تمثل قمة مجلس التعاون الخليجي الحادية والأربعين نهاية فعلية لحصار قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فقد تم التوقيع على اتفاقية تفاهم تقضي بفتح الحدود البرية والبحرية والجوية بين السعودية وقطر مما سيزيل أهم الجوانب العملية للحصار. كما ستتخذ البحرين والإمارات إجراءات مماثلة.
في المقابل، وافقت قطر على سحب العديد من الدعاوى القضائية الدولية ضد جيرانها، ويفترض أنها ستتخذ خطوات إضافية لم يتم الإعلان عنها، لتخفيف المخاوف السعودية ودول الخليج الأخرى بشأن سياساتها. وقد التزم الطرفان بوقف “الحرب الإعلامية” بينهما، وإن لم يتضح بعد إلى أي مدى سيلتزم الطرفان.
ومع ذلك، فإن العديد من الأسباب الكامنة وراء الأزمة ربما لم يتم حلها بالكامل. وبما أن الأزمة الأخيرة التي بدأت في يونيو/حزيران 2017، قد سبقتها مواجهة سابقة في 2013-2014، فلا يزال من الممكن وقوع مواجهة أخرى في السنوات المقبلة.
وقد انتهى النزاع الآن بسبب مزيج من الضغوط من الإدارة المنتهية ولايتها للرئيس “دونالد ترامب” والإدارة القادمة للرئيس المنتخب “جو بايدن”، وتزايد التوترات مع إيران وتراجع جدوى الحصار. وكان من المتوقع إعلان اتفاق ثنائي بين السعودية وقطر في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2020، ولكن يبدو أنه تم تأجيل هذه الخطوة لإقناع الإمارات بالانضمام إلى مصالحة خليجية عربية أوسع.
وعندما أصبح من الواضح أن الإمارات تخلت عن معارضتها لإجراءات إنهاء الحصار، تم نقل القمة الخليجية إلى العلا، وهو موقع أثري وتاريخي وثقافي قبل الإسلام تم الترويج له للسياحة باعتباره رمزًا وطنيًا ممثلا للهوية السعودية الجديدة وليس للسلطة الدينية. وأوضحت تلك الخطوة أن الرياض أرادت الإعلان عن اتفاق في سياق القمة.
تم الترويج للاتفاقية باعتبارها اختراقا كبيرا من قبل جميع الأطراف في دول مجلس التعاون الخليجي. ونشر “تركي آل الشيخ”، أحد كبار مستشاري ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، صورًا تروج لوحدة الخليج العربي. كما رحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” بإعادة الوحدة الخليجية لصالح الأمن والاستقرار الإقليميين. بالنسبة لقطر، تعتبر الاتفاقية اختراقًا هائلاً ويبدو أنها قوبلت بفرح وارتياح.
كما سيرحب الديمقراطيون والجمهوريون في واشنطن بهذا التطور. فقد جعلت إدارة “ترامب” من هندسة مثل هذا التقارب بين حلفاء واشنطن الخليجيين أولوية في السياسة الخارجية خلال الفترة الأخيرة. وستشير الإدارة إلى هذا التطور باعتباره إنجازًا آخر لسياسة “ترامب” في الشرق الأوسط خاصة أن صهره “جاريد كوشنر” شارك في حفل التوقيع في السعودية.
والأهم من ذلك، أن إدارة “بايدن” أوضحت وراء الأبواب المغلقة أنها لا ترغب في وراثة هذا الأزمة المعقدة. ويبدو أن هذه الخطوة واحدة من عدة محاولات من جانب الرياض لتحسين العلاقات مع “بايدن” قبل توليه منصبه. وتشير التقارير إلى أن المخاوف بشأن العلاقات مع “بايدن” والديمقراطيين دفعت السعودية للمضي قدمًا حتى بدون تعاون الإمارات في أوائل ديسمبر/كانون الأول. لكن الرياض كانت قادرة بعد ذلك على تأمين تسوية خليجية أوسع بالنظر إلى أن الإمارات فضلت في نهاية المطاف ذلك على صفقة ثنائية قطرية سعودية لا تستطيع أبوظبي منعها.
ويعتبر أحد الدوافع الرئيسية وراء المصالحة هو التصاعد السريع للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران لا سيما في العراق واليمن حيث تصاعدت المخاوف من صدام عسكري في الأيام الأخيرة لـ”ترامب” في محاولة لعرقلة المبادرات الدبلوماسية مع طهران من قبل إدارة “بايدن”.
وقد عززت الولايات المتحدة مؤخرًا قواتها في المياه القريبة من إيران، ورفعت قدراتها على التزود بالوقود، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران على أهداف أمريكية في العراق. كما قامت إيران مرة أخرى بتهديد الملاحة الدولية من خلال الاستيلاء على ناقلة نفط كورية جنوبية بالقرب من مضيق هرمز.
لذلك، فإن السعودية ودول الخليج العربية الأخرى لديها مصلحة في تعزيز العلاقات مع واشنطن مع تصاعد التوترات مع طهران، وبالطبع تعزيز تعاونها في هذه العملية. ومن خلال إعادة فتح السعودية لأجوائها أمام الطيران المتجه إلى قطر، فإن الاتفاقية ستحرم طهران من 100 مليون دولار سنويًا، كانت الدوحة تضطر لدفعها إلى إيران مقابل استخدام مجالها الجوي بدلاً من ذلك. وستكون قطر الآن أقل اضطرارا للانسجام مع السياسة الإيرانية، بالنظر إلى أن وصولها الجوي لن يعتمد بعد الآن على إيران، بالرغم أن البلدين لا يزالان يشتركان في حقل غاز يوفر دخلًا كبيرًا لقطر.
أخيرًا، بالنسبة للسعودية، فقد تراجعت جدوى الحصار بمرور الوقت. ومهما كانت الأمور التي كانت الرياض تسعى إلى كسبها من خلال الحصار، فقد تم بالفعل إنجاز بعضها خلال العام الأول بينما أظهرت الأيام أن أهدافا أخرى لا يمكن تحقيقها من خلال الحصار على الإطلاق.
بالنسبة للإمارات، فإن الصراع الأيديولوجي المتأصل مع قطر (وشريكتها تركيا) حول شرعية الجماعات الإسلامية السنية، مثل جماعة “الإخوان المسلمون”، في السياسة العربية المعاصرة لا يزال بدون حل تمامًا. ولو تُركت الإمارات بمفردها، ربما كانت ستواصل الحصار حتى توافق قطر على إعادة تشكيل سياستها الخارجية حقًا فيما يتعلق بالإسلام السياسي. ولكن مع استعداد السعودية للتوصل إلى اتفاق مع قطر، رأت الإمارات على ما يبدو أنه من الأفضل الحفاظ على موقف موحد مع السعودية بدلاً من الاستمرار في الحصار الذي يعتمد أساسًا على إغلاق الحدود القطرية مع السعودية.
ومع ذلك، قد يشير التمثيل الإماراتي في القمة الخليجية إلى تحفظات إماراتية حول نطاق وآفاق التقارب حيث حضر “محمد بن راشد آل مكتوم”، نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء حاكم دبي، وليس ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات “محمد بن زايد”.
وبالرغم من أن السعودية أقدمت على المصالحة بالرغم من التحفظات الإماراتية، فقد تبدو المخاوف حول مدى صمود الاتفاقية مبررة حيث إن الأسباب الكامنة وراء أزمتي 2017 و2014 لا تزال دون حل. وقد حدثت كلتا المواجهتين بسبب جوانب من السياسة الخارجية القطرية تتمثل في دعمها للإسلاميين والحركات السياسية الشعبية الأخرى، وتحالفها الوثيق مع تركيا، وسياستها الخاصة مع إيران.
ولا شك أنه ستكون هناك بعض التغييرات في السياسة القطرية استجابةً لإنهاء الحصار، لكنها بالتأكيد لن تلبي المطالب الثلاثة عشر الأولية، فلن يتم إغلاق “الجزيرة” ومن غير الواضح تمامًا إلى أي مدى ستتغير لهجتها التحريرية إن وجد شرط بذلك. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الدوحة ستنأى بنفسها عن أنقرة. بينما ستولي السعودية اهتمامًا خاصا بعلاقة قطر بشخصيات ومجموعات معارضة من السعودية ودول خليجية وعربية أخرى.
بالنسبة لقطر، تعد هذه السياسات تعبيرا عن استقلالها السيادي. وقد نجت من الحصار، مع القليل من المساعدة من أصدقائها، ولعل الحديث عن إجبار قطر لجيرانها على الوصول إلى شروط تبدو مواتية تمامًا من منظور قطري، يمكن أن يغذي شعورًا مضللًا. في المقابل، قد يؤدي ذلك إلى استمرار الدوحة في رفض أخذ مصالح جيرانها في الاعتبار، والاعتماد على شراكتها مع واشنطن والتحالف الوثيق مع تركيا.
وإذا كان الأمر كذلك، فهناك احتمال قوي لتكرار التجربة بعد اتفاقية 2014، عندما اعتقدت السعودية والإمارات أن قطر تصرفت بحذر شديد لعدة أشهر ولكن في غضون عام اعتبرت الرياض وأبوظبي أن الدوحة تقوض مصالحهما على مجموعة من الجبهات.
وكانت تجربة 2014 عاملاً رئيسياً في إثارة الغضب الذي أدى إلى حصار 2017. لكن هذا الخلاف أنتج مستويات غير مسبوقة من المرارة، وشعور شخصي للغاية بالنسبة للعديد من المواطنين، وترك ندوبًا عميقة من الشعور بالغضب والخيانة والعزلة لا يمكن التغلب عليها بسهولة.
وقد ينهار اتفاق المصالحة الأخير تحت وطأة الخلافات المستمرة بين قطر وجيرانها، وقد تندلع مواجهة خليجية أخرى في وقت ليس ببعيد. ومع ذلك، فإن الاتفاقية الجديدة ستظل فرصة لحل الخلافات مع قدر أقل من الحقد العام والاضطراب الاستراتيجي.