هز الرئيس الأمريكي “جو بايدن” صورة المدافع عن الديمقراطية والحقوق الأساسية التي حاول جاهدا رسمها لنفسه، خلال أقلّ من 24 ساعة قضاها في السعودية، وفق تقرير لوكالة “فرانس برس”.

وأضافت الوكالة أن الوعود التي يُطلقها كل سياسي ترسم ملامح مسيرته في السلطة وترتدّ عليه لاحقا، عندما تُقارن بالوقائع.

وبالنسبة للرئيس الأمريكي، البالغ من العمر 79 عاما، يتعلّق الأمر بتعهّده خلال حملته الانتخابية معاملة المملكة العربية السعودية على أنها “منبوذة”.

ويظهر أيضا الإعلان الذي أطلقه في الرابع من يوليو/تموز 2021 حول مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية؛ حيث قال يومها: “نقود بقوة مثالنا وليس بمثال قوّتنا. نحن جزء من شيء أكبر منّا بكثير. نقف كمنارة للعالم”.

وتساءلت “فرانس برس” كيف يمكن التوفيق بين هذه الكلمات وتغطية الصحافة الأمريكية، السبت، في الوقت الذي كان يختتم “بايدن” زيارة سريعة للمملكة الغنية بالنفط؟

فقد اتشحت العديد من الصحف بالصورة نفسها: “قبضة اليد”، أي تحية “جو بايدن” لولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان” من قبضة إلى أخرى، لدى استقباله في القصر الملكي في جدة.

إنه الرجل ذاته الذي صنّفته الولايات المتحدة، بدفعٍ من “جو بايدن”، على أنه راعٍ لاغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقي” في العام 2018.

 

تباعد انتقائي

سعى البيت الأبيض إلى نزع الألغام من اجتماع كان يعرف أنه متفجّر. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست”، التي كان يكتب فيها “خاشقجي”، مقالات معارضة للمملكة قبل مقتله، مقالاً للرئيس يتحدّث فيه عن رحلته.

في بداية جولته الأولى في الشرق الأوسط، التي أخذته إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية، أوضح فريق الإعلام أنّ “بايدن” سيتخذ احتياطات صحية إضافية بسبب كوفيد-19. اشتبه الصحفيون على الفور بأنّه يريد تجنّب مصافحة الرجل القوي الحقيقي في المملكة.

لم يلتزم الرئيس بهذه التعليمات خلال زيارته الودية إلى الدولة العبرية، حيث ضاعف المصافحات والعناق. لكن في جدّة، فضّل السلام بقبضة اليد، على اعتبار أن ذلك سيكون أكثر أماناً من الفيروس، غير أنه لم يحصّن “بايدن” من العاصفة الإعلامية.

وصف “فريد رايان”، المدير التنفيذي لـ “واشنطن بوست” الأمر بأنه “أسوأ من المصافحة”، وقال في بيان: “لقد أظهر شعوراً بالحميمية والراحة التي تمنح محمد بن سلمان إعادة التأهيل غير المشروطة التي يتوق إليها”.

لم يرَ الصحفيون الموجودون ضمن وفد “بايدن” المشهد، فعند وصولهم إلى بوابات القصر السعودي كان الرئيس الأمريكي قد دخل، لكن وسائل الإعلام السعودية الرسمية سرعان ما بثّت هذه الصورة التي انتشرت على الفور وتلتها صور أخرى للرجلين.

كذلك، لم يتمكّن الصحفيون المعتمدون في البيت الأبيض، الذين كانوا موجودين في غرفة صغيرة في القصر، من حضور إلّا اجتماعا واحدا للوفدين الأمريكي والسعودي الجمعة، حيث أدلى الرئيس ومضيفه بتصريحات مقتضبة.

وكان من المستحيل سماع ما يقولانه، لا سيّما أن المراسلين الذي كانوا بعيدين عن طاولة الاجتماع الكبيرة، ولم يُسمح لهم بحمل الميكروفونات المستخدمة تقليديا في التلفزيون والراديو لالتقاط الأصوات بشكل أفضل. بعد ذلك، نظّم الفريق الأمريكي إيجازا صحفيا على عجل.

 

قطرة نفط

قال “بايدن”، الذي بدا متوترا، إنه طرح قضية الاغتيال “في بداية” اجتماعه مع ولي العهد، مُطلعاً إياه “بشكل واضح على ما كنت أفكّر فيه في ذلك الوقت وما أفكّر فيه الآن”.

والسبت، أعلن الرئيس الأمريكي، الذي يسعى لتصوير نفسه على أنه قائد معركة الديموقراطيات في وجه الأنظمة الاستبدادية، خلال اجتماع مع “بن سلمان” وقادة عرب، أن “المستقبل ينتمي إلى الدول (…) التي يمكن لمواطنيها استجواب وانتقاد قادتهم من دون الخوف من الانتقام”.

وفي إسرائيل، أكد بايدن “لا أسكت أبداً عندما يتعلّق الأمر بالحديث عن حقوق الإنسان. السبب وراء مجيئي إلى السعودية أوسع بكثير. إنه تعزيز مصالح الولايات المتحدة”.

ويعني ذلك تجديد العلاقات مع حليف استراتيجي قديم لواشنطن ومستهلك رئيسي للأسلحة ومورّد لا غنى عنه للنفط.

يحتاج “جو بايدن” إلى إنتاجٍ أكثر غزارة للنفط من أجل خفض أسعار الوقود المرتفعة التي قد تؤثر على وضع حزبه الديمقراطي في الانتخابات التشريعية المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني.

وكتب “كينيث روث”، المدير التنفيذي لـ “هيومن رايتس ووتش”، السبت، عبر تويتر: “المستبدّون يبتسمون، يمكن بيع دعم بايدن لحقوق الإنسان مقابل قطرة من النفط”.

فيما اعتبرت “ياسمين فاروق”، من مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، خلال أحد النقاشات أخيراً أنه “إذا كان هناك بلد يمكنه أن ينتزع من السعودية تقدّما في مجال الحقوق الإنسان، فهو الولايات المتحدة. (…) إذا قرّروا أنّ في ذلك مخاطر كبيرة، أو أن التحدّث مع السعوديين حول القيم وحقوق الإنسان سيستغرق وقتاً طويلاً، فلن يفعل ذلك أي أحد آخر”.