يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إحكام قبضته على الغولف، لعبة النخب في الولايات المتحدة عبر صندوق بلاده السيادي، ضمن منافسة لا تخلو من الاحتكار.

وأحدث محمد بن سلمان عن طريق استخدامه ذلك الصندوق انقساما في عالم الغولف الأميركي، عندما أسس دوري “لايف غولف”.

وهذا الدوري الأخير يهدف لأن يكون موازيا لمنافسات الغولف الأميركية “بي جي إيه” الاحترافية، والبطولات الأوروبية.

وجذب ابن سلمان إلى “لايف غولف” العديد من نجوم اللعبة العالميين مثل داستن جونسون وفيل ميكلسون، بمبالغ خيالية، وفرض عليهم ممارسات احتكارية.

لتشتعل أزمة بين الدوري الجديد المدعوم سعوديا وبين روابط المحترفين الأميركيين التي لجأت إلى القضاء لمنع الممارسات الاحتكارية، وإظهار مزيد من الشفافية من قبل السعوديين.

فبعد دخول ابن سلمان عالم اللعبة، ظهر أن واقعا آخر استجد على رياضة “الغولف”، إذ حول الأمير هذا “العالم المخملي” إلى جحيم، وسعى إلى السيطرة الكاملة والمفاجئة عليه.

وسرعان ما أحدث انقسامات حادة غير مسبوقة في أبرز هيئة رياضية بداخلها (جمعية المحترفين الأميركية) واستحدث بطولة جديدة، جذبت كبار اللاعبين بعروض حالمة، وأنفقت الرياض على ذلك العالم مليارات الدولارات في سبيل الاستحواذ عليه.

 

صدام جديد

هذا التقدم المتواصل من المملكة، أثار تفاعلا من رواد اللعبة، الذين رأوا أن ابن سلمان يحاول غسل سمعته وتبييض وجهه عالميا، فيما يخص حقوق الإنسان “المتدهورة” في بلاده.

كما يسعى لاستغلال اللعبة ورياضييها الكبار، كنوع من إستراتيجية القوة الناعمة والمؤثرة في وسائل الإعلام العالمية والمجتمع الدولي.

وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2022، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أن صداما حادا وقع بين “جمعية الغولف للمحترفين الأميركية” (PGA Tour)، و”الصندوق السيادي السعودي”.

وبينت أن الأمر بينهما وصل إلى طريق مسدود بعد مطالبة الجمعية الأميركية، الصندوق السعودي، بالحصول على معلومات في دعواها أمام القضاء الأميركي لمكافحة الاحتكار التي أقامتها ضد رابطة “لايف غولف” منافستها في أميركا الشمالية والمدعومة سعوديا.

وبحسب الوكالة فقد نقل محامو الصندوق في أوراق جرى تقديمها في القضية عن محافظ الصندوق السيادي السعودي “ياسر الرميان” قوله “إنه لا يمكن الموافقة على الإصدار المحتمل لأي مستندات أو معلومات من شأنها أن تتعارض مع القانون السعودي”.

وفي المقابل، أعلن محامو الجمعية أن ما اقترحه الصندوق السعودي ومحافظه، وإبداء عدم الرغبة في التنازل للإفصاح عن المعلومات المطلوبة، يخلق مأزقا ويضع الأمور في جانب معقد، ولا يمكن حلها.

وفي 13 يناير 2023، طلبت القاضية الأميركية “سوزان فان كولين”، من وكلاء “جمعية الغولف للمحترفين”، تقديم تقرير حالة مشترك حول مناقشات تتعلق بطلب الجمعية إجبار الصندوق السعودي ومحافظه على الامتثال لمذكرات الاستدعاء في دعوى الجمعية

وجمعية الغولف للمحترفين تتهم فيها منافستها “لايف غولف” بارتكاب منافسة غير عادلة من خلال تقديم صفقات مغرية للاعبين لفسخ عقودهم مع الجمعية.

 

حرب مستعرة

برزت “لايف غولف” الأميركية في عالم الرياضة عام 2021، بأمر من محمد بن سلمان حين أمر بتدشينها، وجذبت مجموعة من اللاعبين المرموقين على وعد بأرباح ضخمة، مقابل تركهم لبطولة رابطة لاعبي جمعية الغولف للمحترفين، وكان منهم المصنف الأول في العالم سابقا “جريج نورمان”.

ورابطة “لايف غولف” مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو صندوق ثروة سيادي بأصول تقارب 700 مليار دولار، ويرأسه ولي العهد السعودي بشكل مباشر.

وفي مطلع العام 2023 انطلقت منافسات سلسلة لايف غولف الجديدة، وبدأ معها ما جرى وصفه بالحرب الأهلية للعبة.

وتناولت صحيفة “نيويورك بوست” الأميركية في 15 يناير 2023، تأثير البطولة الجديدة، المدعومة سعوديا، على عالم الغولف.

وقالت: “إنه من الزاوية الحقوقية والقانونية،  تسعى (لايف غولف) بأمر ملكي، لتحديد ما إذا كانت رابطة لاعبي الغولف المحترفين مسؤولة عن تمويل الاحتجاجات المناهضة للسعودية، التي نظمتها مجموعات مثل -العدالة لضحايا 11 سبتمبر- و-اتحاد عائلات ضحايا 11 سبتمبر-“.

وتلك المجموعات تعمل منذ سنوات على محاولة إدانة المملكة، وأقامت دعوى قضائية اتحادية تتهم السعودية بالتواطؤ في الهجمات التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص في 11 سبتمبر 2001.

كما سعت إلى الإفراج عن وثائق سرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي تتعلق بدور السعودية في الهجمات.

حتى إنها في 18 يوليو/ تموز 2022، هاجمت عبر بيان استضافة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، دوري “لايف غولف” المدعوم من الرياض في ملعب يملكه بولاية نيوجيرسي.

وفي المقابل، أكدت رابطة لاعبي الغولف المحترفين أن “لايف غولف” كلفت شركة بجمع ملف عن الاحتجاجات

وعدت ذلك أمرا مقلقا بشأن الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات، على أقل تقدير، في ضوء سجل السعودية الحقوقي، لا سيما بعد جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018″.

 

الأمير والجريمة

الصراع الشديد بين الرابطتين الأميركية والأخرى المدعومة سعوديا، وصل إلى استخدام ورقة حقوق الإنسان، واستدعاء الملف المروع للمملكة في هذا الشأن

حتى إن اللاعب المخضرم فيل ميكلسون، الذي انضم للدوري السعودي، أثار الجدل بتصريحات انتقد فيها سابقا المملكة.

وفي 18 فبراير/شباط 2022، صرح لصحيفة “تلغراف” البريطانية، قائلا إنه “مستعد للتغاضي عن سجل حقوق الإنسان في السعودية، والمشاركة في بطولة الغولف للاستفادة من أموال المملكة”.

وأورد: “أعلم أن السعودية قتلت جمال خاشقجي ولديها سجل مروع في حقوق الإنسان، لكنها منحتنا أموالا طائلة، هذه فرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر، وحتى إني لست مهتما بنجاح دوري الغولف السعودي”.

وأعلن أنه يلعب في دوري الغولف السعودي لـ”كسب النفوذ والمال فقط”، وأنه تلقى مبلغا قدره 100 مليون دولار للمشاركة.

وفي 10 يناير 2022، ذكرت صحيفة “ديلي بيست” الأميركية، أن “ميكلسون حصل على 200 مليون دولار للانضمام للمشروع الجديد”.

لكن على جانب آخر، رفضت مجموعة من كبار اللاعبين الاستجابة لنداء أموال ابن سلمان، على رأسهم لاعب الغولف العالمي، روري ماكلروي، الذي حذر نجوم الغولف الشباب من اللعب في الدوري السعودي.

وخلال تصريحات صحفية في 19 فبراير 2022، قال ماكلروي إنه “ليس مستعدا لتشويه سمعته بالأموال السعودية”.

وأوضح أن “المبالغ المالية الباهظة المعروضة لن تحدث فرقا كبيرا لنخبة لاعبي الغولف في العالم”.

 

الغسيل الرياضي

وفي ذلك الإطار نشر موقع “الحرة” الأميركي في 10 يونيو/حزيران 2022، تقريرا أكد فيه أن “الدخول المفاجئ للمملكة في عالم الغولف يأتي ضمن نهج متعدد المستويات لتغيير صورتها النمطية كبلد غنية ومحافظة”.

وذكر أن “حكام السعودية يستهدفون الهياكل والمنظمات التي حكمت لعبة الغولف الاحترافية لما يقرب من قرن من الزمان، وهو أمر يختلف عن شراء فريق كرة قدم أوروبي أو استضافة حدث رياضي عالمي بهدف (الغسيل الرياضي)”.

وأوضح: “الدوري الجديد الممول من السعودية، جمع 48 لاعبا منشقا أغرتهم الجوائز المالية المفرطة، والبالغة أكثر من 250 مليون دولار، ممتدة على 8 جولات في مختلف أنحاء العالم، وبصيغة فريدة على مدى ثلاثة أيام دون انقطاع”.

وأضاف أنه “من ضمن الـ48 لاعبا المنشقين 16 نجما مصنفون ضمن قائمة أفضل مئة لاعب في العالم”.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن “الاستثمارات من هذه النوعية تسارعت منذ عام 2015، عندما بدأ ولي العهد صعوده ليصبح الحاكم الفعلي، وقاد عملية تغيير شاملة تهدف إلى فتح اقتصاد وثقافة المملكة”.

وحاول ابن سلمان في كل ذلك غسيل سمعته بوضع اسم المملكة في وسائل الإعلام بطرق غير مرتبطة بسجلها الرهيب في مجال حقوق الإنسان، أو تدخلها العسكري في اليمن، أو اغتيال الصحفي خاشقجي على يد فرقة اغتيالات خاصة من عملاء سعوديين عملوا تحت إشرافه.

 

ترامب وكوشنر

ولم يبتعد دخول ابن سلمان إلى عالم الغولف عن حليفه المفضل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكبير مستشاريه وصهره جاريد كوشنر، وكلاهما من المقربين بشدة لولي العهد السعودي.

وتحدثت صحيفة “ذا ديلي تلغراف” البريطانية، في 24 أبريل/نيسان 2022، عن طبيعة العلاقة الحالية بين ابن سلمان وترامب وعائلته، ووصفت ذلك التقارب بـ”محور النسر”.

وذكرت أن التعاون بين الطرفين وصل إلى أن ملعب “دورال” الشهير، الخاص بـ”لعبة الغولف”، التابع لترامب في ميامي، والذي سيستضيف الدوري النهائي السعودي للعبة (التاريخ غير محدد بعد)، والذي تقدر جوائزه بـ50 مليون دولار.

وبحسب الصحيفة، فإن “هذا يمثل دعما إضافيا لترامب، المعروف بولعه بهذه اللعبة الذكورية”.

وأوردت “ذا ديلي تلغراف” أنه “من المؤكد أن رؤية الشيوخ السعوديين، بينما يوزع ترامب الجوائز النقدية السخية سيكون كافيا لجعل المحترفين في لعبة الغولف يتصببون عرقا باردا (كنوع من الاستياء والاعتراض)”.

وفي 21 مايو/أيار 2022، نشر موقع “إيسانشيل سبورت” الأميركي، أن ترامب أصبح في دائرة الضوء بسبب مشاركته في دوري الغولف السعودي.

ونقل عنه تصريحات صادمة تحدث فيها عن السعوديين ومواردهم المالية الضخمة، وقارنهم بأثرياء مثله وعبر عن حبهم الجم للغولف.

وكان مما قاله ترامب: “نحن جميعا محدودون، لأننا لا نريد أن نخسر 100 مليون دولار سنويا لبقية حياتنا. حقا؟ لكن السعودية لديها جيوب غير محدودة”.