لا تتوقف المؤشرات السلبية التي ترسم دائرة حمراء حول مستقبل الاقتصاد السعودي الذي واجه العديد من التحديات خلال السنوات القليلة الماضية، من جراء السياسات المالية والقرارات السياسية والعسكرية غير المدروسة.

وحذر خبراء ومؤسسات اقتصادية دولية وشركات أبحاث عالمية من المخاطر التي يواجهها الاقتصاد السعودي، ومن تعرضه لانكماش مفاجئ في حال واصلت الرياض سياستها المالية الحالية.

ومن خلال رصد يبين أن الاقتصاد السعودي يواجه عثرات؛ أبرزها زيادة النفقات العامة بشكل كبير، بما يشمل التكلفة الباهظة للمشاريع العملاقة غير المجدية التي أعلن عنها ولي العهد، وشراء الرياض للأسلحة بمبالغ مالية هائلة جعلتها تتصدّر قائمة الدول المنفقة على التسلّح على المستوى العالمي.

وإضافة إلى ذلك، فإن الحرب التي تشنها المملكة ضد مليشيا “الحوثيين” في اليمن تستنزف اقتصادها وتهدد أمنها، الأمر الذي تسبب بتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية وهروب المستثمرين من البلاد، خاصة بعد استهداف الأراضي السعودية بعدد من الصواريخ الباليستية.

 

-اقتصاد منهك

والعام الماضي، حقق الاقتصاد السعودي نمواً متواضعاً بنسبة 1.6%، بحسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.

وهذا النموّ دعمه زيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره، بمعنى أنه ليست هناك أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي.

وبحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فإن نموّ الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%.

ويأتي الدين العام ضمن مؤشرات تراجع الاقتصاد السعودي، فبحسب تفاصيل موازنة المملكة للعام 2019، من المرتقب أن يزيد حجم الدين العام إلى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار) في السنة الحالية.

وفي نهاية العام 2018، كان الدين العام المستَحق على الحكومة السعودية قد وصل إلى 576 مليار ريال (153 مليار دولار)، كما ورد في بيانات وزارة المالية التي أعلنتها عبر صفحتها الرسمية بموقع “تويتر”.

وكانت قيمة الدين العام للسعودية وصلت، مع نهاية العام 2017، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.

ويُشكّل الدين الحكومي السعودي نحو 19.1% من الناتج المحلي للبلاد في 2018، في حين كان 17.3% في العام 2017 وقرابة 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.

وضمن سلسلة الأزمات لم يحقّق الاحتياطي السعودي من النقد الأجنبي تقدّماً حقيقياً، وذلك بعد تراجعه خلال السنوات الماضية.

وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن مؤسّسة النقد العربي السعودي، انخفضت موجودات المؤسّسة، خلال فبراير الماضي، لتصل إلى نحو 500 مليار دولار، بانخفاض 7.25 مليارات دولار، مقارنة بشهر يناير الماضي.

وبعد هذا الانخفاض عاد الاحتياطي النقدي لتعويض جزء ممَّا فقده ليصل إلى 506.4 مليارات دولار، وفق أحدث بيانات المؤسسة حول احتياطات النقد الأجنبي بالسعودية.

ومنذ العام 2014، فَقَدَ احتياطي النقد الأجنبي السعودي نحو 36% من قيمته، حيث كان يبلغ 737 مليار دولار.

وساهم انهيار أسعار النفط، وزيادة الإنفاق العسكري والأمني في المملكة بسبب الحرب اليمنية، وعجز الموازنة العامة، في الضغط على الاحتياطي النقدي، ولجوء الحكومة للسحب منه لتغطية زيادة نفقاتها العامة.

وضمن التراجع باقتصاد السعودية، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر فيها إلى 1.4 مليار دولار نهاية العام الماضي، مقارنة بـ7.5 مليارات دولار بالعام 2016، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

ويقارن هذا الانخفاض بنسبة الاستثمار التي بلغت 18.2 مليار دولار سنوياً في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، في العامين 2007 و2008.

وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “المونيتور” الأمريكية أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%.

 

– مصير رؤية 2030

بعد نحو ثلاثة أعوام من إطلاق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رؤية 2030 الخاصة بتحديث اقتصاد المملكة وإيقاف اعتماده على النفط كموردٍ رئيسي، تتزاحم المؤشرات التي تقود بجميع احتمالاتها إلى فشل تطبيق الرؤية.

وكان العديد من التقارير الصادرة عن مؤسّسات اقتصادية دولية توقعت فشل السعودية في تطبيق رؤيتها الاقتصادية.

وأبرز هذه التوقّعات كانت في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مؤخراً، قال فيه: إن “رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل السعودي ستفشل”.

وأضاف: إن “اقتصاد السعودية أحاديّ المصدر منذ اكتشاف النفط عام 1938، وقد أدخلت الحكومات المتعاقبة 10 خطط إنمائية على الاقتصاد، أوّلها عام 1970 وآخرها عام 2016، جميعها حملت هدفاً استراتيجياً واحداً؛ وهو تحقيق اقتصاد متنوّع لا يعتمد كلياً على النفط”.

وتابع: “لقد فشلت الخطط التسع الأولى فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف؛ إذ لم تتمكّن السعودية من إحراز أي تقدّم واضح يتعلّق بالبنية التحتيّة الصناعية التي لم تتجاوز وجود بعض مصانع البلاستيك والبتروكيماويات والأغذية الأساسية”.

وأرجع الموقع سبب توقّعه فشل رؤية 2030 إلى أن “الحكومة السعودية تفتقر لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول”.

وذكر أن “الاستثمار الحقيقي الذي لا يعتمد على النفط يحتاج إلى وقتٍ لكسب المال، والسعودية لديها سجلّ حافل بعدم الانضباط في مجال الاستثمار، ففي أوقات ازدهار الأسعار تستثمر الرياض فوائضها النقدية، وعند انهيار الأسعار تُسارع بتصفية أصولها”.

وفي تقرير آخر لوكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية، جاء أن “الرؤية القائمة على تنوّع الاقتصاد السعودي لا تزال بعيدةً عن التجاوب؛ بفعل تباطؤ نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة”.

وأضافت: إن “جهود الرياض لتنويع اقتصادها والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة فشلت حتى الآن”.

ورأت الوكالة أن “التغيير الذي يقوم به ولي العهد السعودي لن يتماشى مع القدرات الاقتصادية والبيئة الاجتماعية في المملكة”.

ولفتت إلى أن الخطط الاقتصادية، وعلى رأسها رؤية 2030، وإعلان إنشاء مدينة نيوم النموذجية، ستصطدم بلا شكّ بواقع معقّد تراكمت معالمه على مدار السنوات الماضية، لا يمكن من خلاله تنفيذ هذه الطموحات.

ويرى التقرير أن غياب التوازن والدقة في إطلاق السعودية للمشاريع العملاقة سيؤدّي إلى فشل هذه المشاريع.

ووصفت بلومبيرغ “رؤية 2030” بأنها كانت مثل “الصبي الطموح”.

 

-نفقات عسكرية باهظة

أصدرت مؤسّسة “ستوكهولم” الدّوليّة لأبحاث السلام في السويد تقريراً، في مارس الماضي، عن التسلّح في الشرق الأوسط، خلص إلى أنّ مبيعات الأسلحة إلى المنطقة ارتفعت بنسبة 87% خلال السنوات الخمس الماضية، وأنّها باتت تمثّل ثلث التجارة العالمية.

وجاء في التقرير أنّ المملكة العربيّة السعوديّة أضحت أكبر مستوردي الأسلحة في العالم بأسره بين العامين 2014 و2018.

وذكر أن مشتريات السلاح في المملكة ارتفعت في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 192%، متفوّقةً على الهند كأحد أكبر المستوردين التقليديّين للسلاح.

كما أنّ الطلب السعودي على المعدّات العسكريّة فاق ما استوردته دول الاتّحاد الأوروبي مجتمعة بالعام 2015.

ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن بيتر وايزمان، الباحث في مؤسسة “ستوكهولم”، قوله إنّ الولايات المتّحدة والدّول الأوربيّة باعت الطّائرات والعربات العسكريّة إلى السعودية لاستخدامها في حربها في اليمن.

ورصدت الميزانية السعودية لعام 2019 مخصصات للإنفاق العسكري بقيمة 191 مليار ريال (50.9 مليار دولار)، ليحل هذا الإنفاق في المرتبة الثانية من حيث قيمة المخصصات بعد التعليم الذي حل أولاً.

ولعل من أهم أسباب هذا الإنفاق العسكري الهائل الحرب التي تخوضها السعودية مع “الحوثيين” باليمن.

وإضافة إلى خسائر السلاح التي تتكبدها المملكة من جراء هذه الحرب، فإنها تواجه تهديداً مستمراً من الحوثيين باستهداف أراضيها ومنشآتها الحساسة بالصواريخ الباليستية.

وأعلنت جماعة الحوثي خلال العامين الماضيين استهداف مواقع حساسة في السعودية من أبرزها قصر “اليمامة” بالعاصمة الرياض، ومنشأة تتبع لشركة “أرامكو”.

وحول ذلك، قالت صحيفة “فايننشال تايمز”، في تقرير سابق لها: إنه “بسبب صواريخ الحوثيين سيكون الاستثمار الأجنبي في السعودية أصعب”.

وذكرت الصحيفة أن “التدخّل العسكري في اليمن أثار مخاوف المستثمرين خاصة بعد إطلاق صواريخ باليستية على الرياض”.

وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية تناولت كذلك هذه القضية، وقالت في تقرير لها، مؤخراً: إن “الحرب على اليمن لا تظهر فيها مؤشرات على تحقيق أي نجاح، ومن ثم فإن السعودية وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على الجانب الدفاعي قبلَ أي جانب آخر”.

ونقلت الوكالة عن مدير قسم البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للبحوث، جون سفاكياناكس، قوله: إن “هناك قلقاً دولياً ولدى المستثمرين الأجانب عندما يجدون أن الصواريخ تحلق في سماء العاصمة الرياض”.

 

-محاولات إنقاذ

واتخذت الحكومة السعودية في الفترة الأخيرة سلسلة من الخطوات في محاولة لإنقاذ اقتصادها المتهاوي وزيادة إيراداته المالية.

وفي مايو الماضي، أقرت الرياض نظام “الإقامة المميزة” الذي يتضمن منح الوافدين الأجانب إقامات بمزايا متعددة؛ منها حصوله على تأشيرات زيارة للأقارب، واستقدام العمالة المنزلية، وامتلاك العقارات للأغراض السكنية، والتجارية، والصناعية، وامتلاك وسائل النقل الخاصة، والعمل بمنشآت القطاع الخاص والانتقال بينها.

وبحسب صحيفة “عكاظ” فإن رسوم خدمة الإقامة المميزة المؤقتة في المملكة ستحدد بنحو 100 ألف ريال سنوياً، أي ما يقارب 27 ألف دولار.

ولفتت الصحيفة أيضاً إلى أنه ستطرح خدمة تتيح الحصول على الإقامة المميزة بشكل دائم مقابل رسم يصل إلى 800 ألف ريال، وهو ما يعادل نحو 213 ألف دولار.

وضمن الإجراءات السعودية لمحاولة إنقاذ اقتصادها من الانهيار، أعلنت الشهر الماضي، أنها تقوم بالعمل على إنهاء اتفاقيات خصخصة تتجاوز قيمتها ملياري ريال (533 مليون دولار)، قبل نهاية العام الجاري.

وقال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة بالعاصمة البريطانية، في 16 يونيو 2019: إن “المركز الوطني السعودي للتخصيص يقوم حالياً بالعمل على إنهاء اتفاقيات تتجاوز قيمتها ملياري ريال في مجالات عدة؛ تشمل مطاحن الدقيق، والخدمات الطبية، وخدمات الشحن”.

كما رفعت أسعار الوقود وفرضت ضرائب جديدة بداية العام 2018. وفي الأول من يناير 2018 قرّرت السلطات السعودية رفع أسعار البنزين بنسب تراوحت بين 82 و126%.

وبالتزامن مع رفع أسعار الوقود بدأت المملكة تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات.