إن الموساد مهد السبيل من أجل “تجديد الروابط مع سلطنة عمان وإقامة تمثيل على مستوى وزراتي الخارجية في البلدين”.

وكانت الإذاعة الاسرائيلية (رسمية) الناطقة باللغة العربية، قد ذكرت في 7 سبتمبر/أيلول 2017، أن “أميرا من البلاط الملكي السعودي زار البلاد سرا، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الإمام”، دون ذكر اسمه.

إلا أنه بعد ذلك تناولت وسائل إعلام عبرية، أن ذلك الأمير هو ولي العهد السعودي “بن سلمان”.

وحينها، قالت وكالة الصحافة الفرنسية، إن الزيارة جاءت ضمن تنسيق وتقدم مطردين في العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، بينها السعودية، على قاعدة “العداء المشترك” لإيران.

جدير بالذكر أن 4 دول عربية أعلنت تطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال النصف الثاني من 2020، بدءا بالإمارات ومن ثم البحرين والسودان وأخيراً المغرب.

وسبق أن توقع “جاريد كوشنر”، مستشار “ترامب”، أن تقوم السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، سواء عاجلا أم آجلا.

وكانت تقارير غربية أفادت بأن موقف الملك السعودي “سلمان بن عبدالعزيز” لا يزال متصلبا من مسألة التطبيع مع إسرائيل، دون التوصل لتسوية مرضية مع الفلسطينيين، على عكس ولي عهده ونجله الأمير “بن سلمان”، الذي يريد المضي قدما بقرار التطبيع، لا سيما بعد انخراط الإمارات والبحرين في الأمر.

ولاحقا ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن “بن سلمان” تراجع عن اتفاق للتطبيع مع إسرائيل، توسّطت فيه الولايات المتحدة؛ بهدف مساومة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” عليه، بعد تنصيبه.