بعد مرور 19 عاماً على هجمات 11 سبتمبر، التي استهدفت مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون عام 2001 وأودت بحياة ثلاثة آلاف شخص وصفت بأنها أكبر هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية، مرت السعودية والولايات المتحدة بأزمات أمنية مختلفة وترت الأجواء بين البلدين.

ورغم ما واجهته العلاقات السعودية الأمريكية خلال السنوات الماضية من تحديات كبيرة، إلا أن الدولتين نجحتا في تجاوزها لضرورات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات وما تفرضه من المصالح الحيوية بينهما.

 

هجمات سبتمبر و”جاستا”

لعل أبرز أزمة واجهتها السعودية مع أمريكا كانت في 11 سبتمبر عام 2001، عندما استهدف مسلحون مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، ووجهت دوائر عديدة في الولايات المتحدة سهام الانتقاد إلى السعودية، بسبب كون 15 شخصاً من أصل 19 اختطفوا الطائرات التي استخدمت في الاعتداءات كانوا يحملون الجنسية السعودية.

ورغم انفراج العلاقة بين واشنطن والرياض بعد أحداث سبتمبر، من خلال صفقات السلاح، إلا أن قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” المسمى بـ”جاستا”، الذي يسمح برفع دعاوى ضد السعودية وضعها مع ترامب في مأزق.

ويعتبر مشروع قانون “جاستا” المعلّق في الكونغرس الأمريكي منذ 2016، واحداً من أقوى الأسلحة الأمريكية التي يتم التلويح بها في وجه الرياض بين حين وآخر.

ورغم عدم إقرار القانون بشكل نهائي حتى الآن، فإن تصاعد التهديدات التي يطلقها من حين لآخر الجانب الأمريكي، حكومة كان أو معارضة، كلما تعلّق الأمر بدعم الإرهاب، يجعل العلاقات بين البلدين مرشحة للتوتر في أي لحظة، رغم قوتها.

وخشية من فرض القانون، هددت السعودية بشكل غير مباشر ببيع ما يصل إلى 750 مليار دولار في سندات الخزينة الأمريكية للأوراق المالية وغيرها من الأصول إذا تم تنفيذ القانون، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قالت: إن “المملكة من غير المرجح أن تفعل مثل هذه التهديدات”، معتبرة أن مثل هذا البيع سيكون “من الصعب تنفيذه، وفي نهاية المطاف سيشل اقتصاد المملكة”.

يقول علي باكير الباحث في العلاقات الدولية، أن الرياض فقدت الدعم داخل المؤسسات الأمريكية نتيجة سياساتها خاصة حرب اليمن والأزمة الخليجية والتورط في الضغط على العديد من البلدان”.

وأضاف باكير في حديث لـ “الخليج أونلاين” أن “ترامب هو الداعم الحقيقي للرياض حالياً ويعرقل أي محاولة لمعاقبة المملكة على سياساتها، ولكن مأزق ترامب الحالي السياسية والاقتصادية والأمنية ما يجعله في وضع حرج وإذا ما نجح الديمقراطيون في إسقاطه فستتغير سياسة واشنطن تماماً اتجاه الرياض”.

كما اعتبر أن المملكة ليست في موقع مقاومة أي تحول في السياسة الأمريكية ضدها، لذلك إذا ما تحولت فإن السعوديين مضطرين للخضوع نظراً لقدرة واشنطن على معاقبتها، لذلك نحن مقبلين على مرحلة تحول هامة ولكن هذا يعتمد على مستقبل ترامب والسياسات الأمريكية خلال المرحلة المقبلة”.

 

قضية الطالب الدوسري

وفي فبراير 2011 اعتقلت السلطات الأمريكية، الطالب خالد الدوسري، بعدما زعمت أنه متهم بمحاولة استخدام سلاح دمار شامل، ويسعى للحصول على مواد كيمياوية لصنع قنبلة، لاستهداف منزل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في دالاس، ومحطات للطاقة النووية وجسور في البلاد، لتتقلص بعد ذلك إلى تهمة واحدة تتعلق بحيازته أسلحة دمار شامل.

وأصدر القضاء الأمريكي في 2013 حكماً بالسجن مدى الحياة على الدوسري، وفقاً لقانون “باتريوت أكت”.

وعلى ضوء ذلك عينت وزارة الخارجية السعودية في فبراير 2017، فريقاً قانونياً جديداً للدفاع عنه، إثر إلغاء صلاحية المحامي السابق الذي وكلته شركة “سابك” للترافع في قضيته.

 

تهريب طلاب مبتعثين

لم تتوقف الأزمات الأمنية عند ذلك الحد، فقد وجهت اتهامات للحكومة السعودية بتهريب طلاب مبتعثين متهمين بقضايا جنائية بعضها جسيمة، فيما طالب مسؤولين أمريكيين بمحاسبة وطرد المسؤولين السعوديين الذين تثبت تورطهم بذلك.

ويقول موقع “أوريغون لايف” الأمريكي، أن السلطات الأمريكية ألقت القبض في ديسمبر 2014، على طالب سعودي اسمه عبد العزيز الدويس، بتهمة الاغتصاب وتم تغريمه مبلغ نصف مليون دولار، وحجز جواز سفره، قبل أن يفرج عنه بكفالة من السفارة السعودية ويختفي.

لم تكن هذه القضية الأولى التي فرّ فيها أحد السعوديين المتهمين بقضايا جنائية، فلقد سبق ذلك أن أُبلغ عن فرار عبد الرحمن سمير نواره، الطالب في كلية بورتلاند الأهلية، بعد أن خرج بكفالة، حيث كان مسجوناً بقضية مقتل فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، فيما اتُّهم سعودي آخر بقتل مراهق في بورتلاند، ويُعتقد أن السلطات السعودية ساعدته في الهرب.

ويشير الموقع إلى أنه بعد التحرّي كُشف عن وجود 5 حالات مماثلة لمبتعثين سعوديين متهمين بقايا اغتصاب وقتل وتحرّش بالأطفال، تم تهريبهم من قبل السلطات السعودية في الولايات المتحدة، ملمحاً إلى إمكانية أن يكون أولئك المبتعثون على صلة وارتباط بأجهزة سعودية أمنية.

وطالب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في رسالة وجّهها نيابة عنه النائب العام ماثيو ويتاكر للسعودية، بضرورة الكشف عن اختفاء المبتعث السعودي عبد الرحمن سمير نواره، المتّهم بقضية قتل.

كما تم تقديم تشريع جديد في الكونغرس الأمريكي في فبراير من العام الماضي، عبر كل من السيناتور جيف ميركلي والسيناتور رون إيدن، ويشمل في بنوده عدداً من المطالب الرئيسية، وفي مقدمتها  حث الرئيس دونالد ترامب على “إعلان أي دبلوماسي سعودي متورط في هروب عبد الرحمن سمير أو علي حسين الحمود كشخص غير مرغوب فيه”.

كما يطالب وزارة الخارجية بـ”عدم اعتماد أي دبلوماسي في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس إلى أن يتم إعادة المتهمين الفارين إلى الولايات المتحدة مرة أخرى كي تتم محاكمتهم”، إضافة إلى المطالبة بـ”إغلاق أي قنصلية أو سفارة في الولايات المتحدة تبين أنها ساعدت مواطنا أجنبيا على الهروب من المحاكمة في الولايات المتحدة”.

 

هجوم فلوريدا

وشكلت عملية إطلاق النار في قاعدة عسكرية بولاية فلوريدا، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين إلى جانب المهاجم وإصابة سبعة آخرين، في ديسمبر 2019، صدمةً في الولايات المتحدة وإحراجاً كبيراً للسعودية بعد أن أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أن المهاجم محمد الشمراني، عنصر في القوات الجوية السعودية وكان ضمن بعثة تدريبية الى الولايات المتحدة.

وحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، أكد العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وقوف بلاده إلى جانب الولايات المتحدة وأصدر توجيهاته للأجهزة الأمنية السعودية للتعاون مع الجهات الأمريكية المعنية لكشف ملابسات الهجوم.

ونقلت وكالة “رويترز” عقب الحادث عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن التدريب العملي لأكثر من 300 سعودي يدرسون الطيران العسكري قد “توقف مؤقتاً توخياً للسلامة” بعد حادث القاعدة البحرية الأمريكية في ولاية فلوريدا.

وبعدها بشهر في 13 يناير 2020، أعلنت وزارة العدل الأمريكية أن الولايات المتحدة ستعيد 21 متدرباً عسكرياً سعودياً إلى المملكة عقب التحقيقات المرتبطة بعملية إطلاق النار الدامية في احدى القواعد العسكرية.