نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، مقالا للكاتب ديفيد رونزنبرغ، مقالا سلط فيه الضوء على حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات السعودية ضد مثقفين وكتاب مؤخرا، مشيرا إلى أن المملكة تضلل العالم بخصوص المسار الذي تتخذه أثناء عملية التحول التي تشهدها.

وقال الكاتب في مقال نشره بالنسخة الإنجليزية للصحيفة: إن المراقبين للشأن السعودي فوجئوا بسماع نبأ اعتقال 8 مثقفين وكتاب، الأسبوع الماضي، من قبل سلطات المملكة.

 

اعتقال المعارضين

وتابع: “ليس لأن اعتقال المعارضين ليس شيئا عاديا في المملكة، ولكن لأن القيام بذلك تزامنا مع الاكتتاب العام لأسهم شركة النفط المملوكة للدولة أرامكو الذي تسعى من خلاله إلى جذب المستثمرين الأجانب، يبدو غريبا”.

ومضى الكاتب يقول: “لم يكن أي من الـ8 معارضين بارزين للنظام أو يمثلون أي نوع من التهديد الفوري للاستقرار السياسي”، مشيرا إلى أن “السعودية تجابه بالفعل سجلا إشكاليا للغاية في مجال حقوق الإنسان”.

وتساءل: “لماذا إثارة المشكلات بينما هي تحاول بيع الأسهم؟ يواجه الاكتتاب العام بالفعل اهتماما فاترا، والتقارير المتعلقة بالاحتجاز ستجعل من الصعب اصطفاف كبار المستثمرين من المؤسسات”.

لكن الكاتب لا يرى في الأمر مفاجأة، بالقول: “كل هذا منطقي تماما إذا ألقيت نظرة فاحصة على الطريقة التي يقود بها ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية”.

وأشار إلى أن “المواد الترويجية لـرؤية 2030، التي تمثل خطة ولي العهد الإستراتيجية للاقتصاد والمجتمع السعودي، تتخيل شيئا ما مثل ولاية كاليفورنيا الأكثر دفئا وجفافا – اقتصاد متطور في التكنولوجيا والتمويل والسياحة والترفيه يقوده رواد أعمال جريؤون. وبموجبها سيدفع النفط مقابل عملية التحول (وبالتالي الاكتتاب العام في أرامكو) ، لكنه سينحسر في أهميته مع ظهور السعودية الجديدة”.

وتابع الكاتب: “الرؤية أكثر من مجرد أعمال. يقوم ولي العهد بإجراء إصلاحات ليبرالية (على الأقل بالنسبة للمملكة)، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات، ودعوة النجوم العالميين إلى الغناء ، وتطوير المدن الكبرى ذات التكنولوجيا الفائقة والسماح للسائحين الذين يقضون إجازاتهم بالزيارة”.

 

نموذج الصين

ولفت إلى أنه “بطريقته الخاصة، يريد ابن سلمان حقا تحويل السعودية. ولكن حتى لو لم يتم التعبير عن الأمر علنا، فإن نموذجه الحقيقي هو الصين”.

وأردف الكاتب: “لقد قادت بكين أكثر من 30 عاما من النمو الاقتصادي المذهل، حيث خلقت صناعات تغزو العالم من الصفر، وعمالقة الشركات مثل: هواوي، وعلي بابا، ومدن جديدة على أراض كانت ذات يوم حقولا زراعية. إنها رؤية مقنعة لقائد طموح مثل ولي العهد، وليس فقط لأن الصين تشير إلى طريق التنمية الاقتصادية ولكن لأنها تشير إلى طريق التنمية الاقتصادية من دون ذرة ديمقراطية”.

وأشار “روزنبرغ” إلى أن الخطوط العريضة واضحة لأي شخص لا يشتت انتباهه عن سياسات الأمير محمد للتحرير الاجتماعي، مؤكدا أن “النموذج الصيني ليس بلدا يتمتع مواطنوه يتمتعون بالحرية والاستقلال الذاتي، بل هو بلد للمستهلكين الذين يتمتعون بمستوى معيشي متزايد في مقابل التنازل عن حرياتهم الأساسية لحكومة خيرية”.

ومضى يقول: “تعد القومية جزءا مهما من المعادلة أيضا، لأنه حتى المستهلكون يحتاجون إلى مزيد من الإلهام حتى يظلوا مخلصين. لكنها قومية متشددة لا تتحمل أي ولاء مزدوج، خاصة الدينية”.

وبيّن الكاتب: “كان الولاء في السعودية في يوم من الأيام بمثابة ولاء شخصي للبيت الملكي وعلامة صارمة للأصولية الوهابية. والآن يريد ولي العهد أن يكون الولاء للدولة وحدها، ولم يعد مسؤولا أمام رجال الدين مثلهم في ذلك مثل منظمات حقوق الإنسان”.

وزاد قائلا: “هذا ما يفسر سبب قصه لأجنحة الشرطة الدينية واتخاذ موقف أكثر ودية تجاه الأقلية الشيعية في البلاد”.

ولفت الكاتب إلى أنه “على عكس الكثير من منتهكي حقوق الإنسان، تنجح الصين في أن تصبح عضوا محترما في مجتمع الأعمال العالمي، وهذا سبب آخر لتطلع المملكة إلى النموذج الصيني. يمكن للصين أن تفعل ذلك ببساطة لأنها كبيرة وقوية اقتصاديا لدرجة أن لا يستطيع أحد مؤاخذتها. مثال على ذلك: لقد قام علي بابا للتو بالاكتتاب العام الثانوي العملاق في هونغ كونغ هذا الأسبوع حتى في الوقت الذي تعرضت فيه المدينة للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية”.

 

أوجه الاختلاف

ونوه إلى أن “الاقتصاد السعودي ليس بنفس حجم الاقتصاد الصيني، لكنه كبير ومهم بما فيه الكفاية لدرجة أنه قد يكون قادرا على القيام بنفس التوازن. مثال على ذلك: بعد عام واحد فقط من القتل المروع لجمال خاشقجي، استقطبت المملكة مؤتمر مبادرة الاستثمار في المستقبل، وهو الحدث الاستثماري الأول في البلاد، أكبر الشركات في العالم وأكبر رجال المال”.

وأشار الكاتب إلى أن “ولي العهد كانت لديه الجرأة في تنظيم هذا الحدث في فندق ريتز كارلتون بالرياض، الذي احتجز فيه قبل عامين بعض أكبر رجال الأعمال كرهائن”.

وبخصوص تراجع أسعار النفط، قال الكاتب: “قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تقييد أعظم طموحات المملكة، لكن لا يزال لديها الكثير من المال. لن تخلق الديمقراطية وحقوق الإنسان عقبة مستعصية أمام الشركات الأجنبية التي تتصارع للحصول على نشاطها، حيث توفر السياسة الودية لإدارة ترامب ختم الموافقة”.

وتابع: “سواء كان الأمر يتعلق بالصين أو كاليفورنيا، فليس من المفترض أن ينجح النموذج في المملكة. لقد بدأ نهوض الصين من الفقر، وبعد ثلاثة عقود، ما زال البلد متوسط الدخل، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 8800 دولار، مقارنة مع متوسط الدخل في السعودية البالغ 21 ألف دولار”.

ورأى الكاتب أنه “للارتقاء إلى صفوف الأثرياء، سيتعين على الصين أن تنتقل إلى اقتصاد عالي التقنية حقا، وليس هناك ما يضمن نجاحها. أحد الأسباب هو أن النموذج الصيني للمشروعات الحرة والحكومة القمعية ليس أرضا خصبة للغاية لاقتصاد الابتكار. من الصعب أن تخبر الناس بأنهم مبدعون وأن يفكروا خارج الصندوق في العمل لكن يظلوا هادئين وخاضعين عندما يغادرون”.

واختتم الكاتب مقاله، بالقول: “تعتقد الصين أن بإمكانها تربيع هذه الدائرة وكذلك يفعل ولي العهد. أراهن أنهما مخطئان”.