أكد موقع “يوراسيا ريفيو” الأميركي أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، فشلا في تنفيذ ما يسميانه “الإصلاح الديني”، من أجل تطويع أحكام الفقه الإسلامي لخدمة استبدادهم.

وفي مقال للكاتب جيمس دورسي، أرجع الموقع أسباب ذلك الفشل إلى عجز الشيوخ التابعين للسلطة عن تغيير أحكام الفقه الإسلامي في ظل أنهم لا يريدون المساس بالطاعة المطلقة لولي الأمر.

 

غطاء الإصلاح

وقال “دورسي”، إن الحظر الذي تفرضه طالبان على تعليم النساء وعمل بعضهن كان له عواقب غير مباشرة، منها أنه أثار دعوات “إصلاح أحكام الشريعة الإسلامية” في السعودية.

وأشار إلى أن الدعوات التي أطلقها مفكرون سعوديون بارزون لإصلاح الشريعة من المرجح ألا تعزز فقط الجهود لجعل الشريعة الإسلامية صالحة للقرن الحادي والعشرين، ولكنه أيضا سيبرز الجدل حول ماهية الإسلام “المعتدل”.

وفي هذا السياق، يتبادر إلى الذهن كل من ابن سلمان، وابن زايد، بالإضافة إلى الأزهر، قلعة التعليم الإسلامي في القاهرة.

وأكد “دورسي” أنه على العكس من التصورات الشائعة، فقد تضمنت الإصلاحات السعودية والإماراتية واسعة النطاق- التي تمت في السنوات الأخيرة- تغييرا اجتماعيا وليس إصلاحا فقهيا.

فقد أدرك قادة السعودية والإمارات حاجتهم إلى التغيير الاجتماعي لتقوية صورتهم كقادة مسلمين معتدلين، وتهيئة الظروف التي تمكنهم من تنويع اقتصاداتهم المعتمدة على النفط.

لكنهم – في المقابل- رأوا أن الإصلاح الفقهي خطوة بعيدة المنال بشكل كبير، إلى جانب أنهم أرادوا استغلال بعض النصوص الدينية التي تأمر بالطاعة المطلقة لولي الأمر، حسب المقال.

ويضيف الكاتب أن الشيوخ المرتبطين بالحكومات فشلوا في ترسيخ فقه جديد مناسب، رغم اشتغالهم على مدى عقدين بإصدار إعلانات ومواثيق سامية يزعمون أنها تعزز السلم، والحوار بين الأديان، والاحترام المتبادل، والتسامح، وحقوق الأقليات.

وبالحديث عن التغيير المجتمعي، فقد تضمنت الإصلاحات في السعودية رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وتعزيز الحقوق الاجتماعية والمهنية للنساء، وتطوير قطاع ترفيهي على النمط الغربي، وتقليص سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي الوقت نفسه، برزت الإمارات كواحدة من أكثر دول العالم الإسلامي تحررا على المستوى الاجتماعي، حسب وصف المقال.

وزعم الكاتب أن “القادة الاستبداديين أمثال ابن سلمان وابن زايد دعموا ضمنيا- على أقل تقدير- التحفظ الذي أبداه بعض رجال الدين والعلماء المسلمين المتحالفين معهم على فكرة إصلاح الفقه”.

 

إستراتيجية البقاء

في المقابل، أشار إلى أن حركة “نهضة العلماء” في إندونيسيا تَنظر للإسلام بمنظور إنساني يؤكد أهمية التجديد الفقهي، ويضمن التعددية، ويتبنى حقوق الإنسان بشكل لا لبس فيه.

لكن يناصر كل من ابن سلمان وابن زايد الإصلاحات الاجتماعية التي تعزز الحكم الاستبدادي المطلق، حسب الكاتب.

ولهذه الغاية، ما انفك رجال الدين المتحالفون مع حكام السعودية والإمارات يؤكدون على النصوص الدينية التي تأمر الرعية بطاعة الأمير بشكل مطلق.

وشدد على أن “مشكلة الحكام المستبدين تكمن في أن إصلاح الفقه الإسلامي يتحدى ركيزة أساسية من إستراتيجية البقاء لديهم”.

وبهذه الطريقة، يستطيع المستبدون التخلص ممن يوجه انتقادات إلى حكمهم الوحشي والقمعي الذي لا يحتمل أي معارضة، بل ربما هذا الحكم الوحشي نفسه هو سبب لانتشار العنف، وفق دورسي.

هذا علاوة على أن الحكام المستبدين يتذرعون بضرورة استمرار حكمهم الشمولي لمحاربة الجهاديين وتعزيز “الإسلام المعتدل”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ورغم اعتبار الكاتب أن حركة “نهضة العلماء” الإندونيسية تتبنى حقوق الإنسان بشكل لا لبس فيه- على النقيض من ابن سلمان وابن زايد- إلا أن من الواضح أن للحركة ذاتها صلات بالنظام السعودي.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، اختارت الحركة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى؛ ليشاركها في رئاسة أول قمة دينية ضمن أعمال مجموعة العشرين، وهو الشخص المعروف بقربه من ولي العهد السعودي.

وفي مقابلة في أبريل/ نيسان 2022، أكد ابن سلمان أنه هو المسؤول عن تطبيق أو تغيير أحكام الشريعة من خلال تسمية نفسه كمفسر رئيس للشريعة الإسلامية.

وقال ولي العهد السعودي، إن “رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر. لذلك فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يُتخذ القرار النهائي من الملك”.

ورغم أنه “من النادر أن يلتمس ابن سلمان رأي علماء المسلمين لتبرير سياساته”، إلا أنه “يضع الدين في خدمة سياساته، في الوقت الذي يحتج فيه على استخدام الدين من قبل خصومه”.

وحسب دورسي، فقد أصر الحكام المسلمون على مدى أكثر من عقدين، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، على أن الفقه الإسلامي لا يحتاج إلى إصلاح، وبدلا من ذلك، أكدوا أن الجهاديين هم الذين يحرفون الدين ويسيئون فهمه.

 

“فقه معاصر ”

ومع ذلك، تشير المقالات الأخيرة في وسائل الإعلام السعودية التابعة للحكومة إلى أن هؤلاء المستبدين باتوا يرون أنه من المهم إصلاح المنظومة الفقهية.

فبدوره، قال كاتب العمود في صحيفة عكاظ والمحامي المقيم في جدة، أسامة اليماني، إنه “ليس من العقل ولا المنطق أن يحكم هذا التراث حاضرنا ومستقبلنا ولا أن يكون مرجعيا لنمط تفكيرنا”.

وأضاف الكاتب السعودي أنه “يجب على جميع المؤسسات الدينية أن تعمل على وضع فقه معاصر يغرس روح التسامح وحب الحياة”، مشيرا إلى أن “العالم الإسلامي ينتظر المملكة لتقوده نحو هذا فقه معاصر”.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، طالب المدير العام لقناتي “العربية” و”الحدث” السعوديتين، ممدوح المهيني، بإصلاحات دينية شبيهة بما فعله الراهب الألماني، مارتن لوثر.

وعلق “دورسي” على هذه الدعوة بأنه وعلى الرغم من أن الكاتب لم يذكر ابن سلمان تحديدا، إلا أن السياق يدلل على أن ابن سلمان هو المقصود بقيادة هذه الإصلاحات الدينية.

وقال “المهيني”، إن “سؤال أين لوثر المسلم؟ خاطئ، والسؤال الصحيح أين فريدريك الثاني ملك بروسيا (الملقب بالمستبد المستنير) الذي احتضن الفلاسفة الكبار في أوروبا مثل كانط وفولتير، وفتح لهم أجواء الحرية في الفكر والبحث العلمي حتى انتشرت أفكارهم”.

ويرى المقال أنه من المحتمل أن تسهم دعوات الكتاب السعوديون في خلق بيئة تدفع ابن سلمان إلى تبني فكرة إصلاح الفقه الإسلامي.

ولتحقيق هذا الهدف، سوف يستخدم ابن سلمان وصاية المملكة على أقدس المدن الإسلامية، مكة والمدينة، وتأثير إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية، وتواصله مع قادة العديد من الأديان، هذا فضلا عن المقومات الاقتصادية للسعودية.

ويعتقد الكاتب أن ابن سلمان سيحاول أن يلحق بحركة “نهضة العلماء”، التي قضت، في عام 2019، أن “وصف “الكافر” لم يعد له صلة بالحاضر ولا ينطبق في سياق الدولة القومية الحديثة”.

كما أن الحركة ذاتها– التي سيقتدي بها ابن سلمان- أعلنت في أوائل فبراير/ شباط 2023، أنها سوف تستبدل “مفهوم الخلافة أو الدولة الإسلامية العالمية الموحدة بمفهوم الدولة القومية”، هذا علاوة على تضمين ميثاق الأمم المتحدة في الشريعة الإسلامية.

وتحتج هذه الحركة بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتقويض جذور التنظيمات الجهادية، غير أن ترسيخ ميثاق الأمم المتحدة في أحكام الشريعة من شأنه إلزام الأنظمة غير الديمقراطية باحترام حقوق الإنسان، يختم الكاتب.