من المرجح أن السعودية توقعت حدوث انخفاض في أسعار النفط، نتيجة انهيار اتفاق “أوبك بلس” مع روسيا، والذي أعقبه قرار من المملكة بزيادة إنتاجها من النفط لمتوسط 13 مليون برميل يوميا، الشهر المقبل، من متوسط 9.8 مليون برميل حاليا.

غير أنه، ووفقا لموقع “أويل برايس”، فإن التداعيات السلبية لحرب أسعار النفط التي تخوضها السعودية ضد روسيا بدأت بالظهور مبكرا، حيث تتوقع موسكو والرياض تراجعا حادا في الموارد النفطية على المدى القريب؛ بسبب وباء كورونا الذي أدي إلى انخفاض كبير على الطلب.

وبعد أسبوعين من نشوب حربها النفطية، بدأت كل من موسكو والرياض تحسبان التكلفة في الوقت الحاضر، وتعدلان إنفاقهما الحكومي.

ويتوقع الأصدقاء، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها لخصوم، انخفاضا حادا في عائدات النفط على المدي القريب، ليس فقط بسبب الانخفاض الحاد في الأسعار، ولكن أيضا لأن وباء كورونا يؤدي إلى انهيار كبير في الطلب.

 

خفض الإنفاق

وأعلنت السعودية، هذا الأسبوع، أنها ستخفض الانفاق الحكومي بمقدار 13.2 مليار دولار أمريكي (50 مليار ريال سعودي) أو ما يقرب من 5% من إنفاق ميزانيتها لعام 2020، بعد أن وافقت الحكومة على تخفيض جزئي في بعض البنود.

ويبدو أن السعودية تراهن على استغلال المال النقدي من صندوق الثروة السيادي الخاص بها لسد فجوة الإنفاق الحكومي في ظل أسعار النفط أقل بثلاث مرات من الأسعار اللازمة لتعادل الميزانية.

ووفقا لوكالة فيتش، تحتاج السعودية إلى أسعار نفط عند 91 دولار للبرميل في عام 2020 لتحقيق توازن في ميزانيتها.

وقالت الوكالة، الأسبوع الماضي، إن تراجع سعر برميل النفط بمقدار 10 دولارات يقلص الإيرادات الحكومية بنسبة تتراوح بين 2 و4 % من الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج الست.

وأوضحت الوكالة أن أسعار التعادل اللازمة لموازنة ميزانيات دول الخليج تفوق بكثير مستويات الأسعار الحالية.

 

وقف المشروعات

وتزعم السعودية أنها تستطيع التكيف مع أسعار منخفضة، إلا أن المحللين ليسوا مقتنعين بهذا الأمر.

وعند سعر 30 دولارا لبرميل النفط، من المرجح أن يتراجع الاحتياطي السيادي السعودي سريعا، بينما سيؤدي خفص النفقات الحكومة إلى تعليق مشروعات البنية التحتية، وهو ما سيلقي بظلاله على القطاع الخاص غير النفطي في وقت قريب.

أما الاضرار البعيدة المدي، فتشكل نقص التمويل اللازم لمشروعات ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” المقررة ضمن رؤية 2030، والتي كانت تشهد جمودا بالفعل حتى قبل انهيار أسعار النفط، بسبب عدم تدفق الاستثمارات الأجنبية.

وفى هذا الصدد قال “جان فرانسوا سيزنيك”، وهو زميل رغير مقيم في المجلس الأطلسي: “أعتقد أننا بدأنا نري أن رؤي 2030 لا تسير على ما يرام”.

وأضاف “سيزنيك” أن هناك قدرا متزايدا من التوتر بين السكان حتى بين المؤيدين الرئيسيين لولي العهد.

وتابع أن ولي العهد يحتاج إلى إحداث تأثير كبير، ويتمثل ذلك في إجبار الروس على الاستسلام، لكن في المقابل يستعد الروس من جانبهم لحرب أسعار، ويعدون بزيادة في الإنتاج تصل إلى 500 ألف برميل في اليوم.

وذكر أن الروس يؤكدون أن لديهم الموارد الكافية لتغطية نقص الميزانية عند 25-30 دولار للنفط لمدة تصل بين ست إلى عشر سنوات.

ويري محللون أن روسيا في وضع قيادي ومالي وسياسي أفضل من السعودية لكسب حرب أسعار النفط، ويشيرون إلى أنه يبدو أن السعوديين بالغوا في تقدير احتياطاتهم المالية واستهانوا بتأثير كورونا على الطلب العالمي.

 

سقوط إمبراطورية النفط

وفى نظرة قاتمة لمستقبل الدول الخليجية الغنية بالنفط، ذكر تقرير لوكالة “بلومبرج” أن الانهيار الحالي في أسعار النفط يعد مؤشرا على بدء “سقوط إمبراطورية النفط الخليجية”.

وقالت الوكالة إن “الانهيار المذكور بات وشيكا، وقد لا يكون لحرب الأسعار إلا القليل من الأثر على السقوط الحتمي للثروة الخليجية”.

وأضاف أن “ممالك الخليج امتطت موجات مذهلة من الثروة على مدى نصف القرن الماضي أو يزيد، ولكن ما من موجة إلا ومآلها إلى النهاية”.

وتابعت أن الأجيال القادمة لن تري أبدا تلك الثروة التي يستمتع بها رعايا هذه الدول الآن. ولربما أثبتت الأيام أنه حتى دول الخليج لن تنجو من لعنة النفط التي أصابت دولا أخري مثل نيجيريا وأنغولا وكازخستان والمكسيك وفنزويلا.. كل ما هنالك أنها كانت لحظة مؤجلة”.