قبل 5 سنوات، أدلى الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” بتصريحات أوصلت رسالة صادمة للسعودية، إذ حذر من أن “المنافسة بين السعوديين والإيرانيين ساعدت في إذكاء الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن”، وعرض حلا على البلدين، معتبرا أنهما “بحاجة للتوصل إلى طريقة فعالة للتعايش معا”.

وتسببت رؤية “أوباما” آنذاك حول خلق توازن جديد في الشرق الأوسط في قلق السعودية ودول الخليج الأخرى، وربما تكون تلك الدول شعرت بقلق مماثل عند الاستماع إلى تصريحات الرئيس “جو بايدن” في 4 فبراير/شباط الجاري.

ففي خطاب أدلى به من مقر وزارة الخارجية، شجب الرئيس الأمريكي الجديد “الكارثة الإنسانية والاستراتيجية” للحرب في اليمن، التي دخلت عامها السابع، وتدور بين التحالف العربي الذي تقوده السعودية والمتمردين الحوثيين المرتبطين بإيران.

وقال “بايدن” إنه على الرغم من أن إدارته ستواصل بيع أسلحة دفاعية إلى السعودية -التي تعرضت لعشرات الهجمات بصورايخ وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين في السنوات الأخيرة- لكنها ستنهي “كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”.

 

عرقلة آلة الحرب السعودية

ويمكن أن يعرقل ذلك آلة الحرب السعودية، فبين عامي 2015 و2019 كانت المملكة أكبر مستورد للسلاح في العالم، وفقا لأرقام جمعها “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (سيبري)، وحوالي ثلاثة أرباع هذه الواردات جاءت من أمريكا و13% أخرى من بريطانيا.

ورغم أن المملكة لديها ما تحتاجه من دبابات وطائرات حربية، لكن حظر “بايدن” قد يقطع عنها قطع الغيار وإمدادات الذخيرة، بما في ذلك صفقة القنابل الذكية الضخمة التي وقعها “دونالد ترامب” في اللحظة الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وستكون تفاصيل تغيير سياسة “بايدن” في هذا الخصوص مهمة. فإذا قامت أمريكا فقط بإيقاف تدفق القنابل “الذكية”، فقد يضطر السعوديون إلى الاعتماد على القنابل التقليدية ما يعني أن قرار “بايدن” يوفر القليل من الدعم لليمنيين.

لكن يمكن أن يذهب “بايدن” إلى أبعد من ذلك؛ فالقضية ربما لن تكون مجرد سلاح، بل في إمكانية استخدامه.

وعلى الرغم من أن إدارة “ترامب” أوقفت قرار إعادة تزويد طائرات “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية بالوقود، لكنها استمرت في تقديم “المشورة العسكرية والمعلومات الاستخباراتية والمساعدات اللوجستية وغيرها من أشكال الدعم”، وفقا للبيت الأبيض.

وإذا توقفت أمريكا عن صيانة الطائرات السعودية، فقد تتأثر 50% من القوة الجوية للمملكة، حسب تقديرات “توم بيكيت” من “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشؤون الدولية.

كما قد تدفع خطوة “بايدن” شركاء المملكة الآخرين إلى التفكير في خطوات مماثلة، ففي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، ألغت إيطاليا مبيعات صواريخ وقنابل بقيمة 485 مليون دولار لكل من السعودية والإمارات، مبررة القرار بتورط البلدين في حرب دامية باليمن.

وفي 4 فبراير/شباط الجاري، قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني “توبياس إلوود” إن على بلاده أن تحذو حذو إيطاليا في هذا الصدد.

وإذا حدث ذلك، فسيكون له تداعيات خطيرة على القوات الجوية السعودية، إذ تم تصنيع الطائرة الحربية الرئيسية غير الأمريكية في المملكة، “يوروفايتر تايفون”، من قبل كونسورتيوم أوروبي، ويجب أن يخدمها فنيون غربيون.

شيء واحد لن يفيد معه قرار “بايدن”، مع الأسف، وهو إنهاء الفوضى في اليمن، فالسعوديون ليسوا سوى لاعب واحد في حرب معقدة بشكل محير.

إذ ظل الحوثيون منذ عقود يقاتلون الدولة اليمنية، وأحيانا القوات المسلحة السعودية، وبتشجيع من استيلائهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أظهروا القليل من الرغبة في التسوية.

ولا تزال هناك أيضا انقسامات حادة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بقيادة الرئيس “عبدربه منصور هادي” و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، وهو مجموعة انفصالية، و”هادي” و”المجلس الانتقالي” حليفان اسميان، لكنهما خاضا مناوشات في الماضي.

ويتلقى “هادي” الدعم من السعوديين، بينما تحالف “المجلس الانتقالي” مع الإمارات؛ الشريك السابق في التحالف العربي، الذي خرج إلى حد كبير من الحرب عام 2019.

 

تحول أوسع في العلاقات

وبدلا من ذلك، ربما يشير خطاب “بايدن” إلى تحول أوسع في علاقة أمريكا بالسعودية. فقد كان الاثنان شريكين لمدة 76 عاما، منذ أن التقى الرئيس “فرانكلين روزفلت” بالملك “عبد العزيز آل سعود” على متن طراد أمريكي عام 1945.

لكن الشراكة نمت بشكل غير فعال، وأدت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى قيام العديد من الأمريكيين بالربط بين السعودية والتطرف، بعد ذلك بعامين غزت أمريكا العراق، على الرغم من اعتراضات بعض المسؤولين السعوديين، الذين كانوا يخشون أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وخلال فترة رئاسة “أوباما”، كان السعوديون ينظرون إليه على أنه ساذج، وغضبوا منه عندما دعا الديكتاتور المصري “حسني مبارك” إلى التنحي بعد 30 عاما في الحكم، بالتزامن مع الأيام الأولى لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إذ اعتبر السعوديون موقف “أوباما” من “مبارك” خيانة متسرعة لشريك أمريكي قديم؛ ما جعلهم قلقين بشأن وضعهم الخاص.

وحدث صدع أكبر في العلاقات بين أمريكا والسعودية عام 2015، عندما وقع “أوباما” على اتفاق نووي مع إيران، بالنسبة له كان هذا إنجازا، لكن السعوديين اعتبروه دفعة غير محسوبة لعدوهم اللدود؛ حيث منح إيران الشرعية والنمو الاقتصادي.

ليس من المستغرب إذن أن السعوديين كانوا سعداء برؤية “أوباما” يغادر البيت الأبيض، ولم يدخروا جهدا في سحر خليفته، فعلى غير المعتاد بالنسبة لرئيس أمريكي، كانت الرياض وجهة “ترامب” بأول رحلة خارجية له؛ حيث احتفل معه مضيفوه برقصة العرضة التقليدية.

أمضى “ترامب” السنوات القليلة التالية في رفض انتقاد المملكة بإصرار، حتى أنه ساعد في حمايتها من العواقب بعد مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في عام 2018، الذي تم تقطيع جثمانة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وقوبل انسحاب “ترامب” من الاتفاق النووي بترحيب من السعوديين.

ومع ذلك، لم يكن “ترامب” شريكا موثوقا به. فقد صُدم السعوديون (ودول الخليج الأخرى) عام 2019 عندما لم يفعل شيئا للرد على هجوم إيراني على منشآت نفطية بالمملكة.

كما أن احتضان “ترامب” للسعوديين عرضه لهجوم سياسي في واشنطن، إذ طالب العديد من الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، بمعاقبة المملكة على المذبحة في اليمن ومقتل “خاشقجي”، وقال “بايدن” نفسه في مناظرة رئاسية، إبان حملته الانتخابية، إنه سيعامل السعودية على أنها “منبوذة”.

لكن هذا غير محتمل، فقد يكون الأمريكيون غاضبين من المملكة، لكنها لا تزال منتجا قويا للنفط، وعضوا فعالا في مجموعة العشرين، وشريكا مهما في مكافحة الإرهاب.

لا يستطيع “بايدن” قطع العلاقات مع السعودية ببساطة، وبدلا من ذلك، سيتعين عليه إيجاد نهج جديد؛ نهج لا ينغمس في أسوأ دوافع المملكة، ولا يعزز أسوأ مخاوفها.