شهدت الأيام الماضية فضيحة كبرى لنظام محمد بن سلمان بعد اعتقال مواطن وهو يتلو القرآن الكريم في مكان عام، بتهمة “مخالفة الذوق العام”.
وأثار الحدث ضجة على مواقع التواصل بسبب شناعة التهمة وسبب الاعتقال في بلاد الحرمين، ولكن هل هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف القرآن وأهله؟
إذ تعددت صور حرب بن سلمان على الإسلام وأهله، فما بين اعتقال العلماء والتضييق على المساجد وشيطنة التيارات الإسلامية واعتقال المعتمرين وفسح المجال للطعن في وثوابت الدين وغيرها.
وكانت إحدى صور محاربته للدين محاربة القرآن نفسه وأهل القرآن بأساليب مختلفة ووسائل شتى.
ولأن للقرآن الأثر الأكبر في تربية النفوس وتزكيتها، ولأهله دور مهم في توعية الناس وتنبيههم من خطر الانحراف وتحذيرهم من موجات التغريب والانحلال والإفساد التي انتشرت في عهد بن سلمان.
كان لا بدّ من ردعهم وإخفات أصواتهم، وهذا ما قام به نظام بن سلمان بطرق شتى في مقدمتها اعتقال أهل القرآن من المقرئين والمشايخ والعلماء بل وحتى الناشطين لدعم مراكز التحفيظ.
فقد شهدت المملكة سلسلة اعتقالات طالت عددًا كبيرًا منهم، وتعرّض عدد منهم للتعذيب وسوء المعاملة في سجونهم، ومن أبرزهم:
إمام الحرم المكي الشيخ صالح آل طالب مؤسس جمعية “ورتِّل” الذي اعتُقل في 2018، ورغم صدور حكم براءته قبل أيام إلا أن محكمة الاستئناف الجزائية نقضت الحكم وقضت بسجنه بـ 10 سنوات إضافية.
الشيخ ناصر العمر أستاذ في علوم القرآن والرئيس السابق لرابطة علماء المسلمين، اعتُقل في 2018.
الشيخ الدكتور عبدالله بصفر، الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، تم اعتقاله في أغسطس 2020، بعد انتشار مقطع فيديو قديم له في 2014، وهو يؤم المصلين في أحد مساجد تركيا المشهورة، وكانت تهمته “قبول دعوة من جمعية تركية”، تصنفها سلطات المملكة على أنها إرهابية.
الشيخ عامر المهلهل، إمام جامع أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بحي الزهراء بجدة، تم اعتقاله بتهمة “إدارة منصات التواصل الاجتماعي” للشيخ عبدالله بصفر.
الداعية غرم البيشي، عُرف بنشاطه في جمع التبرعات لمراكز تحفيظ القرآن في المراكز النائية، اعتُقل في 2017.
الشيخ الدكتور على بادحدح المختص بعلوم الحديث وأحد أبرز المساهمين في تأسيس جمعيات لتحفيظ القرآن في المملكة، اعتُقل في 2017.
الشيخ عبدالمجيد الأركاني الذي عمل إمامًا لعدة مساجد في المملكة، اعتُقل في 2020 بتهمة تبادل تبريكات العيد مع أكاديمي تركي، وتعرَّض لتعذيب شديد في سجنه.
القارئ الشيخ الدكتور عبد المحسن الأحمد، اعتُقل في 2017.
الشيخ الدكتور مساعد الطيار، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الملك سعود، اعتُقل في 2018
القارئ والمنشد ربيع حافظ والذي كان يؤم المصلين في صلاة التراويح في عدد من مساجد المدينة المنورة، اعتُقل في 2017 بدون تهمة!
القارئ أسامة الحسني والذي تم توقيفه في المغرب في 2021 وترحيله للمملكة (بناءً على طلب حكومة المملكة) ليُعتقل بعد ذلك وتنقطع أخباره.
النساء لم يسلمن أيضًا من بطش بن سلمان، حيث تم اعتقال الداعية المعروفة عائشة المهاجري (65 عامًا) بعد مداهمة عدد كبير من عناصر المباحث لمنزلها في مكة في 2021، بسبب نشاطها الدعوي وتحفيظ القرآن في منزلها.
فيما أكّد أبناؤها تعرّضهم للتهديد بالاعتقال حين ذهابهم للسؤال عنها.
ومن الذين تم الإفراج عنهم الشيخ محمد بن صالح المقبل، رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمذنب، وتمّ الإفراج عنه في 2018 بعد سنة من الاعتقال بلا تهمة.
فيما تُوفّي الشيخ الدكتور أحمد العماري، عميد كلية القرآن الكريم بجامعة المدينة المنورة في يناير 2019 بعد أشهر من اعتقاله.
على صعيد آخر، قامت السلطات في 2019 بإغلاق عدد من معاهد ومراكز تحفيظ القرآن في المملكة، والذي أثار ضجة كبيرة ولاقى انتقادًا واسعًا على منصات التواصل.
وفي أغسطس 2021 صدر قرار بدمج مدارس تحفيظ القرآن الحكومية المنتشرة في البلاد إلى مدارس التعليم العام قبيل انطلاق العام الدراسي.
وفي مايو 2021 صدر قرار منع مكبرات الصوت في المساجد أثناء الصلوات في محاولة لإماتة المظاهر الإسلامية من حياة الناس بينما تنتشر مكبرات الحفلات والغناء في الأسواق والطرقات العامة.
ورغم المناشدات المواطنين الكثيرة عبر هاشتاقات عدة بإلغاء القرار إلا أن السلطات تجاهلت الأمر.
وشهد شعر رمضان الماضي قرارًا مماثلًا لم يجد الناس تفسيرًا له إلا في سياق محاربة بن سلمان للقرآن والإسلام بعدما أصدرت السلطات قرارًا تمنع فيه الأئمة والمصلين من تصوير صلاة التراويح في المساجد ومنع نقلها عبر وسائل الإعلام أو على منصات التواصل، وتوعّدت المخالفين بالعقوبات.
كما أن مناهج التعليم المدرسية هي الأخرى نالها نصيبٌ من عداء بن سلمان فقد تم دمج مواد القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في مادة واحدة للمرحلتين المتوسطة والابتدائية وتقليص مجموع حصصهما.
وتساؤل مواطنون كيف سينشئ الجيل الجديد وهو بعيد عن القرآن بعد تقليص مواده في التعليم وغلق معاهد تحفيظه وتعليمه؟
ويجمع مراقبون على أن بن سلمان يُدرك أن القرآن وأهله هما الجدار الأقوى الذي يقف أمام مشاريعه التغريبية، وأن تمسّك شعب المملكة بالقرآن والإسلام هو أصعب ما يواجهه لتنفيذ ذلك.
ولذلك يسعى بكل الوسائل لمحاربة أهل القرآن ومراكز تحفيظه. ولكنه لن ينجح بإذن الله ما دام شعب المملكة معتزٌّ بدينه وقرآنه.