تناولت دراسة بحثية صادرة عن مركز “أسباب“، محادثات السعودية وجماعة أنصار الله “الحوثيين” لإنهاء الحرب في اليمن، معتبرة أن رغبة الرياض لا تكفي لإنهاء الحرب.

ومؤخرا نقلت وكالة “أسوشييتد برس“، عن مسؤول في الأمم المتحدة، أن السعودية وجماعة الحوثيين أعادوا إحياء المحادثات الثنائية ، حيث يأمل الجانبان في تعزيز وقف إطلاق النار غير الرسمي، وتمهيد الطريق لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة.

وقد فرضت ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية ضغوطاً اقتصادية كبيرة على كل من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والحوثيين، الأمر الذي دفع كلا الطرفين إلى القبول بوساطة الأمم المتحدة لعقد هدنة، والتي تم الإعلان عنها في مطلع أبريل/نيسان الماضي، بموافقة ودعم من المملكة التي تسعى بدورها لإنهاء ملف الحرب.

وتضمنت الهدنة وقف جميع العمليات العسكرية داخل وخارج اليمن، على أمل أن تكون تلك الخطوات بمثابة تمهيد لوقف دائم لإطلاق النار، والذي من شأنه أن يمهد الطريق لاتفاق سلام شامل.

وفي هذا الإطار سعت الرياض إلى تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مع الحوثيين، من خلال تزامن الهدنة مع ضغوطها التي أثمرت تشكيل مجلس الرئاسة اليمني بمكونات سياسية وعسكرية متباينة، وإبعاد الرئيس “هادي” ونائبه اللواء “علي محسن الأحمر”، باعتبارهما أحد المعوقات الرئيسية لانخراط الحوثيين في مفاوضات مع التحالف الذي تقوده الرياض.

من جهة أخرى، استهدفت السعودية من خلال إطلاق مباحثات مباشرة مع إيران في العراق أن ينعكس هذا على تقدم مفاوضات إنهاء الحرب في اليمن، كما سعت لدى روسيا والصين كي يمارسا ضغوطا على طهران والحوثي لمنع التصعيد.

دفعت الهدنة التي تم تجديدها مرتين وانتهت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التحالف العسكري الذي تقوده السعودية بضبط نشاطه العسكري، في حين توقف الحوثيون عن هجماتهم عبر الحدود، ضد السعودية والإمارات.

وبالرغم من احترام طرفي الصراع الهدنة ضمنيا بعد انتهائها في أغلب الأحيان، فإن الحوثيين كانوا هم الطرف الأقل التزاماً؛ حيث شكلت هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار والمدفعية التي قام بها الحوثيون حوالي 97% من انتهاكات الهدنة، كما حصل الحوثيون على تنازلات مهمة من الحكومة اليمنية والتي تشمل فتح مطار صنعاء وتخفيف الحصار عن ميناء الحديدة، بينما رفضوا الوفاء بالتزاماتهم برفع الحصار عن “تعز” لدخول المساعدات الإنسانية.

تزامناً مع انتهاء الهدنة انخرطت أطراف الصراع المحلية في حرب اقتصادية حادة، حيث شنت قوات الحوثيين عدة هجمات بطائرات بدون طيار على موانئ النفط في جنوب اليمن.

ما أدى إلى تعطيل صادرات النفط وقطع أحد أهم المصادر الحيوية لإيرادات الحكومة اليمنية، وفي المقابل قامت الأخيرة بتصنيف الحوثيين على أنهم جماعة إرهابية، وتعهدت باستهداف مصالحهم المالية والإعلامية.

اتجهت السعودية مع نهاية الهدنة إلى فتح قنوات تواصل مع الحوثيين عبر وساطة من المسؤولين العُمانيين، حيث تستهدف الرياض من تلك الخطوة ليس فقط الإبقاء على خفض التصعيد لتقليل مخاطر تعرض منشآتها النفطية وأهدافها الحيوية لهجمات الحوثيين، ولكن أيضا إنهاء الحرب عموما، والتوصل لترتيبات نهائية حول مستقبل اليمن.

ترتكز مطالب الحوثيين خلال المحادثات على اتفاق مكتوب ومفصل يفي بمطالبهم، سواء إنهاء القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع جميع رواتب موظفي الدولة -بما في ذلك إلى الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة للحوثيين- مقابل هدنة طويلة الأجل.

أو توقف السعودية عن دعم قوات التحالف ومساهمتها بأموال لإعادة الإعمار مقابل إنهاء الحر.، بينما تسعى الرياض إلى التوصل لتفاهمات تنهي الحرب دون الالتزام باتفاق مكتوب.

تستشعر السعودية بضغوط متزايدة جراء تدخلها المكلف في اليمن، ويعود ذلك إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها تزايد الفجوة بين واشنطن والرياض حول الحرب في اليمن.

فضلا عن الإدانات الدولية التي تتعرض لها المملكة بسبب الأوضاع الإنسانية في اليمن، وكذلك حالة الفوضى التي تبدو عليها الفصائل المواجهة للحوثيين التي تدعمها الرياض وأبوظبي.

وساهمت تلك العوامل في دفع السعودية لإجراء محادثات مع الحوثيين بهدف إنهاء الحرب أو تجميدها وتحقيق قدر ضئيل من الاستقرار في اليمن.

وبالرغم من جدية مساعي الرياض لإنهاء الحرب، فإن الفجوة بين مطالب الحوثيين التي تتزايد باستمرار والخطوط الحمراء للسعودية مازالت كبيرة؛ إذ من غير المرجح أن تؤيد الرياض أي مطالب ترسخ الهيمنة الكاملة للحوثيين على اليمن، كما لن تعقد السعودية صفقة دون التزامات واضحة من الحوثيين بشأن أمن الحدود.

بما في ذلك تعهدات بوقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على المملكة، ونقل الأسلحة الثقيلة والبعيدة المدى بعيدًا عن الحدود.

من الناحية العسكرية؛ لا يبدو الحوثيين متحمسين حاليا – لاسيما بعد خسائرهم في مأرب وشبوة– للمبادرة باستئناف المعارك، وربما يشير عدم إقدام الحوثيين على شن هجوم على محافظة مأرب منذ انقضاء الهدنة -بالرغم مما تمثله المحافظة الغنية بالنفط من أهمية حيوية- إلى حقيقة الأوضاع العسكرية للحوثيين في الوقت الراهن.

في الوقت نفسه، يواجه الحوثيون مشاكل اقتصادية معقدة، فبالرغم من سيطرتهم على مؤسسات الدولة إلا أن حقول النفط والغاز التي توفر مصدر حيوي للإيرادات لا تزال خارج سيطرتهم، الأمر الذي يجعلهم في وضع اقتصادي أسواء مقارنة بالحكومة اليمنية.

ترتكز التكتيكات التفاوضية للحوثيين على المشاركة في جهود وساطة الأمم المتحدة والمحادثات الثنائية مع السعودية، بينما يواصلون زيادة المطالب مع إظهار استعدادهم للحرب سواء على الجبهة الداخلية أو التلويح بمواصلة الهجمات الجوية على السعودية والإمارات كوسيلة للضغط ودفع الأطراف الأخرى إلى تقديم تنازلات كبيرة لمنع تجدد القتال.

على الجانب الآخر لا يبدو أن الفصائل التي تشكل المجلس الرئاسي الجديد سيكون لديها تأثير كبير على مسار المحادثات بين السعودية والحوثيين.

إذ تعاني تلك الفصائل من صراعات داخلية، وانخرطت بعضها في قتال للسيطرة على محافظة شبوه في أغسطس/آب الماضي، الذي وقع بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة من جهة (كلاهما مدعوم من الإمارات)، وقوات الجيش الحكومية الموالية لحزب الإصلاح من جهة أخرى.

كما انتقل التوتر إلى محافظة حضرموت بين نفس الأطراف وأطراف فاعلة محلية. كما توجد توترات بين قوات “المجلس الانتقالي” وقوات “المقاومة الوطنية” بقيادة “طارق صالح”، وهما من أبرز الفصائل التي تحظى بدعم واسع من أبوظبي.

تسببت تلك الأزمات في الحد من فاعلية المجلس وتهميش دوره في أي مفاوضات مستقبلية، وهو الأمر الذي وافق توقعاتنا في أسباب، عندما أشرنا إلى أن التحدي الرئيسي الذي سيواجه المجلس، هو مدى استطاعته البقاء كتحالف متماسك تحت قيادة موحدة قادرة على مواجهة الحوثيين سواء في الحرب أو المفاوضات.

خلاصة: لا يستهدف الحوثيون فقط تحقيق أقصى فائدة من المفاوضات مع السعودية، ولكن الأهم من ذلك أنهم يصرون على أن توقف الحرب لن يكون من خلال محادثات متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة.

ولكن عبر اتفاق ثنائي مع الرياض يستبعد جميع الفصائل اليمنية الأخرى، لكن وبالرغم من ضعف فاعلية المجلس الرئاسي، فإن مكوناته التي تمثل طيفا واسعا من أصحاب المصالح المتباينة، وتستمد دعمها من مصادر مختلفة، يمكن أن يؤدي استبعادها من المحادثات إلى عرقلة جهود تحويل أي اتفاق بين السعودية والحوثيين إلى تسوية سياسية دائمة.

من غير المرجح أن تسفر جولة المحادثات الحالية بين السعودية والحوثيين عن اتفاق حول القضايا الجوهرية المتعلقة بإنهاء الحرب وتقاسم السلطة وآلية توزيع عائدات تصدير النفط والغاز وإدارة موانئ البحر الأحمر؛ وحتى القضايا الجزئية الراهنة مثل فك الحصار عن مدينة تعز، ودفع الرواتب التي يطالب بها الحوثيون، فما زال من غير المؤكد أن يحدث توافق حولها قريبا.

توافر عوامل إطالة أمد الهدنة متمثلة في استمرار أزمات الغذاء والوقود الحادة في اليمن، وكذلك دخول السعودية في مفاوضات مع الحوثيين، لا يعني أن أيا من أطراف الصراع المختلفة لا تسعى إلى تعزيز قوتها العسكرية وانتظار اللحظة المناسبة لاستئناف القتال وتوجيه ضربات موجعة للآخر.

ونتيجة لتلك المعادلة التي تحكم المشهد اليمني؛ فإن تأخر الوصول إلى تسوية سياسية سيعني أن جولة أخرى من الحرب لا مفر منها.